التوتر يخيم على إسطنبول وسط حملة قمع لاحتجاجات عمالية

السلطات التركية تحول مدينة إسطنبول إلى شبه ثكنة عسكرية مع نشر أكثر من 50 ألف شرطي في مواجهة مسيرات احتجاجية بمناسبة عيد العمال.
الخميس 2025/05/01
للنظام التركي تاريخ طويل في قمع الاحتجاجات

إسطنبول – يخيم التوتر على إسطنبول كبرى المدن التركية والقلب الاقتصادي النابض لتركيا وسط اشتباكات عنيفة اندلعت الخميس بين قوات مكافحة الشغب وآلاف المحتجين الذين خرجوا للشوارع للتظاهر بمناسبة عيد العمال، بينما تأتي المسيرات الاحتجاجية على اثر موجة تظاهرات في الأسابيع القليلة الماضية احتجاجا على القبض على رئيس بلدية المدينة أكرم إمام أوغلو، المنافس السياسي الأبرز للرئيس رجب طيب أردوغان.

وتصدت الشرطة التركية للمتظاهرين واحتجزت المئات وجرت بعضهم ووضعتهم في حافلات بعد محاولتهم كسر حظر على التجمعات العامة والسير نحو ميدان تقسيم.

وتأتي الاحتجاجات استجابة لدعوة أطلقتها نقابات ومنظمات غير حكومية للانضمام لمسيرات في أنحاء إسطنبول.

وحاول المتظاهرون الخميس السير نحو ميدان تقسيم بوسط إسطنبول حيث حظرت السلطات جميع الاحتجاجات منذ سنوات.

وأظهرت لقطات من المدينة اشتباكات بين شرطة مكافحة الشغب والمتظاهرين. ورفع المحتجون لافتات ورددوا شعارات بينما كانت الشرطة تسحب المقبوض عليهم بالقوة إلى حافلات قريبة.

وأعلن مكتب حاكم إسطنبول في بيان أن الشرطة ألقت القبض على 384 شخصا تظاهروا دون تصريح.

وتقام التجمعات في تركيا بمناسبة عيد العمال سنويا، لكن الشرطة تدخلت كثيرا في السنوات القليلة الماضية لصدها.

وكانت السلطات التركية قد أعلنت نشر أكثر من 50 ألف شرطي في إسطنبول بمناسبة عيد العمال ما أدى إلى شل أجزاء من المدينة لمنع أي تجمعات في ميدان تقسيم الشهير.

وقالت سلطات المدينة في بيان "شارك 52 ألفا و656 شرطيا في تنفيذ الإجراءات اللازمة لضمان السلام والأمن في إسطنبول"، مشيرة أيضا إلى اعتقال حوالي 400 متظاهر.

وللحكومة التركية تاريخٌ طويل في قمع الاحتجاجات وتشير الأحداث الأخيرة إلى استمرار هذا التوجه.

وعقب اعتقال رئيس بلدية إسطنبول، أكرم إمام أوغلو في مارس 2025، اندلعت احتجاجات واسعة النطاق مناهضة للحكومة. وردّت السلطات بحملة قمع قاسية، فاعتقلت أكثر من 1879 شخصا بحلول أواخر مارس. ولم يقتصر هذا على المتظاهرين فحسب، بل شمل أيضا محامين وصحفيين وطلابا وقيادات نقابية ومدافعين عن حقوق الإنسان. واتُّهم العديد منهم بالتحريض على العنف أو المشاركة في مظاهرات غير قانونية.

ووردت تقارير عديدة عن استخدام الشرطة للقوة المفرطة ضد متظاهرين سلميين في أغلبهم. وشمل ذلك الضرب بالهراوات والركل والاستخدام العشوائي لغاز الفلفل والغاز المسيل للدموع والرصاص البلاستيكي وخراطيم المياه، مما أدى إلى إصابات خطيرة كإصابات الرأس وتلف العين.

وفرضت السلطات حظرا شاملا على التجمعات في عدة مدن، منها إسطنبول وأنقرة وإزمير. وقُيّدت إمكانية الوصول إلى منصات التواصل الاجتماعي للتحكم في تدفق المعلومات. كما استُخدم إغلاق وسائل النقل العام لعرقلة الاحتجاجات.

وواجه الصحفيون الذين يغطون الاحتجاجات الاعتقال والاعتداء الجسدي والرقابة. وعوقبت وسائل الإعلام التي تنتقد إجراءات الحكومة بحظر البث وغرامات مالية. وتم كذلك وضع العديد من المعتقلين في الحبس الاحتياطي، ويواجه المئات تدابير الرقابة القضائية لمجرد ممارسة حقهم في الاحتجاج السلمي.

ولطالما كان سجل تركيا في مجال حقوق الإنسان مصدر قلق، إذ تمارس الحكومة سيطرةً قوية على وسائل الإعلام والمحاكم ومؤسسات الدولة. وكثيرا ما يُهمّش المنتقدون أو يُعاقَبون.

وقد فرضت الحكومة في كثير من الأحيان قيودا على الحق في حرية التجمع السلمي وتكوين الجمعيات.

وانتقدت منظمات حقوق الإنسان الدولية والمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان تركيا مرارا وتكرارا لانتهاكاتها المتعلقة بحرية التعبير والمحاكمات العادلة والحق في التجمع السلمي. وغالبا ما تُتجاهل أحكام المحكمة الأوروبية الملزمة.

وفي الفترة التي سبقت عيد العمال عام 2025، اعتقلت السلطات العشرات من الأفراد تحسبا لمظاهرات مخططة في ميدان تقسيم في إسطنبول.

وعلى الرغم من حكم أصدرته المحكمة الدستورية عام 2023 والذي وجد أن الحظر المفروض على احتفالات عيد العمال في ميدان تقسيم يشكل انتهاكا للحق في التجمع السلمي، فقد أبقت الحكومة على الحظر، مستشهدة بمخاوف أمنية.

ودعت منظمة العفو الدولية تركيا إلى رفع هذه القيود والسماح بالتجمعات السلمية في عيد العمال.

وباختصار، يمكن القول إن رد فعل الحكومة التركية على الاحتجاجات يتميز بنمط من قمع المعارضة من خلال الاعتقالات الجماعية واستخدام القوة وبالقيود المفروضة على الحقوق الأساسية مثل حرية التجمع والتعبير وتجاهل أحكام المحكمة الدستورية والمعايير الدولية لحقوق الإنسان.