التوسع في بناء السجون بمصر يبعث برسائل متناقضة: حرص على سلامة المساجين وتضخم في أعدادهم

الرئيس عبدالفتاح السيسي يعلن افتتاح أكبر مجمع سجون في البلاد.
الجمعة 2021/09/17
سجون تسع الجميع

تمضي الحكومة المصرية في تنفيذ استراتيجية طويلة المدى لإصلاح سجونها، بدأت منذ زيادة معدل الإفراج عن المحبوسين السياسيين عبر إجراءات احترازية مشددة، تبعها إخلاء سبيل عدد آخر على ذمة قضايا مختلفة، وصولا إلى التوسع في إنشاء سجون جديدة للتخفيف من التكدس بعد أن وجهت تقارير دولية ومحلية انتقادات لاذعة لأوضاعها.

القاهرة - يبعث توسع الحكومة المصرية في تشييد السجون برسائل متنافضة، فبقدر ما توحي الخطوة بتوفير حياة إنسانية داخلها لا تخلو من إشارة غير مباشرة إلى التضخم في عدد المحبوسين وأن هناك استعدادات لتقبل المزيد.

وأعلن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في مداخلة هاتفية مع التلفزيون الحكومي مساء الأربعاء افتتاح أكبر مجمع سجون في مصر في غضون أسابيع قليلة، ضمن ثمانية مجمعات يجري العمل فيها، لافتا إلى أن السجون الجديدة “تضاهي النموذج الأميركي في كل شيء، وأن ذلك حق للمحبوسين الذين يجب أن يعاقبوا مرة واحدة بقضاء العقوبة في السجن”.

وأصدر وزير الداخلية اللواء محمود توفيق قبل شهرين قرارات بإنشاء ثمانية سجون مركزية جديدة في أربع محافظات في بقاع جغرافية مختلفة، في الوقت الذي قامت فيه الحكومات المتعاقبة منذ اندلاع ثورة يناير 2011 بإنشاء 35 سجنا من إجمالي 78 سجنا في مصر، بحسب أرقام منظمات حقوقية.

ويواجه النظام الحاكم انتقادات حقوقية متتالية تسلط الضوء على أوضاع السجون في مصر، وتكاد تشكل جزءا رئيسيا في غالبية التقارير والبيانات ومطالبات المجلس الدولي لحقوق الإنسان بشأن تحسين السجل الحقوقي للقاهرة التي تتعامل معها برؤية إصلاحية تنطوي على أبعاد أمنية تدعم قدرتها على مجابهة أي أزمات داخلية.

وتبرهن التحركات الأخيرة على أن أوضاع السجون تشكل منغصا أمنيا وسياسيا واجتماعيا في ظل الصعوبات التي تواجه وزارة الداخلية في الفصل بين المسجونين السياسيين والجنائيين، والتخلص من مسألة توظيف حالة السجون لتفريغ عناصر إرهابية جديدة ليس لها سجل سياسي نتيجة التكدس، وتعزيز قدرة وزارة الداخلية على إحكام قبضتها عليها وسد منافذ من شأنها تحويلها إلى بؤرة خطيرة.

صورة غير واقعية

أيمن نصري: الحكومة تستجيب للضغوط الدولية في الوقت الذي تراه مناسبا

لم تعد الزيارات التي قامت مصلحة السجون التابعة لوزارة الداخلية بترتيبها لمنظمات حقوقية محلية ودولية كافية لإقناعها بأن هناك تحسنا، بل إن الكثير من هذه الزيارات جرى استغلاله في توجيه انتقادات للحكومة لأنها قدمت صورة غير واقعية عن طبيعة واقع المسجونين، كما أن وجود سجون متطورة تتوافق مع الاشتراطات الدولية لا يعني عدم وجود مشكلات في سجون أخرى بحاجة إلى تحسين ظروفها.

ويرى مراقبون أن التوسع في إنشاء السجون بمعايير متطورة يشكل ضرورة أمنية لأن اتساع دائرة الاشتباه في العناصر الإرهابية واتخاذ إجراءات مشددة بحق العناصر التي ترتبط بعمليات إرهابية تعرضت لها البلاد السنوات الماضية جعل هناك أعباء إضافية على جهاز الشرطة الذي قد يتعرض للإنهاك نتيجة عمليات التأمين المشددة لنقل المحبوسين إلى المحاكم المختلفة.

