التوتر في القدس يزيد من فرص التصعيد في غزة

يخشى الإسرائيليون ومثلهم الفلسطينيون أن تتوسع الاشتباكات في القدس إلى قطاع غزة مع استنفار الفصائل الفلسطينية هناك وتهديدها بالدخول في مواجهة مباشرة مع الجيش الإسرائيلي. ورغم المخاوف يقول مراقبون إن احتمال التصعيد في غزة وارد لكنه سيكون محدودا.
القدس - يرى محللون سياسيون أن فُرص التصعيد العسكري بين الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة وإسرائيل تزداد في ظل ارتفاع منسوب التوتر بمدينة القدس على خلفية الاقتحام المتكرر للمستوطنين للمسجد الأقصى واستمرار الاعتداءات الإسرائيلية في الضفة الغربية.
والاثنين ولأول مرة منذ مطلع العام الجاري، دوت صفارات الإنذار في جنوب إسرائيل بعد إطلاق صاروخ من قطاع غزة الذي تحكمه حركة حماس ، اعترضته منظومة القبة الحديدية للدفاع الجوي.
ورد الطيران الحربي الإسرائيلي على ذلك بضربات جوية الثلاثاء قال إنها استهدفت مصنع أسلحة تابعا لحماس.
ورغم فرص التصعيد العسكري في غزة، يستبعد محللون سياسيون أن يتدحرج إلى مواجهة واسعة على غرار معركة مايو 2021 عندما تسببت الانتهاكات الإسرائيلية في المسجد الأقصى وحي الشيخ جرّاح بالقدس في اندلاع مواجهة عسكرية بين إسرائيل والفصائل في غزة استمرت 11 يوما.
حسام الدجني: التصعيد مع غزة ما زال قائما إلا أن فرصه محدودة
وأرجع المحللون ذلك إلى أوضاع قطاع غزة الاقتصادية والاجتماعية التي لم تتعاف بعد من العدوان الإسرائيلي الأخير، والتي من شأنها أن تُثني الفصائل عن خوض معركة جديدة مفتوحة.
كما تخشى الحكومة الإسرائيلية التي تعيش فترة عدم استقرار بعد تقليص قاعدتها في الكنيست (البرلمان) من الدخول في أي مواجهة تهدد استمراريتها.
وتحذر الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة، من استمرار اقتحام المستوطنين للمسجد الأقصى، والاعتداء على المصلين فيه، متوعدة بأنها “لن تصمت في حال تم تجاوز الخطوط الحمراء”.
ومنذ بداية عيد الفصح اليهودي الجمعة ينظم المستوطنون اقتحامات متكررة للمسجد الأقصى بحراسة الشرطة، ودعت جماعات استيطانية إلى تكثيف الاقتحامات خلال فترة عيد الفصح.
وقبيل الاقتحام تُجبر الشرطة الإسرائيلية المصلين على إخلاء المسجد، الأمر الذي يرفضه المصلون ما يتسبب بحدوث مواجهات.
ويقول حسام الدجني، الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني، إن شبح التصعيد بين غزة وإسرائيل على خلفية أحداث القدس ما زال قائما، إلا أن فرصه محدودة.
وأضاف أن منع “شرطة الاحتلال لمتطرفين يهود من ذبح قرابين داخل المسجد الأقصى أدى إلى خفض وتراجع فرص التصعيد بين غزة وإسرائيل”.
وكانت جماعات إسرائيلية متطرفة قد دعت عبر وسائل التواصل الاجتماعي إلى ذبح قرابين داخل المسجد خلال عيد الفصح، لكنّ الشرطة أعلنت أنها لن تسمح بذبح القرابين، متعهدة بالحفاظ على النُّظم المتبعة فيه.
إلا أن فرص التصعيد، وفق الدجني، ما زالت قائمة بشأن “استمرار الاعتداء على المصلين في الأقصى، واقتحام باحاته من المستوطنين، وسفك المزيد من دماء الفلسطينيين”.
وتابع “الكرة الآن في الملعب الإسرائيلي، فإذا تجاوز الخطوط الحمراء في تدنيس المقدّسات والسماح بالمزيد من الاقتحام، فإن المقاومة لن تبقى بعيدة عن ذلك”.
