التمييز المناطقي والفئوي مانع مسكوت عنه في الزواج

لا يعير الشاب أو الفتاة اهتماما كافيا لعادات عائلتيهما ومجتمعهما التي تتدخل في قرار الزواج. ويركز كلاهما عند الدخول في علاقة عاطفية على المشاعر والانسجام مع الشريك. وسرعان ما تتغير نظرتهما للأشياء عندما تقترب العلاقة من الخطوات الرسمية بالخطوبة أو الزواج وتتدخل العائلتان. وفي الكثير من الأحيان يصطدم الثنائي بشروط غير متوقعة من والوالدين قد تحول دون الارتباط الرسمي. ومن بين هذه الشروط ما هو متعارف عليه ومن بينها ما لا يصرح به مثل النسب واسم العائلة والجهة التي ينتمي إليها الطرف الآخر.
الجمعة 2017/03/31
من أدار ظهره للآخر

تونس – يجد الشباب الكثير من الصعوبات والعراقيل عندما يفكرون في الزواج. وأصبح تأخر سن الزواج والعزوبية بمثابة الظاهرة في المجتمع التونسي، الأمر الذي جعل المختصين في علم الاجتماع يطرحون إشكالية، هل هناك عزوف على الزواج أم أن الشباب باتوا عاجزين عنه بسبب الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي لا تسمح له بذلك؟

وتؤكد العديد من الدراسات الاجتماعية أن غالبية الشباب يقرون بأن ظروفهم المادية الصعبة بسبب البطالة أو الفقر تدفعهم إلى إبعاد فكرة الزواج وبناء أسرة من مخططاتهم المستقبلية. ويشير هؤلاء إلى أن تكاليف الزواج إلى جانب غلاء المعيشة وما يترتب عنها من ضغوط نفسية واجتماعية تشعرهم بالخوف من تحمّل مسؤولية بيت وأسرة وتلبية الحاجيات.

وتجدر الإشارة إلى أن عراقيل الزواج البارزة للعيان تحظى باهتمام الباحثين في المسائل الاجتماعية والأسرية في علاقتها بالشباب ما يجعلهم يغفلون الكثير من الموانع التي تستحق البحث رغم عدم الإفصاح عنها. هذه الموانع التي غالبا ما تصدر عن عائلة الشاب أو الفتاة مثل نسب العائلة التي سيرتبط بها ابنهم أو ابنتهم، وإن كانت من العائلات المرموقة والثرية أم لا، وكذلك الجهة التي ينحدر منها المتقدم للخطبة أو الفتاة المرغوب في طلب يدها، تكاد تكون مهملة في البحوث الاجتماعية لأن العراقيل الاقتصادية والاجتماعية تطغى عليها، إلا أن هذا لا ينفي وجودها ولا يعفي الدارسين من ضرورة إثارتها والبحث في أسبابها وتداعياتها.

الشباب التونسي يستنكرون الشروط المرتبطة بالمستوى الاجتماعي لأنها مبنية على عقلية تمييزية تقوم على العلوية

ولم تتوج الكثير من العلاقات العاطفية بالارتباط الرسمي لأن عائلة أحد الطرفين في العلاقة العاطفية ترفض الشريك لأنه من جهة معينة من الجمهورية التونسية أو لأنه من عائلة متواضعة وليست من نخبة المجتمع. وفي أغلب الحالات لا يصرح بهذا السبب لرفض الزواج لعائلة الطرف الآخر وأحيانا يتم إخفاؤه على الجميع وتساق حجج وأسباب أخرى غير حقيقية. عدم التصريح بالسبب يخفي إحراجا من سبب الرفض لأن العائلات التي تحرم ابنها أو ابنتها من الشريك الذي يرغب في الزواج به تدرك أن سبب الرفض سوف يكون محل انتقاد من غالبية المحيطين بهم.

ويقول باحثون في علم الاجتماع إن الشباب التونسي الذين باتوا يرفضون الحسابات الجهوية ولا يحبذون اعتبار جهة أفضل من غيرها عبّروا عن هذا الموقف في سياق رفضهم للتمييز بين الجهات في مسائل التنمية والاقتصاد، وهم أيضا يستنكرون الشروط المرتبطة بالمستوى الاجتماعي لأنها مبنية على عقلية تمييزية تقوم على العلوية واحتقار الآخر.

