التهديدات المناخية تقسو بشدة على الصيادين في المتوسط

مساع حثيثة لدول الحوض للتغلب على مصاعب تطوير الاقتصاد الأزرق.
الثلاثاء 2022/11/15
ثروة مضراتها أكبر من منافعها!

يعكس واقع الصيد البحري في حوض المتوسط تحذيرات الخبراء من أن التهديدات المناخية المكبلة لتنمية الاقتصاد الأزرق المهم لغذاء المجتمعات الساحلية ستترك آثارا أكثر قسوة مستقبلا، بعدما أصبحت محاصرة بأزمة خانقة لم تشهدها من قبل.

جزيرة قرقنة (تونس) - تتزايد موجة التذمر بين أوساط العاملين في نشاط الصيد في الدول المطلة على المتوسط، بعدما خلف ارتفاع درجات حرارة البحر ندوبا عميقة على أعمالهم في مهنة لطالما كانت مورد رزقهم الوحيد.

وقبل عقد من الزمن كان الصياد التونسي أحمد شلي يسحب شباكه من البحر وقد امتلأت بالأسماك ليبيعها في السوق المحلية في جزيرة قرقنة، لكنه اليوم لا يجد في الشباك سوى “داعش”.

وأطلق الصيادون على السلطعون الأزرق هذا الاسم إثر غزوه مناطق الصيد الخاصة بهم في مياه المتوسط التي ترتفع درجة حرارتها بوتيرة سريعة.

ويشكو شلي قائلا لتلفزيون رويترز “داعش (السلطعون الأزرق) آفة” و”الصياد الذي يرمي شباكه ليمسك السمك أو الأخطبوط أصبح يجد السرطان الأزرق فقط، يعني بدل أن يجد السمك ليوفر به مدخولا أصبح يجد شيئا يقوم بتقطيع شباكه”.

خواكيم غارابو: كل عام تقريبا تعاني منطقة ما في حوض البحر المتوسط
خواكيم غارابو: كل عام تقريبا تعاني منطقة ما في حوض البحر المتوسط

ويفكر هذا الصياد بعد ممارسته هذه المهنة لنحو أربع سنوات في تركها والبحث عن عمل آخر بعدما كان يربح منها.

وارتفعت حرارة المياه غرب المتوسط لأكثر من 70 يوما هذا الصيف بسبب موجة حارة بحرية، بينما بلغت ذروتها في سواحل لبنان وسوريا وقبرص عند 31 درجة.

ويؤكد خواكيم غارابو خبير الأحياء بالمعهد الإسباني للعلوم البحرية أنها كانت أسوأ موجة حارة في الجزء الغربي من حوض المتوسط خلال أربعة عقود.

وقال إن “درجات الحرارة ارتفعت أكثر، واستمرت الموجة لفترة أطول، مقارنة بأي موجة أخرى اجتاحت المياه غربي صقلية منذ بدء تسجيل البيانات في 1982″، وذلك بناء على النتائج الأولية لتحليل أجراه.

وأضاف غارابو، وهو منسق شبكة المراقبة البحرية تي – ميدنت “لقد شهدنا موجات حارة بحرية خلال العقدين الأخيرين”.

وخلص هو وزملاؤه إلى أن ما يقرب من نصف أسوأ موجات الحر المسجلة في المتوسط بأكمله حدثت منذ 2015. وقال “كل عام تقريبا تعاني منطقة ما”.

وتظهر قياسات وكالة الفضاء الأوروبية أنه بين يونيو وسبتمبر الماضيين ارتفعت حرارة سواحل شمال أفريقيا وجنوب غرب أوروبا بدرجتين إلى 5 درجات مئوية أعلى من المتوسط اليومي بين 1985 إلى 2005.

حمدي حشاد: ارتفاع الحرارة أفرز أنواعا غازية من الأحياء البحرية
حمدي حشاد: ارتفاع الحرارة أفرز أنواعا غازية من الأحياء البحرية

وبحلول سبتمبر، نفقت الكائنات البحرية من الإسفنج ونجوم البحر والأسماك والرخويات بشكل جماعي في المياه قبالة فرنسا وإسبانيا. كما تعرض المرجان للابيضاض.

وقال حمدي حشاد، مستشار بيئي بمؤسسة فريدريش ناومان للحرية، إن “ظاهرة التغيرات المناخية وارتفاع درجة مياه البحر ساهما في وجود وتكاثر العديد من الأنواع الغازية والتي موطنها الأصلي ليس البحر المتوسط”.

وأوضح أنها قدمت من أماكن أخرى مثل البحر الأحمر والمحيط الأطلسي والمحيط الهندي ووجدت مع ارتفاع درجة مياه البحر البيئة الملائمة للتكاثر.

