التونسيون يراهنون على الانتخابات البلدية لتركيز الحكم المحلي

تونس- يعد الاستحقاق الانتخابي البلدي سواء بالنسبة إلى الأحزاب السياسية أو بالنسبة إلى الرأي العام مفصلا تاريخيا لكونه أول استحقاق منذ خمس سنوات، وأيضا لكونه يمثل الخطوة الأولى التي ستضع مسار الانتقال الديمقراطي على محك الاختبار الشعبي للأحزاب على مدى قدرتها على التعاطي مع المعضلات التنموية التي تواجهها الجهات المحرومة.
وأعلن رياض المؤخر وزير التنمية المحلية والبيئة أن الحكومة عازمة على إجراء الانتخابات العام المقبل، ملاحظا أن هناك نقاشا بين وزارته ورئاسة الحكومة والكتل البرلمانية للتوصل إلى “توافق” بشأن الاستيفاء من إعداد مشروع القانون المثير للجدل حول مشاركة الأمنيين والعسكريين. وكان يفترض أن تجري الانتخابات العام الحالي غير أن الخلافات بين الكتل البرلمانية حول عدد من فصول القانون المنظم وخاصة حق تصويت الأمنيين والعسكريين من عدمه عمقت الكثير من التعقيدات وقادت إلى تأجيل الاستحقاق لأكثر من مرة ما أثار استياء الرأي العام.
ويدافع عدد من الكتل البرلمانية وفي مقدمتها كتلة الجبهة الشعبية المعارضة عن حق مشاركة الأمنيين والعسكريين احتراما لمبدأ المواطنة، لكن وفي المقابل ترى كتل أخرى منها كتلة النهضة أن المشاركة من شأنها أن تزج بالمؤسسة الأمنية والعسكرية في المشهد السياسي وتجردها من هويتها الحيادية. ويخفي الخلاف القانوني، كما يذهب إلى ذلك محللون سياسيون والهيئة العليا المستقلة للانتخابات، وراءه حساباتا سياسية لأحزاب تخشى أن تقود نتائج الانتخابات إلى كشف حقيقة وزنها الشعبي المهزوز خاصة وأنها تشكو من تعقيدات جدية بشأن التواصل مع الأهالي وكسب تأييدهم في ظل غياب أي برامج تنموية تتعاطى بفاعلية مع المشاغل الحقيقية.
ولم يتردد شفيق صرصار رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في التأكيد على أن تأخير الانتخابات يعتبر “كارثة بكل المقاييس”، مشددا على أن المزيد من تعطيل المصادقة على مشروع القانون من قبل البرلمان قد يؤدي إلى تأجيل الاستحقاق إلى العام 2018 الأمر الذي سيتسبب في تراجع نسبة المشاركة ونفور الناخبين الذين يتوجسون من مصداقية الأحزاب السياسية.
في ظل هشاشة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، التي ما انفكت تتعمق خلال السنوات الخمس الماضية، فشلت الحكومات المتعاقبة في كسب ثقة أهالي الجهات الداخلية
ويحمل صرصار الأحزاب السياسية الصعوبات التي تواجهها الهيئة في تنظيم الانتخابات التي من شأنها أن تضع حدا للمؤسسات المؤقتة وترسي مؤسسات شرعية ودائمة تساعد الحكومة على تنفيذ برامج تنموية. ويكاد يجمع التونسيون وكذلك الخبراء في التنمية الاجتماعية على أن القرارات والإصلاحات التي تتخذها السلطة المركزية في ما يتعلق بالتنمية لن يكتب لها النجاح إلا في حال تركيز مؤسسات حكم محلي منتخبة وممثلة للجهات التي تعج بكفاءات كثيرا ما تم تهميشها من المشاركة في معالجة ملفات جهاتهم ومناطقهم المحرومة التي هم أدرى بها.
ويتذمر أهالي الجهات الداخلية من “سطوة القرار المركزي” على الشأن الجهوي حتى أنهم باتوا يجاهرون بأنهم أصبحوا مواطنين من درجة ثانية في دولة يفترض أن تحترم مبدأ المواطنة. ويعتبرون أن المسؤولين الحكوميين يسقطون على جهاتهم قرارات، في حين كان الأحرى بهم إشراكهم في معالجة المعضلات التنموية التي تختلف من جهة إلى أخرى.
ويقول الخبير هشام بن عمار إن “الانتخابات البلدية تختلف جذريا عن الانتخابات الرئاسية والبرلمانية لأنها ليست استحقاقا سياسيا كما تعتبره الأحزاب، وإنما هي استحقاق تنموي وشعبي يستوجب برامج تتفاعل إيجابيا وعمليا مع المشاغل اليومية للمواطنين بعيدا عن التعبئة السياسية الجوفاء”. ويشدد بن عمار على أن الأحزاب السياسية تعوزها الثقافة السياسية الواعية بأن أهالي الجهات الداخلية لا يتطلعون إلى فوز هذا الحزب أو ذاك وإنما يراهنون على أن تقود الانتخابات إلى فوز برامج تنموية تشخص معضلات كل جهة وتقدم لها الحلول العملية في إطار مقومات حكم محلي يعزز الشعور بالانتماء إلى دولة المواطنة المدنية ويسهم في دفع المسار الانتقالي الديمقراطي.
وفي ظل هشاشة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، التي ما انفكت تتعمق خلال السنوات الخمس الماضية، فشلت الحكومات المتعاقبة في كسب ثقة أهالي الجهات الداخلية باعتبار أن القرارات كانت بالأساس قرارات مركزية لم تنبن على تشخيص ميداني لطبيعة ونوعية مشاغل الأهالي. ويتوقع أنه في حال إجراء الانتخابات البلدية ونجاحها في إشراك كفاءات من أبناء الجهات ضمن مجالس بلدية تعكس ثقة التونسيين، سيساعد الحكم المحلي الحكومة على مباشرة السياسات الإصلاحية التنموية التي أعلنت عنها من خلال تفويض الشأن الجهوي إلى الأهالي، وهو ما من شأنه أن يعزز الثقة في خطابها السياسي وفي جهودها.
ويطالب هشام بن عمار بضرورة الإسراع في إجراء الانتخابات باعتبار أن الحكومة في أمس الحاجة إلى مؤسسات محلية قادرة على تنفيذ برامج تنموية تلامس مشاغل المواطنين، مشددا على أن “حالة الهشاشة الهامة التي تعصف بالجهات الداخلية وما يرافقها من احتقان تستوجب تركيز مجالس بلدية منتخبة تكون إطارا أمثل لفتح الملفات التنموية التي لم تعد قابلة للتأجيل”.