التنكيل بالسوريين في العراق يشعل الجدل.. دمشق غاضبة وبغداد تتحرك

بغداد - مع تطور الأحداث الأمنية السورية التي دارت رحاها في منطقة الساحل خلال الأسبوع الماضي، تصاعد الخطاب الطائفي بشكل كبير في العراق، حتى وصل الأمر إلى قيام مجموعة ملثمة تنسب إلى فصيل يطلق على نفسه اسم "تشكيلات يا علي الشعبية"، بالتنكيل والاعتداء على عدد من السوريين المقيمين في البلاد، الأمر الذي أشعل الجدل ودفع وزارة الخارجية السورية، اليوم الأربعاء، إلى إصدار بيان غاضب تدين فيه ما يحصل من انتهاكات، فيما وجه رئيس الوزراء محمد شياع السوداني بـ"تشكيل فريق أمني مختص لملاحقة من يرتكب هذه الأفعال غير القانونية".
وانتشر مقطع فيديو على منصات التواصل الاجتماعي يظهر تعرض عمال سوريين للعنف من قبل مجموعة ملثمة تُنسب إلى فصيل يُطلق على نفسه اسم "تشكيلات يا علي الشعبية".
وأدانت الحكومة العراقية هذه الاعتداءات، وأكدت على أهمية حماية جميع المقيمين في العراق.
وقال صباح النعمان الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، في بيان رسمي "تداولت بعض منصّات وسائل التواصل الاجتماعي مقطع فيديو يظهر اعمال عنفٍ مُشينة بحق عدد من الأشقاء السوريين العاملين في العراق، من قِبَل مجموعة مُلثمة تُنسب إلى فصيل يُطلق على نفسه اسم "تشكيلات يا علي الشعبية"، وعلى الفور، وجه رئيس الوزراء بتشكيل فريق أمني مختص لملاحقة من يرتكب هذه الأفعال غير القانونية التي لا تمتّ لأخلاق العراقيين بصلة".
وأكد النعمان أن "السلطات العراقية لن تتهاون مع مرتكبي هذه الأفعال المُشينة، والتي وصفها بأنها انتهاك صارخ للقيم الإنسانية والأخلاقية، فضلًا عن مخالفتها للقانون العراقي".
وأضاف أن "الأجهزة الأمنية ستلاحق الجناة لضمان محاسبتهم وفق القانون".
وأشار البيان إلى "العلاقات الأخوية التي تربط العراق وسوريا"، مؤكدًا أن "سيادة القانون ستُطبق بالكامل على كل من يثبت تورطه في هذه الحادثة دون أي تمييز، لضمان حماية الأمن المجتمعي وكرامة جميع المقيمين في البلاد".
وأظهر مقطع فيديو نشرته حسابات عراقية، مجموعة ملثمين يدخلون إلى محال فيها عمال سوريون، تطلب منهم هواتفهم وهوياتهم التعريفية، وظهر في المقطع اعتداء على بعضهم، الأمر الذي أثار انتقادات واسعة على الوضع في العراق، الذي لا يزال غير مسيطر عليه من قبل الحكومة.
ويأتي نشر الفيديو، بعد أقل من 24 ساعة على نشر نفس الجماعة، بيانا تحذيريا توعدت فيه السوريين المقيمين في العراق، في حال ثبت تأييدهم للحكومة السورية الجديدة ورئيسها أحمد الشرع، رغم إصدار رئيس خلية الإعلام الأمني سعد معن بيانا، أكد فيه أن اللاجئين السوريين في العراق محل احترام وتقدير، وأنه لا يوجد فرق في تطبيق القانون مهما كان جنسية الشخص.
وعبرت وزارة الخارجية السورية عن إدانتها لما يتعرض له السوريون في العراق، وطالبت الحكومة العراقية باتخاذ الإجراءات اللازمة لحمايتهم.
وأوضحت الوزارة أنها ستعمل على "التواصل مع الأشقاء في الحكومة العراقية للعمل عن كثب لمعالجة هذه الانتهاكات، واتخاذ إجراءات سريعة وفعالة لمنع أي تجاوزات إضافية".
وتابعت الخارجية السورية "نحن على ثقة بقدرة الحكومة العراقية على فرض سيادة القانون، وحماية جميع المجتمعات ضمن أراضيها".
وكانت القوات الأمنية، اعتقلت يومي الجمعة والسبت الماضيين، خمسة لاجئين سوريين ومدونين عراقيين، بسبب تعليقات على مواقع التواصل تتعلق بتأييد عمليات السلطات الأمنية في سورية ضد العلويين.
ولم تعلّق السلطات العراقية رسمياً على حملات الاعتقال، لكن نقلت وسائل إعلام محلية، تصريحاً لرئيس خلية الإعلام الأمني اللواء سعد معن، قال فيه “إنهم عازمون على ملاحقة مَن يحاول العبث بالأمن القومي العراقي من خلال مواقع التواصل الاجتماعي”.