وأضاف “لقد استقرت في المتوسط وبسبب قدرتها على التأقلم بصفة أكبر أزاحت الأنواع المحلية وتسببت في انقراض أنواع أخرى وأخذت مكانها”.

ومن المحتمل أن يكون السلطعون قد وصل لأول مرة من المحيطين الهندي والهادي عن طريق مياه صابورة السفن (مياه الاتزان).

وتم توثيق وجود هذه الكائنات لأول مرة في المتوسط عام 1898، ولكن مع ارتفاع الحرارة في العقد الأخير تغذت على الأنواع المحلية القيمة وتفوقت عليها عددا.

ولأن يرقات السلطعون الأزرق تحتاج إلى درجات حرارة 30 درجة مئوية تقريبا في المياه لتنمو، لا تلوح في الأفق نهاية لهذا الأمر. وقال حشاد إن هذه القشريات تتمتع بـ”الشراسة والقدرة على التدمير”.

وأضاف “لديها شهية كبيرة جدا لأكل كل المخلوقات من حولها، لتصبح نقمة على الصيادين في المنطقة”.

الصيد ملاذ الملايين

Thumbnail

بينما تعد السياحة المحرك الرئيسي لمعظم النشاط الاقتصادي المرتبط بالبحر، بقيمة بلغت 450 مليار دولار في 2017 وفقا للصندوق العالمي للطبيعة، ثمة الملايين الذين يعتمدون على خيرات البحر في معيشتهم.

ولكن هذه الخيرات معرضة للخطر نظرا إلى أن تغير المناخ يجعل المتوسط من بين أسرع البحار من حيث ارتفاع الحرارة، إذ ترتفع أسرع بنحو 20 في المئة من المتوسط العالمي.

ويعود السبب جزئيا إلى أن البحر المتوسط البالغة مساحته نحو 2.5 مليون كيلومتر مربع، هو حوض ضحل نسبيا ومغلق تقريبا. وقال غارابو “إنه بؤرة لتغير المناخ لأنه صغير”.

وأضاف أن اتصاله بالمحيط الأطلسي الواقع إلى الغرب محدود، لذلك “ليس هناك الكثير من الطرق لخروج المياه الدافئة”.

وتظهر البيانات أن درجة حرارة المياه بشكل عام أعلى 0.4 درجة مئوية في المتوسط عما كانت عليه قبل ثلاثة عقود.

ويمكن أن تتشكل موجات الحرارة البحرية الحادة حينما تتزامن درجات حرارة الهواء الدافئ مع استقرار مياه المحيط، وعندها يقل امتزاج طبقات المياه الأعمق الأكثر برودة مع الطبقة السطحية الأكثر دفئا.

وعانت منطقة جنوب أوروبا هذا الصيف من درجات حرارة قائظة على اليابسة، وقال العلماء إنها توفر الظروف المثالية لظهور موجة الحرارة في مياه المحيط التي تمتص الحرارة الزائدة في الغلاف الجوي.

خسائر اقتصادية

Thumbnail

البحر المتوسط ليس وحده بين البحار التي تعاني من ارتفاع الحرارة. وتقول الخبيرة كاثرين سميث، من الجمعية البيولوجية البحرية في المملكة المتحدة، إن موجة حر بحرية اجتاحت عام 2016 الساحل الجنوبي لتشيلي.

وأوضحت أنها تسببت في تكاثر الطحالب الضخمة التي قضت على مزارع الأسماك مما كلف القطاع خسائر بلغت 800 مليون دولار.

واستمرت موجة حر أخرى في بحر تسمانيا في أستراليا لأكثر من 250 يوما في عامي 2015 و2016، مما أدى إلى تفشي الأمراض في مزارع المحار.

ومع ارتفاع درجة حرارة الأرض، من المتوقع أن تصبح موجات الحر البحرية أكثر تواترا، وفقا للجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ التابعة للأمم المتحدة.

وساعد تغير المناخ بالفعل في زيادة عدد أيام موجات الحر السنوية للمحيطات بنسبة 54 في المئة بين 1925 إلى 2016، بحسب ما توصل إليه فريق من العلماء الدوليين في 2018.

وأشار باحثون في دراسة نشرتها مجلة “ديناميكيات المناخ” في 2019 إلى أن المتوسط يمكن أن يعاني من موجة حر شديدة طويلة الأمد على الأقل كل عام من الآن وحتى 2100.

أنواع غازية

تأثير الموجات الحارة شديد بشكل خاص في شمال أفريقيا

السلطعون الأزرق ليس النوع الوحيد الذي يغزو المياه الدافئة للبحر المتوسط. فقد أفاد تقرير الصندوق العالمي للطبيعة لعام 2021 بأن ما يقرب من ألف نوع غريب دخلت إلى البحر، غالبا عن طريق الالتصاق بالسفن.

