التوظيف في القطاع الحكومي يقتحم المعركة الانتخابية في كردستان العراق

الأبعاد الاستثنائية التي اتّخذها التنافس على السلطة بين الحزبين الرئيسيين في إقليم كردستان العراق، رفعت من قيمة الرهان على الانتخابات البرلمانية القادمة وأشاعت حالة من التوتّر عكستها الحملة الدعائية المبكّرة لكلا الحزبين اللذين بدا أنّهما لا يوفران أيا من الوسائل المتاحة لهما لكسب ذلك الرهان والانتصار على الطرف الآخر.
أربيل (العراق) - انطلق الحزبان الرئيسيان في إقليم كردستان العراق، الحزب الديمقراطي الكردستاني وغريمه التاريخي حزب الاتّحاد الوطني الكردستاني في حملة دعائية مبكّرة استعدادا للانتخابات البرلمانية المقررة في الإقليم المتمتّع بحكم ذاتي ضمن الدولة الاتّحادية العراقية، للعشرين من شهر أكتوبر القادم.
وعلى قدر ارتفاع منسوب التوتّر بين الحزبين اللذين سبق أن خاضا صداما مسلّحا ضدّ بعضهما البعض في منتصف تسعينيات القرن الماضي، ارتفع رهان الانتخابات المنتظرة التي يعني الفوز فيها القبض على مقاليد السلطة في الإقليم بما توفّره لصاحبها من مقدّرات ووسائل ثبت بالتجربة العملية أنّها كثيرا ما تستخدم خدمة لأغراض حزبية، وحتى شخصية. وعاد هذا العامل إلى البروز مع إصدار رئيس حكومة الإقليم والعضو القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني مسرور بارزاني قرارا بتعيين الآلاف من المدرسين العاملين، على سبيل التعاقد.
ولم يكن من الصعب ربط هذا القرار الذي اختار متخذوه أن يمس أحد أكثر الملفات الاجتماعية حساسية في الإقليم لارتباطه بالأوضاع المزرية لشريحة واسعة من الخريجين المتخصصين في مجال التربية والتعليم، بأغراض انتخابية نظرا لتوقيته واعتبارا للأزمة المالية الخانقة التي يمر بها الإقليم جرّاء تأخّر الحكومة الاتّحادية العراقية في تسليمه الأموال المخصصة لدفع رواتب موظفيه، فضلا عن كون الحكومة التي يرأسها بارزاني تعتبر حكومة تصريف أعمال منذ انتهاء فترة البرلمان قبل نحو سنتين وتجادل دوائر سياسية وقانونية في امتلاكها صلاحية إصدار مثل تلك القرارات ذات الأثر طويل الأمد.
وأثار ذلك حفيظة حزب الاتحاد الذي اتهم غريمه الحزب الديمقراطي بـ”استخدام السلطة في حملة مسبقة للدعاية الانتخابية”. واُتّخذ قرار التعيين بمرسوم وقّعه بارزاني ونصّ على “تعيين جميع المدرسين المحاضرين في وزارتي التربية والتعليم العالي والبحث العلمي، بصفة عقود”، وتكليف الوزارتين “بتدقيق قوائم أسماء المدرسين المحاضرين وتنفيذ إجراءات تعيينهم”.
وتمّ تبرير الخطوة ضمن نصّ المرسوم ذاته بقول رئيس الحكومة الموقّع عليه إنه “بناء على الدور البارز الذي يساهم به المدرسون المحاضرون في استمرارية عملية التربية والتعليم العالي، اتخذنا هذا القرار”. وسبقت اتّخاذَ قرار التعيين خطوةٌ وصفها منافسو الحزب الديمقراطي بالاستعراضية والدعائية تمثّلت في استقبال بارزاني لمجموعة من ممثلي هؤلاء المدرسين البالغ عددهم الجملي ثمانية وثلاثين ألفا، للإيحاء بالاستماع لمشاغلهم والاستجابة الفورية لها.
وحرص المشكّكون في خلفيات قرار التعيين على التأكيد على عامل التوقيت مشيرين إلى كون هؤلاء المدرّسين ظلوا يحتجون ويطالبون بتسوية أوضاعهم البائسة منذ سنوات طويلة.