وتخشى دوائر أمنية أن تستغل العناصر الإرهابية تكرار التنقل من السجون إلى المحاكم لتنفيذ مخططات هروب محكمة تشكل حرجا للحكومة وتؤدي إلى حالة من الفوضى داخل مقرات الاحتجاز تؤثر سلبا على قدرتها في التحكم في أكثر من 100 ألف سجين، وفقا لتقديرات منظمات حقوقية.

لعل ذلك ما ذهب إليه الرئيس السيسي في تصريحاته الأخيرة التي ألمح فيها إلى إقامة محاكم في المجمعات الجديدة، قائلا “الحركة ستكون قليلة بعيدا عن الانتقال بعربات الترحيلات والقضاء سيكون هناك، وعملية الإصلاح تتضمن إنشاء منظومة متكاملة ورعاية صحية وإنسانية وثقافية وإصلاحية”.

وأوضح مساعد وزير الداخلية سابقا اللواء محمد نورالدين أن مصر استفادت من دروس (ثورة) الخامس والعشرين من يناير 2011 عندما جرى استهداف السجون من جانب العناصر الإرهابية القادمة من قطاع غزة لتهريب مسجونين تابعين لتنظيم الإخوان، ووجودهم في أماكن مجمعة وتكدسهم سمح بتهريب عدد من المسجونين شديدي الخطورة.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن خطط بناء المجمعات الجديدة تقوم على تدشين مناطق مؤمنة بشكل محكم وفقا لخطط أمنية متطورة عالميا تستطيع ردع أي عناصر إرهابية تفكر في اقتحامها، وتساعد في الوقت ذاته على توزيع المساجين المتهمين في قضايا إرهاب على مناطق عدة حتى لا يسمح بالتخطيط لعمليات جديدة من داخل السجون بما يقوض خطط تجنيد المساجين المتهمين في قضايا جنائية أخرى.

وأشار اللواء نورالدين الذي عمل من قبل مديرا لقطاع مصلحة السجون إلى أن مقترحات التوسع في إنشاء السجون تعددت قبل ثورة يناير، لكن كانت تقابل بتحفظات سياسية لعدم تصوير الأمر على أنه ترسيخ لمقولات تنظيم الإخوان التي زعمت أن الدولة تسعى لبناء سجن لكل مواطن، وتركزت غالبية الجهود على تطوير السجون القديمة غير الكافية.

تخفيف القبضة الأمنية

Thumbnail

تجاوزت القاهرة فكرة توظيف المنظمات الحقوقية لأعداد السجون باعتبارها دليلا على زيادة القبضة الأمنية والتضييق على الحريات العامة، إذ أن الزيادة السكانية والتوسع في مجالات البناء والتعمير بشكل عام منحها القدرة على تسويق قراراتها وفقا لرؤيتها من زاوية إيجابية، إضافة إلى أن القرارات الأخيرة تشكل استجابة لمطالب دولية شددت على ضرورة إصلاح الوضع القائم في السجون.

وتلقى خطوات الحكومة باتجاه تشييد سجون ترحيبا من منظمات حقوقية عديدة، لكنها ترى ضرورة ربطها بإجراءات على مستوى التشريعات للحد من العقوبات السالبة للحرية من خلال الحبس واستبدالها بالغرامات المالية أو تنفيذ عقوبات مفيدة للسجين والدولة معا، كذلك تعديل قانون الحبس الاحتياطي وتحديده بمدة معينة وعدم التوسع في استخدامه إلى جانب النأي عن التوسع في توجيه قوائم الاتهامات التي تشكل قضية أساسية تساهم في بقاء المحبوسين فترات أطول داخل السجون.

وطالبت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية بتفعيل نص المادة 520 من قانون الإجراءات الجنائية التي تقر بأن للمحكوم عليه بالإكراه البدني أن يطلب استبدالا بالحبس عملا يدويّا أو صناعيّا يقوم به واستبدالا بالعقوبات السالبة للحرية أخرى غير سالبة للحرية في الجرائم البسيطة، واعتبرتها تشكل خطوة بسيطة يمكن أن تخفف من مشكلة التكدس ولن تكلف خزينة الدولة أموالا طائلة كبناء سجون جديدة.