لكن درجات الحرارة الأكثر دفئا جعلت من السهل على بعض هذه الأنواع التي دخلت خلسة تكوين تجمعات لها. واليوم، يعتبر نحو 10 في المئة من هذه الأنواع غازية، مما يعني أنها من المحتمل أن تسبب ضررا بيئيا أو اقتصاديا.

فعلى سبيل المثال، تفرط سمكة الأرنب ذات اللون الأصفر الزاهي في التهام الأعشاب البحرية لتتغذى عليها، مما يؤدي إلى تدمير النباتات التي توفر موطنا رئيسيا للأنواع المحلية وتحبس الكربون.

ورغم أن الاقتصاديين لم يقيموا بعد التداعيات الكاملة لموجات الحرارة البحرية، تمثل التأثيرات الحديثة مبعث قلق للكثيرين.

وفي المياه قبالة اليونان حيث تمثل المنطقة الساحلية نحو 69 في المئة من الاقتصاد دمرت موجة الحر البحرية في العام الماضي إنتاج بلح البحر، مما أدى إلى تراجعه إلى النصف وتدمير 80 في المئة من يرقاته هذا العام.

ووفقا لتقرير اللجنة الحكومية الدولية لعام 2022 تزيد قيمة مصايد الأسماك في المتوسط على 3.4 مليار دولار، إذ جابت أكثر من 76 ألف سفينة صيد مياه البحر بحثا عن أسماك الأنشوجة والتونة ذات الزعانف الزرقاء والبوري الأحمر في عام 2019.

وقال ماورو راندوني، مدير برنامج البحر المتوسط بالصندوق العالمي للطبيعة، إن تأثير مثل هذه الموجات الحارة شديد بشكل خاص في شمال أفريقيا، حيث توجد الكثير من “المجتمعات التي تعمل في مصائد صغيرة”. وأضاف “إنه أحد القطاعات الأشد تضررا”.

التخطيط للمستقبل

Thumbnail

قال نجيب أمين، الذي يقود مجموعة كليما – ميد للعمل المناخي التي يمولها الاتحاد الأوروبي وتم إطلاقها في 2018، إن “دول شمال أفريقيا بدأت في وضع إستراتيجيات للتكيف مع تغير المناخ”.

وأشار خلال مؤتمر المناخ “كوب 27” المنعقد في مصر، لرويترز إلى أن المجموعة تعمل على تطوير إستراتيجيات العمل المناخي للمدن على الساحل الجنوبي المتوسط.

وأكد أن البلدان الساحلية في أوروبا تواجه تأثيرات مماثلة لارتفاع درجات الحرارة لكن “الاختلاف هو القدرة المالية لهذه الدول”.

وأوضح أمين أن الدول الأفريقية تأمل في أن يؤدي “كوب 27” إلى المزيد من التمويل للمشاريع التي ستساعد مجتمعاتها المحلية على التكيف مع ارتفاع درجة حرارة البحار.

وأعلنت بنوك أوروبية الثلاثاء الماضي خلال قمة المناخ عن شراكة مع الاتحاد من أجل المتوسط، الذي يضم 42 دولة، لتقديم منح وإنفاق رأسمالي على مدى 8 أعوام للمساعدة.

ومع أنها محاولة سد فجوة استثمارية تبلغ 6 مليارات يورو لدعم الدول الواقعة على الساحل الجنوبي للبحر، لكن هذا الجهد سيستغرق وقتا لبناء الزخم.

واضطر الصيادون التونسيون حاليا إلى إيجاد حلول لفقدان الكثير من الأنواع التي اعتادوا على صيدها مثل الصيد التجاري للسلطعون الأزرق.

وفي مايو 2021، بلغت قيمة صادرات “داعش” 7.2 مليون دولار أكثر من مثلي القيمة على أساس سنوي، وفقا لمنظمة الأغذية والزراعة (فاو). ويوجد الآن أكثر من 30 مصنعا لتجهيز السلطعون اثنان منها في قرقنة.

وقال حبيب زريدا، صاحب شركة لتصدير الأسماك تصدر السلطعون حاليا “بدأنا الإنتاج في يوليو 2018، عندما تكاثر سلطعون البحر بكثرة بدأنا في العمل عليه، صار مصدر رزق بعد أن كان نقمة”.

وأضاف “أصبحنا نصدر السلطعون الأزرق إلى تايلاند في البداية ثم هولندا، بعد ذلك كوريا ثم الخليج العربي”.

11