وأشار إلى ذلك تقرير نشرته وسائل إعلام تابعة لحزب الاتّحاد الوطني الكردستاني وجاء فيه أنّه “منذ ما يزيد على خمس سنوات، يطالب المعلمون والمدّرسون المحاضرون في إقليم كردستان، بتعيينهم رسميا من قبل حكومة الإقليم، وقد قاموا بنشاطات مدنية متعددة لإيصال صوتهم إلى الجهات المعنية، لكن رئيس الحكومة لم يستجب لطلبهم، مع أن ذلك لن يلقي أعباء مالية كبيرة على عاتق الحكومة. والآن إذ يقترب موعد إجراء الانتخابات أعلن رئيس حكومة الإقليم عن تعيين المحاضرين بعقود، وليس بشكل دائم، مستخدما هذا الحق المشروع لهم كدعاية انتخابية لحزبه”.
وقال لقمان وردي القيادي في حزب الاتحاد الوطني الكردستاني لوسائل إعلام حزبية “بعد كل الدعوات والتظاهرات والإضراب والاعتصام، وغيرها من أنماط النضال المدني التي مارسها المعلمون والمدرسون المحاضرون خلال السنوات الماضية، فمن حقهم أن يتم تعيينهم الآن بشكل دائم وليس بعقود، واعتبار ذلك مكسبا لرئيس حكومة الإقليم”.
وأضاف “خلال السنوات الخمس الماضية، كان رئيس حكومة إقليم كردستان ممانعا لتعيين المحاضرين”، واصفا قرارات رئيس الحكومة بـ”التفردية” وبأنّها “دليل على حقيقة أنه لم يصغ أبدا إلى مبادئ الشراكة الحقيقية وأسس الحكم الرشيد في إقليم كردستان، وبهذه الخطوة يهدف إلى تصويب موقفه، ولكنه لن ينجح في ذلك”. وذكّر وردي بأنّ “أكثرية أعضاء برلمان كردستان في الدورة الخامسة، كانوا يؤيدون تعيين المحاضرين، لكن رئيس حكومة الإقليم رفض التوقيع على طلبهم، والآن حين يقرر تعيينهم بعقود، فهذا يدخل في خانة استخدام السلطة كحملة مسبقة للدعاية الانتخابية، وليس استجابة لحقهم المشروع في التعيين”.
وجاء الجدل حول تعيين المدرّسين كجزء من معركة دعائية اشتعلت مؤخّرا بشكل استثنائي بين حزب أسرة بارزاني الديمقراطي الكردستاني، وحزب ورثة الرئيس العراقي الراحل جلال طالباني الاتّحاد الوطني، وذلك منذ تمكّن الأخير من قيادة الحكومة المحلية لمحافظة كركوك من خلال توليه منصب المحافظ إثر صفقة عقدها مع مجموعة من القوى السياسية وجاءت على حساب غريمه الديمقراطي الذي توعّد بالتعويض عن الخسارة في كركوك من خلال الانتخابات البرلمانية الأهم كثيرا كونها تتيح للفائز فيها تولي زمام قيادة حكومة إقليم كردستان العراق.
وقال هيمن هورامي عضو المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني في تصريحات للصحافيين إنّ الحزب هو من سيفوز في الانتخابات وستولى قيادة الحكومة القادمة برئاسة مسرور بارزاني. وأضاف موجّها الاتهام بشكل ضمني للاتحاد الوطني “هناك بعض الأطراف التي تشارك في الحكومة من جهة، بينما تسعى في الوقت نفسه لتقويض الحكم وتُعارض مبادئه”.
وعلى الطرف القابل، تَعَمّد حزب الاتّحاد استثارة غريمه الديمقراطي بحملة منسقة بين العديد من قياداته ومنتسبيه أقامها على الترويج لتغيير الوضع من خلال الانتخابات والحدّ من هيمنة الحزب الديمقراطي على مقاليد السلطة في الإقليم.
