التهدئة مع قيس سعيد تشق صفوف حركة النهضة

تونس- أطلق الرئيس المعين لحركة النهضة منذر الونيسي تصريحات تحث على الحوار الوطني والمصالحة الشاملة، في خطوة أثارت ردودا سلبية من بين قيادات الحركة ونشطائها على مواقع التواصل الذين اعتبروا أن هذا الخطاب المهادن يضعف الحركة ولن يخدمها في شيء في ظل تمسك الرئيس قيس سعيد بمواقفه، وسط تساؤلات إن كان خطاب الونيسي مناورة أم مقدمة لمراجعات جدية لأداء الحركة.
يأتي هذا بالتوازي مع ظهور تصريحات من بعض المحسوبين على النهضة تتجنب توصيف ما قام به قيس سعيد في 25 يوليو 2021 بالانقلاب كما كان يصفه راشد الغنوشي وصهره رفيق عبدالسلام، الذي انبرى في الفترة الأخيرة لانتقاد التيار المهادن داخل الحركة.
وفاجأ الونيسي منتسبي حركة النهضة وأنصارها بدعوته إلى حوار وطني تونسي – تونسي ومصالحة شاملة دون إقصاء لأيّ جهة، وهو ما اعتبر التيار الراديكالي داخل النهضة بمثابة تنازل مجاني لصالح قيس سعيد دون مبرر، خاصة أن الخطاب يكشف عن حالة ضعف ووهن أكثر مما يفهم على أنه حكمة وعقلانية، وهو ما يدفع السلطة إلى تسليط المزيد من الضغوط على الحركة والاستمرار في توقيف قياداتها.
◙ الونيسي سعى في تصريحاته الأخيرة إلى تجنب انتقاد الرئيس سعيد، وتركيز هجومه على من سماهم بالاستئصاليين داخل السلطة، في إشارة إلى مجموعات يسارية وقومية محيطة بالرئيس سعيد
واعتبر رئيس حركة النهضة المعين أن الحل بالنسبة إلى الفاعلين السياسيين هو نزع جبة 25 يوليو وجبة 24 يوليو 2021 والجلوس على طاولة الحوار لفائدة مصلحة تونس، في رسالة واضحة على أن النهضة في وضعها الحالي لم يعد يعنيها الحديث عن “عودة الشرعية” وإزالة “انقلاب قيس سعيد”، وأن أكبر همّها هو وقف التصعيد بينها وبين السلطة، وهو تصعيد يضر بها ويقوّي السلطة المسنودة شعبيا.
ويتناقض خطاب الونيسي مع روح الرسالة التي قيل إن الغنوشي قد سرّبها إلى أنصاره بمناسبة الذكرى الثانية والأربعين لتأسيس الحركة وتعهد فيها بـ”استعادة الديمقراطية المختطفة”، وهو كلام يوحي بأن الغنوشي لا يقيم وزنا لما يقوله سلفه المعين.
بالتوازي، ظهر رفيق عبدالسلام الموجود في لندن ليطلق تصريحات قوية فيها انتقاد ضمني لخطاب التهدئة وسعي لإفشاله، حيث قال في تدوينات له في صفحته الرسمية على فيسبوك “ما جرى يوم 25 جويلية (يوليو)2021 لا يسمى إجراءات ولا مقاربات بل هو انقلاب مكتمل الأركان”.
وقال في تدوينة ثانية “أهم شيء في هذه المرحلة هو الثبات على الخط السياسي الذي اجتمعنا حوله وتتوحد ضمنه الساحة السياسية اليوم على تنوعها واختلافها”، مضيفا “أيّ موقف آخر هو خروج عن العقد السياسي الذي اجتمعنا حوله، وتبرير خفي للانقلاب والانقلابيين”.
ويظهر هذا الكلام أن عبدالسلام يذكّر القيادة الجديدة بأنها مؤقتة ومعينة، وأنها لا تستطيع أن تلغي بجرة قلم الموقف الرسمي للحركة، وفيه كذلك تلميح خفي إلى أنها تفتقد للشرعية التي يمتلكها هو بصفاته المتعددة، كعضو مكتب تنفيذي ووزير خارجية سابق، وخاصة مصاهرته للغنوشي.
وسواء أكان الخلاف حقيقيا أم حيلة تهدف إلى تخفيف الضغط، فإن مراقبين يعتقدون أنها مناورة لن تنطلي على الرئيس سعيد، مستبعدين أن يكون دليلا على وجود مراجعة جدية لمسار الصراع على السلطة الذي دأبت عليه الحركة منذ تأسيسها.
وقال المحلل السياسي التونسي المنذر ثابت إن “حوار الحركة مع الرئيس سعيد هو محاولة لإنقاذ الحركة والتقليص من خسائرها، وهو أيضا مراهنة على إحراج سعيد وأن النهضة لا تزال توظّف الحوار السياسي وتتشبث بالنهج السلمي”.
وأضاف ثابت في تصريح لـ”العرب” أن “الونيسي يعلم جيدا أن الرئيس سعيد لن يتفاعل مع النهضة، لكن يريد تسجيل نقاط في الداخل والخارج، وهذا تكتيك سياسي ظرفي وإستراتيجي”.
وتابع ثابت “النهضة تريد أن تروّج أن قيادتها من دعاة الحوار، وفي المقابل فالرئيس سعيد يقمع الحركة، وإقامة الحوار مع الرئيس هو تسجيل لرصيد جديد من المظلومية”.
وسعى الونيسي في تصريحاته الأخيرة إلى تجنب انتقاد الرئيس سعيد، وتركيز هجومه على من سماهم بالاستئصاليين داخل السلطة، في إشارة إلى مجموعات يسارية وقومية محيطة بالرئيس سعيد تجد في قربها من الرئيس فرصة لتوجيه ضربة قوية لخصمها السياسي.
وفي بيان له بمناسبة ذكرى تأسيس الحركة، قال الونيسي إن النهضة ستظلّ على التزامها من أجل تطوير الحزب وتجديده والقيام بالمراجعات الضرورية والتقييم والنقد الذاتي بما يستجيب لتطلعات أبناء الحركة وبناتها.
ويقول المراقبون إن هذا التصريح يخفي توجها لدى القيادة الجديدة يقوم على تقليص الاهتمام بالصراع على السلطة وسياسية مراكمة الخصوم التي اعتمدها الغنوشي من بعد الثورة على وجه الخصوص، والالتفات إلى إصلاح الحركة من الداخل وبناء مؤسساتها، وهو مسار معطل بسبب رفض الغنوشي عقد المؤتمر والمماطلة فيه ما دفع إلى استقالات وانشقاقات وانسحابات لأسماء بارزة.