استجابة للمجتمع المدني

رسومات للناشط والسجين السابق ياسين محمد تظهر سجل الحياة اليومية في زنزانته وتقدم صورة نادرة من داخل شبكة السجون المترامية الأطراف في مصر
رسومات للناشط والسجين السابق ياسين محمد تظهر سجل الحياة اليومية في زنزانته وتقدم صورة نادرة من داخل شبكة السجون المترامية الأطراف في مصر

قال رئيس مؤسسة ماعت للسلام والتنمية (حقوقية) أيمن عقيل إن الدولة المصرية استجابت لنداءات المجتمع المدني التي ركزت السنوات الماضية على ضرورة تحسين أوضاع السجون، وتطبيق المعايير الدولية التي تصون حقوق المسجونين، وتطرق رئيس الدولة إلى أزمة التكدس يبرهن على وجود تغير في التعامل مع هذه المطالب.

وذكر في تصريح لـ”العرب” أن تقييم جهود الحكومة في مجالات حقوقية مختلفة سيكون مرتبطا بمدى انعكاس هذه التوجهات على حياة المواطنين، وفي حال كان هناك تحسن ملموس على الأرض فالمجتمع المدني عليه دعم هذا التطور الذي يشكل ثمرة جهوده الفاعلة بعد مفاوضات وحوارات مع أجهزة حكومية استمرت سنوات.

ويذهب متابعون للتأكيد على أهمية تعامل الحكومة بجدية مع شكاوى السجناء التي تظهر للعلن بين حين وآخر دون أن تضع في حسبانها الخلفيات السياسية لمقدمي هذه الشكاوى، وأن الانفتاح بشكل أكبر على رصد الانتهاكات التي تحدث والتعامل معها بشكل علني يؤسس لترميم العلاقة بينها وبين المنظمات المحلية والدولية ويسد الكثير من الثقوب التي تنفذ منها الانتقادات الموجهة للقاهرة.

وتكمن المشكلة الرئيسية في التوجهات المصرية نحو تحسين السجل الحقوقي أن الكثير من المعايير التي تؤمن بها وتؤكد مرارا على رغبتها في تنفيذها لا يجري تطبيقها بشكل سليم والمعضلة تتمثل في ثقافة الجهات التنفيذية التي تسيطر عليها رؤية أمنية، هو أمر من المتوقع أن يأخذ حيزا أطول من الوقت لتعديله.

خطط بناء المجمعات الجديدة تقوم على تدشين مناطق مؤمنة بشكل محكم وفقا لخطط أمنية متطورة عالميا

وطالب الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، وهو أحد أحزاب المعارضة التي تجاوبت مؤخرا مع الحكومة المصرية، بأن تتضمن الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان التي جرى تدشينها السبت الماضي على خطوات تنفيذية لترسيخها عبر الإفراج عن السجناء المحبوسين احتياطيا أو المحكوم عليهم بسبب نشاطهم السياسي السلمي وإنهاء الحبس الاحتياطي المطول ومفتوح المدة رفع حالة الطوارئ المفروضة منذ 2017 وإنهاء الملاحقة الجنائية للمدافعين عن حقوق الإنسان وإغلاق القضية 173 لسنة 2011 ضد منظمات المجتمع المدني.

وأوضح رئيس المنتدى العربي الأوروبي للحوار وحقوق الإنسان (حقوقي) أيمن نصري أن التوجه نحو حل مشكلات السجون يبرهن على أن الحكومة تستجيب للمطالبات والضغوط الدولية، لكن في الوقت الذي تراه مناسبا لها، وأنها لا تمانع في التجاوب مع الدول التي لديها مصالح مشتركة وتكون تعليقاتها على الحالة الحقوقية بغرض الإصلاح وليس ممارسة ضغوط سياسية عليها.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن الحكومة لديها رغبة للمبادرة بفتح ملفات دون أن تأتي كرد فعل مستمر لانتقادات دولية لسجلها في حقوق الإنسان، ما يظهر واضحا في حالة الانفتاح الظاهرة على المعتقلين السياسيين ومحاولة دمجهم في مصالحات والإفراج عنهم، إضافة إلى إعلانها عن استراتيجية محددة المدة لإصلاح أوضاعها الحقوقية.

وبعد إعلان الحكومة المصرية السبت عن الاستراتيجية لتأكيد أنها لا تتجاهل هذا الملف، نقل موقع “بوليتيكو” الاثنين عن مسؤول أميركي أن “إدارة بايدن قررت حجب وتقييد بعض المساعدات العسكرية لمصر”.

وبحسب الموقع، فإن الحجب يسري على بعض وليس معظم المساعدات العسكرية المشروطة لمصر وقيمتها 300 مليون دولار بسبب ما قيل إنها مخاوف تتعلق بحقوق الإنسان، وأن الأموال التي سيجري إرسالها ستوضع قيود على استخدامها.

6