ويضيف “مشاركة الفصائل في الدفاع عن القدس، ليس بالضرورة أن تبدأ بالعمل العسكري مباشرة، إنما قد تكون لها تدخلات تتدحرج بالتصعيد في الضفة لتنتقل إلى غزة”.
وتأتي هذه التطورات بعد تصاعد العنف منذ أسابيع، قتل خلاله 23 فلسطينيا بينهم مهاجمون وثلاثة مهاجمين عرب إسرائيليين نفذوا عمليات داخل إسرائيل قتل خلالها 14 شخصا .
ويقول مصطفى إبراهيم، الكاتب والمحلل السياسي، إن الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي لا يرغبان بالدخول في جولة جديدة من التصعيد العسكري، بسبب تكاليفها الباهظة ورغبة الطرفين في هدوء من شأنه أن يحقق مستوى من الاستقرار السياسي في إسرائيل، أو الاقتصادي والمعيشي بغزة.
لكن رغم ذلك، فإن الأحداث في المسجد الأقصى تُعطي وفق إبراهيم مؤشرات على احتمال اندلاع تصعيد بغزة نصرة لهم.
ويضيف “هناك خشية من أن يدفع استمرار التصعيد الإسرائيلي القاسي إلى ردود فعل غاضبة تؤدي إلى تدهور عنيف”.
ويعتقد إبراهيم أن الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة، غير راغبة بالدخول في جولة تصعيد جديدة، إلا أنها قد تضطر لذلك تحت ضغط الشارع الفلسطيني والعدوان في القدس.
وقال “حماس غير معنية بالتصعيد، لأن أوضاع قطاع غزة صعبة، وعملية الإعمار لم تبدأ بشكلها الحقيقي بعد، الحركة تضع هذه الملفات في اعتبارها لرغبتها في تحسين الأوضاع بغزة”.
وأضاف أن “أوضاع الفلسطينيين الداخلية صعبة وكارثية، سواء بغزة أو بالضفة، أكان ذلك من تداعيات الانقسام السياسي، أو حالة التطبيع العربي مع إسرائيل”.
وتابع “تخشى الحكومة الإسرائيلية من تنفيذ المزيد من العمليات داخل المدن الإسرائيلية، ومن سيناريو تدخل فيه مواجهة متعددة الجبهات، الأمر الذي يجعلها تبتعد عن أي معركة جديدة”.
وديع أبونصار: إسرائيل غير معنية بتصعيد مع غزة، إنما بتهدئة طويلة المدى
ويتوقع إبراهيم أن يكون “حجم التصعيد العسكري بين غزة وإسرائيل في حال اندلاعه محدودا، وأن يقتصر على إطلاق صواريخ باتجاه غلاف غزة، دون التوسّع لمواجهة مفتوحة تشمل إطلاق صواريخ بعيدة المدى”.
ويتفق مع إبراهيم المختص بالشأن الإسرائيلي وديع أبونصار الذي يقول إن “إسرائيل غير معنية بتصعيد مع غزة، إنما بتهدئة طويلة المدى”.
وأضاف أبونصار أن أي تصعيد محدود يبدأ من غزة سيُواجه برد “محدود أيضا من إسرائيل”.
وأرجع ذلك إلى حالة “الأزمة التي تعيشها إسرائيل على عدة مستويات، والتي تجعلها غير معنية بفتح جبهة تصعيد جديدة”.
ويرجّح وجود جهود تبذلها مصر وقطر لإبقاء قطاع غزة “خارج دائرة الصراع”.
وأوضح أن التفاهمات (التسهيلات الحياتية وحالة الهدوء) التي ما زالت جارية بين الطرفين (غزة وإسرائيل)، تشير إلى “عدم نية أي طرف في الدخول بمعركة جديدة”، وفق قوله.
إلا أن التطورات الميدانية تبقى “سيدة الموقف”، بحيث قد يتسبب حدث صغير غير محسوب في اندلاع مواجهة جديدة، كما قال أبونصار.
وتابع “الكثير من المواجهات السابقة بدأت بأزمات صغيرة خرجت عن سيطرة الطرفين، ويبقى لكل واحد منهما حساباته الداخلية”.