وتقول بية وهي فتاة تونسية ألغي زواجها من خطيبها بعد علاقة حب دامت سنوات، في شهادة قدّمتها لأحد البرامج الاجتماعية بثت على قناة تلفزيونية تونسية خاصة، إن السبب الرئيسي الذي جعل أمّ خطيبها ترفض زواجهما وتسعى إلى قطع علاقتهما بكل الطرق هو أنها ليست أصيلة تونس العاصمة، بل إنها من إحدى المحافظات الواقعة في الوسط التونسي.

وتشير بية إلى أن الأم لم تتجرأ على مواجهة عائلة الخطيبة بهذا السبب ولم تصرّح به إلا لابنها. وحسب شهادة بية فإنها وخطيبها كانا في علاقة مليئة بالانسجام والتفاهم وحلما كثيرا بالزواج لكن انتماءها إلى جهة معينة لا تروق لأم الخطيب دمرت أحلامهما وحرمتهما من تتويج علاقتهما بالزواج.

وأثارت شهادة بية استهجان مقدّم البرنامج وكذلك الجمهور والمختصين الحاضرين في حلقة النقاش واستغرب جميعهم وجود مثل هذه العقلية التمييزية على أساس جهوي في العصر الراهن، من جانبه نوّه ضيف البرنامج الباحث في علم الاجتماع إلى أن الاعتبارات الجهوية والفئوية مازالت راسخة لدى البعض في المجتمع التونسي، خاصة كبار السن وأبناء العائلات الثرية والمرموقة اجتماعيا لكن حضورها يظل محتشما مقارنة بالتفكير السائد الذي ينبذها ويعتبرها من عوامل التخلف.

كما أشار إلى أنه في أغلب الأحيان لا يتم التعبير عن هذه النظرة التمييزية ضد الآخر بسبب انتمائه إلى جهة دون غيرها أو إلى فئة اجتماعية متوسطة أو فقيرة إلا في حالات قليلة من بينها علاقات التصاهر.

وتقول الشابة التونسية حنان ناصر في حديث لـ”العرب” إنها تعرّضت لتجربة مماثلة لتجربة بية ولكن الطريف في حكاية حنان أنها كانت على علاقة مع مديرها في العمل وأنه من محافظة ساحلية لكن والده أصيل المنطقة التي تنحدر منها هي من الوسط التونسي ورغم ذلك رفض أن يتزوجها ابنه، رغم معرفته بعلاقتهما العاطفية وبمستوى التفاهم والانسجام بينهما، وكان السبب أن حنان ليست أصيلة المدينة الساحلية نفسها وليست من عائلة ثرية. وفضلت عائلة الشاب أن يتزوج فتاة من المدينة نفسها ومن عائلة معروفة رغم عدم معرفته الجيدة بها.

أما محمد عياد وهو شاب ثلاثيني فيقول إنه يعيش حالة من الصراع والخلافات مع أسرته وخاصة مع والده لأنه يرفض أن يخطب له الفتاة التي يريد الزواج بها لأنها من عائلة متواضعة وليست في مستوى عائلته ذات المكانة الرفيعة في قريتها.

ويشير محمد إلى أن السبب الذي يسوقه والده ليس مقنعا في نظره لأن جل العائلات لم تعد تعير اهتماما لمسألة ثراء الأصهار أو مكانة عائلة. ويؤكد أن ما على العائلات مراعاته هو سعادة أبنائها وحريتهم في الاختيار معتبرا أن هذه الحسابات الاجتماعية قد عفا عليها الزمن لأنها ليست معيارا يحدد فشل الزواج من نجاحه.

ويتصور الجانب الأكبر من المجتمع التونسي أن الحسابات الجهوية والفئوية قد باتت من الماضي بحكم تطور المجتمع وثقافته خاصة في ما يهم الزواج. لكن الواقع يكشف العكس، إذ مازالت هذه الحسابات قائمة لدى نسبة هامة من العائلات التونسية لتتسبب في تدمير العديد من العلاقات التي كان بإمكانها أن تتوج بالزواج وينجح الطرفان فيها لأنها قائمة على الاختيار الحر والعواطف التي لا تعترف بقائمات الاعتبارات المادية والشروط الاجتماعية.

21