التهديد بحجب منصات البث في مصر: إجراء رقابي أم تنظيمي للربح

دفع أموال لا تتماشى مع حجم المشتركين يدفع المنصات إلى مغادرة مصر.
الأربعاء 2024/06/19
الأخلاق شعار فضفاض

يسعى المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر إلى الحصول على عوائد بالعملات الصعبة جراء ترخيص عمل منصات البث الرقمية، وذلك عبر اتخاذ مسألة المعايير الأخلاقية مدخلاً للضغط على المنصات المختلفة، فالكثير من وسائل الإعلام، بما فيها التي تعمل بتراخيص من مجلس الإعلام، في حاجة إلى ضبط محتوياتها التي تتنافى في الكثير من الأحيان مع المعايير الأخلاقية والمجتمعية.

القاهرة - أعاد المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر مطالبته بترخيص منصات البث الرقمية والفضائية المشفرة مؤخرا، وهدد بحجبها في غضون ثلاثة أشهر، في خطوة تشير إلى أن القاهرة قد تتخذ إجراءات تستهدف تنظيم العمل والاستفادة من العوائد المالية والسيطرة على المحتويات المقدمة للجمهور، ولم يوضح المجلس كيفية التعامل مع البث الرقمي الذي يصعب حصر عمله أسوة بوسائل الإعلام التقليدية.

وأثار الإخطار الذي نشره المجلس على صفحته الرسمية قبل أيام جدلا حول طبيعة عمل المنصات الرقمية التي تصل إلى الجمهور، وما إذا كانت توجد منصات عالمية تلتزم بمثل هذه القواعد من عدمه، وآلية تعامله مع المحتوى العابر للحدود الذي يبقى تحت سيطرة أجهزة الاتصالات دون أن تتداخل معه جهات لديها علاقة بتنظيم الإعلام، ما يجعل عديد من الخبراء يشككون في جدوى الخطوة الأخيرة.

وأبلغ مجلس تنظيم الإعلام المنصات الرقمية والفضائية المشفرة بضرورة الالتزام بالقواعد والمعايير الواجب توافرها في المحتوى المعروض للمشتركين داخل مصر، وشروط الحصول على تراخيص مزاولة النشاط.

وبادرت بعض المنصات بالتقدم للمجلس لتوفيق أوضاعها، وبعضها عزفت عن استكمال الإجراءات، واعتبر المجلس ذلك مبرراً لاستخدام صلاحياته القانونية بالتنسيق مع الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات لبحث السبل الفنية لحجب المنصات التي تعمل بلا ترخيص قريبا.

وهدد مجلس الإعلام بالنظر في إعادة تنظيم قواعد وتراخيص بث منصات الترفيه الرقمية منذ حوالي عامين، وذكر بالتحديد منصتي "نتفلكس" و"ديزني"، لكن منذ ذلك الحين لم يتخذ قرارات بعينها ضد منصات الترفيه التي تتيح خدماتها للجمهور المصري، ما يطرح تساؤلات حول أبعاد التوقيت مع الحديث عن وجود تغييرات كبيرة في قيادات الهيئات الإعلامية التي تنظم عمل وسائل الإعلام بمصر.

عمرو قورة: المنصات الرقمية قد لا تستجيب لمطالب مجلس تنظيم الإعلام
عمرو قورة: المنصات الرقمية قد لا تستجيب لمطالب مجلس تنظيم الإعلام

ويتولى المجلس الأعلى للإعلام تنظيم شؤون الإعلام المسموع والمرئي والرقمي والصحافة المطبوعة وغيرها، وخرجت لائحة عمله التنفيذية منذ ست سنوات، ويسعى لوضع إطار قانوني تعمل من خلاله وسائل الإعلام، ودفع عدد من المواقع الإلكترونية وصحف وقنوات لتقنين أوضاعها، وهو ما لم يحدث مع منصات الترفيه الرقمية.

ويرى خبراء أن تهديد مجلس الإعلام يأتي في إطار محاولاته خلق حالة من التنافس بين منصات الترفيه جذب الجمهور المصري إليها، وبات يجد صعوبة في أن تتماشى المحتويات مع هواجس الحكومة بشأن استهداف المواطنين بمحتويات تشكل خطرا على التماسك المجتمعي، ودائما ما تحضر مصطلحات مثل “معركة الوعي” بما يشير إلى وجود صراع حول سبل التأثير على اتجاهات الجمهور.

ويقول هؤلاء الخبراء إن توجهات الدول الغربية لمواجهة المحتويات التي تعرض سلامة المتلقى للخطر والتعامل مع المحتويات التي تشجع على العنف والاحتكار يتطلب تحركات موازية من الدول العربية، في مقدمتها مصر التي أصبحت سوقًا واسعة للمنصات الرقمية، مع تراجع وسائل الإعلام التقليدية التي تضاءلت حظوظها في مخاطبة الجمهور والتأثير عليه مع ضعف المحتويات، وضخامة الإنتاج الذي تشرف عليه جهات بحاجة إلى إجراءات تحد من مضمون تراه الدولة مضرا بأمنها.