وقال قوباد طالباني القيادي في حزب الاتحاد الوطني إنّ الأخير قرّر تصحيح مسار الحكم وإحداث التغيير في إقليم كردستان. وأكّد في اجتماع حزبي على أهمية الانتخابات المقبلة، واصفا إياها بـ”المصيرية للاتحاد الوطني ومستقبل العملية السياسية في كردستان”. وأضاف قوله في الاجتماع الذي انعقد في منطقة رابرين بمحافظة السليمانية “ننتظر انتخابات نزيهة ونتطلع لفوز ساحق، نظرا للأهلية التي يتمتع بها الاتحاد الوطني في كردستان والعراق والمنطقة، وتوسّع قاعدته الجماهيرية يوما بعد آخر”.
◙ المشكّكون في خلفيات قرار التعيين المدرسين يحرصون على التأكيد على عامل التوقيت باعتبار أن هؤلاء ظلوا يحتجون ويطالبون بتسوية أوضاعهم البائسة منذ سنوات طويلة
وتطرق إلى مكسب حزبه في كركوك بالقول “ننتظر تحقيق فوز ساحق في كردستان يضاهي ما تحقق في الانتخابات المحلية بكركوك والمناطق الأخرى”. وغير بعيد عن هذا السياق قال سركوت زكي مسؤول مكتب تنظيمات الاتحاد الوطني الكردستاني إنّ الأخير يمر بأوج مراحل القوة والحضور الجماهيري ما يؤهله لـ”استعادة رئاسة حكومة الإقليم” بالفوز في انتخابات أكتوبر القادم، مؤكّدا أنّ حزب الاتحاد “يريد تصحيح مسار الحكم وإنهاء احتكار السلطة في إقليم كردستان”.
ووجّه جعفر الشيخ مصطفى مسؤول مجلس حماية المصالح العليا للاتحاد الوطني الكردستاني نقده المباشر لحكومة مسرور بارزاني قائلا إنّها “لم تتمكن من الاستمرار في مسيرة البناء لأنه لم يتم التعامل من خلالها مع حزب الاتحاد كشريك حقيقي في السلطة”، مضيفا أنّه “ينبغي أن نعمل بجدية للعودة الى السلطة الحقيقية عبر العملية الديمقراطية”، ومعتبرا أنّ بإمكان الحزب أنّ “يغير المعادلة السياسية في الإقليم ليتمكن عبر السلطة من خدمة المواطنين الذين حرموا من الخدمات خلال السنوات الماضية وعانوا الأزمات وتأخير الرواتب”.
وكثيرا ما اتّهم حزب الاتحاد الوطني غريمه الحزب الديمقراطي بتزوير الانتخابات من خلال سيطرته على المفوضية المشرفة على العملية الانتخابية. وعلى هذا الأساس يرى قادة الاتحاد أن إشراف المفوضية العليا المستقلة (اتّحادية) بشكل استثنائي على انتخابات أكتوبر سيمنع التزوير ويتيح له الفوز. ولا يخلو ذلك من مبالغة إذ أن إشراف المفوضية ذاتها على الانتخابات في عموم العراق لم يحم تلك الانتخابات من شبهات التزوير واسع النطاق.
ولمحت المفوّضية بوادر على انطلاق أحزاب كردستان في حملات انتخابية مبكرة خارج نطاق القانون، وقالت المتحدثة باسمها جمانة الغلاي الجمعة في تصريحات صحفية إن "المرشحين مازالوا في طور تدقيق بياناتهم، وبالتالي لم يصادق مجلس المفوضين على المرشحين حتى الآن، والمرشح لا يستطيع الإعلان عن حملته لأنه بالأساس لا يمتلك رقما تسلسليا".
وحذّرت من أنه إذا وردت شكاوى من حملات سابقة للموعد الرسمي “فسنتخذ الإجراءات القانونية بحق المخالفين”. لكن متابعين للشأن العراقي قالوا إنّ الحملات الانتخابية المبكرة لم تعد في حاجة إلى من يرفع شكاوى بشأنها للمفوضية إذ أصبحت مرئية للعيان وعلى نطاق واسع في وسائل الإعلام وفي الفضاءات العمومية.