التوجسات من تصعيد في المنطقة تعزز التقارب بين مصر وتركيا

القاهرة - ظهرت علامات تقارب جديدة بين مصر وتركيا على وقع التوترات الإقليمية هذه المرة، والمخاطر التي يمكن أن يفضي إليها التصعيد في المنطقة بين إيران وأذرعها المختلفة من ناحية، وإسرائيل والولايات المتحدة من ناحية أخرى.
وكشفت زيارة وزير الخارجية التركي هاكان فيدان إلى مصر، يومي الأحد والاثنين، عن ردم جزء آخر من الفجوة بين القاهرة وأنقرة، والتي انعكست سابقا على مواقفهما من بعض القضايا الإقليمية، ومحاولة التفاهم حول نوع جديد من القواسم المشتركة التي تسمح لكليهما بالتعامل مع التطورات المقبلة بما يحافظ على مصالح كل دولة.
ودعا الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، خلال لقائه مع وزير الخارجية التركي هاكان فيدان والوفد المرافق له في مدينة العلمين بشمال غرب القاهرة، إلى تضافر جهود القوى الفاعلة والمجتمع الدولي للتوصل إلى وقف فوري لإطلاق النار في قطاع غزة، وإتاحة الفرصة للحلول السياسية والدبلوماسية.
وقال المتحدث باسم الرئاسة المصرية إن السيسي أكد في اللقاء أن الشرق الأوسط “يمر بمنعطف شديد الدقة والخطورة، بما يستوجب أعلى درجات ضبط النفس وإعلاء صوت التعقل والحكمة”.
وأشار المتحدث إلى توافق في الآراء بشأن خطورة المشهد الإقليمي “وتمت إدانة سياسات التصعيد الإسرائيلية” مع أهمية استمرار جهود إنفاذ المساعدات الإغاثية إلى سكان غزة الذين يعانون أوضاعا معيشية وصحية غير إنسانية.
واستعرض الوفدان المصري والتركي مجمل العلاقات الثنائية، والتطلع إلى عقد الاجتماع الأول للمجلس الإستراتيجي رفيع المستوي، والذي يمثل التئامه قريبا نقلة مهمة في مسار التعاون بين البلدين.
وشكلت زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى القاهرة في الرابع عشر من فبراير الماضي تطورا في العلاقات بعد قطيعة دامت نحو اثنتي عشرة سنة دعمت فيها أنقرة جماعة الإخوان المسلمين المصنفة على قوائم الإرهاب في مصر.
زيارة هاكان فيدان إلى مصر حوت الكثير من الرسائل الإيجابية التي تتعلق بتوسيع نطاق التفاهمات بما يتجاوز البعد الثنائي
وشهدت زيارة أردوغان توقيع بيان مشترك بشأن اجتماع مجلس التعاون الإستراتيجي الرفيع بين البلدين بقيادة رئيسي البلدين، والذي يعبّر عن تحول كبير في العلاقات.
وبحث فيدان، الذي تنقل بين مدن ثلاث هي القاهرة والعريش والعلمين، في لقائه مع وزير الخارجية المصري بدر عبدالعاطي الاستعدادات لعقد اجتماع مجلس التعاون الاستراتيجي، والمقرر خلال زيارة سوف يقوم بها السيسي إلى أنقرة.
وتحدث مسؤولون كبار في تركيا في شهر أبريل الماضي عن زيارة السيسي إلى أنقرة، وجرى تأجيلها لأسباب لم يتم الإعلان عنها، وهو ما فسره مراقبون بأن بعض الملفات الخلافية بين البلدين بحاجة إلى تباحث سياسي وأمني أكبر لتفكيك تعقيداتها.
وحوت زيارة فيدان إلى مصر الكثير من الرسائل الإيجابية التي تتعلق بتوسيع نطاق التفاهمات بين القاهرة وأنقرة بما يتجاوز البعد الثنائي الذي حدثت به تطورات مؤخرا، خاصة أن توقيتها جاء في خضم سخونة إقليمية، ومحاولات لإعادة ترتيب الأوراق في المنطقة، على ضوء ما سوف تتمخض عنه الحرب الإسرائيلية على غزة، وما يمكن أن يلحق بها من تصعيد عسكري إيراني.