وبالتزامن مع إطلاق مجلس الإعلام تهديداته، قال إنه “رصد محتوى لا يتناسب والقيم الدينية للمجتمعين المصري والعربي يُبث عبر منصة برايم فيديو التابعة لشركة أمازون مصر”، ما دفعه إلى استدعاء الممثل القانوني للشركة فى القاهرة وإبلاغه بذلك، وقام بالتعهد بإزالته بعد العرض على الإدارة العليا في الشركة التي قامت على الفور بحذف المحتوى محل المخالفة.

وقال خبير الإعلام الرقمي عمرو قورة إن بيان مجلس الإعلام المصري لم يوضح ماهية المنصات المقصودة، وبدا هناك خلط بين منصات الترفيه مثل شاهد ونتفليكس وغيرها، وبين المنصات التي يتم تدشينها على منصة يوتيوب، وغيرها من مواقع التواصل الاجتماعي، وقد يكون ذلك مقصود بهدف أن يصل التهديد إلى الجميع.

وأوضح في تصريح لـ"العرب" أن تراخيص منصات البث الرقمية يتم العمل بها في بعض الدول، مثل الهند، وحال نفذ المجلس تهديده فبعض المنصات قد تتخذ قراراً بوقف عملها داخل مصر، خاصة إذا ارتبط الأمر بدفع أموال لا تتماشى مع حجم المشتركين، لأن الدول التي تخضع المنصات للترخيص لا تعاني البيروقراطية التي تعانيها غالبية الهيئات في مصر.

وأشار إلى أن المنصات الرقمية قد لا تستجيب لمطالب مجلس تنظيم الإعلام بشأن نوعية المحتويات التي تقدمها لقناعتها بوجود أسواق أكثر ربحية من السوق المصري غير المستقر على مستوى استدامة الاشتراكات في منصات الترفيه، ووجود مسارات غير شرعية يمكن للمشاهدين من خلاها الوصول لتلك المنصات بلا حاجة للاشتراك.

◙ المنصات الرقمية قد لا تستجيب لمطالب مجلس تنظيم الإعلام بشأن نوعية المحتويات التي تقدمها لقناعتها بوجود أسواق أكثر ربحية من السوق المصري

وتنص المادة 25 من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات في مصر الصادر عام 2018 على أن “يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر، وغرامة لا تقل عن 50 ألف جنيه ولا تتجاوز 100 ألف جنيه (نحو ألف إلى ألفي دولار)، أو بإحدى العقوبتين، كل من اعتدى على أي من المبادئ أو القيم الأسرية في المجتمع، أو انتهك حرمة الحياة الخاصة أو أرسل عديد من الرسائل الإلكترونية لشخص معين دون موافقته.

وأكد رئيس لجنة استقلال الصحافة (أهلية) بشير العدل أن المجلس يستهدف الحصول على عوائد بالعملات الصعبة جراء ترخيص عمل المنصات، والجهات الرسمية دائما ما تتخذ من مسألة المعايير الأخلاقية مدخلا للضغط على المنصات المختلفة، والكثير من وسائل الإعلام بما فيها التي تعمل بتراخيص من مجلس الإعلام بحاجة لضبط محتوياتها التي تتنافى في كثير من الأحيان مع المعايير الأخلاقية والمجتمعية.

ولفت في تصريح لـ"العرب" إلى أنه على المنصات الرقمية المرخصة الحصول على بطاقة ضريبية، ما يشكل عوائد مهمة للحكومة، وقد تستجيب بعض المنصات للقواعد المصرية، لكن الأصعب هو التحكم في المحتويات التي تقدمها، لأن معايير التجارة الإلكترونية التي تعتمد عليها منصات الترفيه تختلف عن العمل الإعلامي،وسلطة المجلس من المفترض أن تركز على متابعة ما يتم بثه من محتويات وليس التحكم في عمل المنصات التي تستهدف الربح.

وقال رئيس المجلس الأعلى للإعلام كرم جبر إن القرار يستهدف أيضا إصدار ضوابط وتعليمات لتهيئة بيئة مناسبة لجذب أكبر قدر من التسويق الإلكتروني، باعتبار أن حجم التجارة الإلكترونية يبلغ نحو 6 تريليونات دولار في العالم، ومصر تستحوذ من هذا الرقم على مائة مليار جنيه فقط (حوالي 2 مليار دولار)، وهذه نسبة قليلة، ولذلك تحتاج الدولة إلى ضوابط لتعزيز القدرة التنافسية بين الشركات.

وأخطر مجلس الإعلام البنك المركزي المصري لإيقاف جميع التحويلات البنكية لحسابات هذه المنصات كاشتراكات، بموجب أن هذه المنصات تعمل في إطار غير قانوني بالمخالفة للقانون الخاص بتنظيم الصحافة والإعلام، والذي يتضمن نصا على ضرورة توفيق أوضاع وسائل الإعلام التي تبث من مصر.

5