وفي مشهد اخر عن التوتر انسحبت قوات الأمن العراقية الثلاثاء من أمام السفارة السورية في المنصور بعد تأمينها وذلك إثر خروج عدد من السوريين في مظاهرة منددة بما وصوفوه القتل الطائفي في منطقة الساحل السوري.
وتكشف هذه التطورات مدى سطوة الميليشيات في العراق وكذلك التوتر بين دمشق وبغداد والذي تصاعد بعد احداث الساحل والحديث عن توتر طائفي في المنطقة.
وتدفع العديد من الأطراف السياسية العراقية باتجاه التحرك لقطع العلاقات مع دمشق إثر التطورات الأخيرة فيما ألقت قوات الامن العراقية القبض على سوريين بذريعة تأييدهم للارهاب.
وعلى إثر عملية التقتيل الجماعي التي تعرّض عدد من أبناء الطائفة العلوية في منطقة الساحل السوري، تعالت أصوات تلك القوى مندّدة بتلك استهدافات ومصدرة تحذيرات ضمنية لحكومة السوداني من أيّ تقارب مع الشرع وأركان حكومته.
وهاجم قيس الخزعلي قائد ميليشيا عصائب أهل الحقّ ما سمّاها الجماعات ذات التاريخ الإرهابي المتنكرة حاليا تحت ستار القوات الأمنية السورية قائلا في بيان إنّ “الإعدامات التي تستهدف أبناء الطائفة العلوية تُثير فزعا عميقا وتستدعي تحركا عاجلا من المجتمع الدولي لحمايتهم".
وقال حزب الدعوة الإسلامية بزعامة رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي إنّ "التصفيات والقتل العشوائي الجماعي للأبرياء في مدن الساحل تهدد السلم الأهلي والاستقرار ووحدة الشعب السوري،” ورأى في بيان أنّ “تأجيج الطائفية والقتل على الهوية والتحريض على الانتقام لن يبني دولة ولن يؤسس نظاما عادلا."
ونسب النائب عن كتلة صادقون النيابية الممثلة للعصائب محمد البلداوي مجازر الساحل السوري مباشرة لـ"عناصر أبومحمد الجولاني" (أحمد الشرع) قائلا لوسائل إعلام محلية إنّها "فاقت في وحشيتها وبشاعتها ما ارتكبه المغول في بغداد."
وقال الخبير الأمني المقرّب من الحشد الشعبي هيثم الخزعلي إنّ "ما كان يحذّر منه العراق بخصوص عمليات القتل والنحر في سوريا قد تحقق" متهما الرئيس السوري المؤقت بأنه جاء إلى سوريا لتنفيذ مخطط للتقسيم العرقي والطائفي.
وتعتبر مثل تلك المواقف بمثابة إنذارات مبطنة لحكومة السوداني من التحرّك باتجاه دمشق وتطبيع العلاقة مع نظامها الجديد، إذ لا يمكن للسوداني أن يخالف بشكل جذري مواقف القوى المشاركة بقوة في تشكيل حكومته والتي تمثل وعاءها السياسي متمثّلا في الإطار التنسيقي الشيعي.
ولم يتفاعل العراق رسمياً حتى اللحظة مع إعلان الإدارة السورية الجديدة، في 29 يناير الماضي، تعيين الشرع رئيساً للبلاد في المرحلة الانتقالية.
وتجنب العراق بشكل عام التعامل بشكل مباشر مع الإدارة السورية الجديدة بإدارة الشرع، كما أن رئيس الحكومة العراقية أكد من جهته موقف العراق الرسمي بالحرص على وحدة الأراضي السورية والاستعداد لدعم عملية سياسية شاملة في سوريا دون التدخل بشؤونها.
واكتفت بغداد إلى الآن بإيفاد وفد رسمي برئاسة رئيس جهاز الاستخبارات العراقي حميد الشطري في 26 ديسمبر الماضي، إلى سوريا، حيث التقى الشرع في قصر الشعب بالعاصمة دمشق، وبحث معه جملة ملفات مشتركة.
ومع استمرار الغموض في المشهد السوري، يبقى العراق أمام عدة خيارات في كيفية التعامل مع القيادة الجديدة في دمشق، فمن جهة، قد يقرر إعادة فتح سفارته في سوريا لتعزيز الحوار الدبلوماسي وتأمين مصالحه، لكنه قد يتجنب اتخاذ موقف رسمي من الشرع في انتظار وضوح التوجهات السياسية لدمشق، كما أن بغداد قد تسعى إلى تكثيف التنسيق الأمني مع سوريا لمواجهة أي تهديدات مشتركة، خاصة في ملفي الحدود والتنظيمات الإرهابية.