مصر وتركيا حريصتان على تبني رؤية متقاربة، استعدادا لما يتمخض عن التطورات الراهنة من تداعيات
وكشفت مصادر لـ”العرب” أن مصر وتركيا حريصتان على تبني رؤية متقاربة، استعدادا لما يتمخض عن التطورات الراهنة من تداعيات، لتجنب حدوث صدام في التقديرات والطموحات، وتوظيف التفاهم المحتمل بينهما لمنع تهميش كليهما.
وخلال زيارة فيدان تم التأكيد على أهمية الدفع بحل جذري وشامل للقضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين، وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية على خطوط عام 1967، بما يحقق العدل والأمن والاستقرار المستدام في المنطقة.
وأشار مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق السفير حسين هريدي إلى أن زيارة هاكان فيدان جاءت في إطار تعزيز العلاقات المشتركة وتنسيق المواقف بشأن التعامل مع التصعيد القائم في منطقة الشرق الأوسط، والتأكيد على استمرار تقديم الدعم للشعب الفلسطيني مع استمرار الحرب على قطاع غزة، لأن أنقرة مهتمة بالاستماع إلى تطور مفاوضات وقف إطلاق النار، وترغب في تهدئة الأوضاع بالمنطقة.
ولفت هريدي في تصريح لـ”العرب” إلى أن فحوى الزيارة دار في إطار إقليمي معقد للغاية، حمل في بعض أوجهه مخاطر التصعيد، وبحث إمكانية تبني تحرك مصري – تركي لتخفيف حدة التوتر في المنطقة، بما يمنع الوصول إلى نقطة الفوضى الشاملة، وأن تركيا تتبنى خطابا معلنا تدافع فيه عن حقوق الفلسطينيين، وتهدف إلى التعريف بفرص نجاح أية محاولات من شأنها وقف إطلاق النار في غزة.
فيدان بحث في لقائه مع وزير الخارجية المصري بدر عبدالعاطي الاستعدادات لعقد اجتماع مجلس التعاون الاستراتيجي
وقال السفير حسين هريدي لـ”العرب” إن العلاقة بين مصر وتركيا تسير في طريق يخدم مصالح الدولتين ولم تصل إلى ذروتها بعد، وقد تطورت كثيرا مقارنة بما كانت عليه قبل عامين، وهناك إرادة سياسية من الجانب المصري تتمثل في الحفاظ على ما تم إنجازه في السابق والبناء عليه مستقبلاً.
وبذلت مصر وقطر والولايات المتحدة جهودا للوساطة بين إسرائيل وحركة حماس للتوصل إلى صفقة تمهد لوقف الحرب بينهما، إلا أن تحركاتها اصطدمت بتشدد متفاوت في مواقف الجانبين عرقلت نجاحها، وبعد أن أقدمت تل أبيب على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية في طهران قبل أيام، تعرضت الوساطة لانتكاسة لا أحد يعلم الوقت الذي يمكن أن تتعافى فيه من تداعياتها.
ودخلت تركيا في مناوشات جانبية مع إسرائيل بسبب دفاع الأولى عن حركة حماس وتعاطفها الإنساني إثر ثبوت تطور علاقاتها الاقتصادية مع تل أبيب بعد حرب غزة، وهو ما عرض أنقرة لانتقادات بسبب ازدواجية معاييرها.
وشدد الرئيس المصري على أن التطورات الإقليمية لا يجب أن تطغى على جهود إنفاذ المساعدات الإغاثية لأبناء الشعب الفلسطيني بقطاع غزة، الذين يعانون من أوضاع معيشية وصحية غير إنسانية، وفقدان لأبسط مقومات وأساسيات الحياة.
وأجرى فيدان زيارة تفقدية إلى ميناء العريش المصري وبوابة رفح الحدودية مع قطاع غزة الأحد، شدد خلالها على ضرورة زيادة الضغط على إسرائيل من أجل “وقف الإبادة الجماعية التي تمارسها في قطاع غزة”.
وذكرت وزارة الخارجية التركية على حسابها في منصة إكس أن فيدان التقى بطواقم الإغاثة التركية التي تعمل على إيصال المساعدات إلى قطاع غزة، على هامش الزيارة التفقدية إلى ميناء العريش وبوابة رفح