التماثيل ليست وثائق تاريخية فحسب

عمان – في كتابه الجديد بعنوان “تحطيم الثماثيل في فضاءات العالم العربي العامة” يتناول الشاعر والباحث العراقي شاكر لعيبي ظاهرة تحطيم التماثيل التي وإن كانت في انتشارها في الغرب مؤخرا دلالة على الوعي بضرورة الوقوف على الحقائق التاريخية ومحاكمات لاحقة لرموز سابقة مثلما هو الحال بالنسبة إلى من اتهموا بالعنصرية، فإنها في العالم الإسلامي اتخذت سمة الجريمة المقدسة ومحاولات تدمير التاريخ.
وبثت فيديوهات سابقة منذ ست سنوات تقريبا كيف حصلت أبشع الأفعال التدميرية في خمس دقائق فقط، خمس دقائق كانت بمثابة صاعقة متواصلة، كانت خلاصة الهجوم الذي شنّه عناصر تنظيم الدولة الإسلامية على المتحف الأهم في العالم في محافظة نينوى العراقية التي تعرضت آثارها إلى التدمير بحجج دينية واهية من التنظيم الإرهابي.

التماثيل جزء من التاريخ
وحادثة المتحف تذكّر بحادثة أخرى سابقة لها جرت قبل قرابة عشرين عاما عندما قام تنظيم طالبان بتحطيم تمثال “بوذا” في أفغانستان، وتحيل إلى فكرة مفادها أنّ تحطيم التراث الإنساني ليس وليد اللحظة بل هو فعل له جذوره التاريخية والاجتماعية الممتدة إلى زمن بعيد مضى، وهو ما يحيل بدوره إلى التساؤل عن نبتة الإنسان بين الخير والشر وأيّهما الأسبق. فالإنسان الذي قضى مئات السنين لاكتشاف الحرف الكتابي لم يستغرق سوى لحظات ليكتشف قدرته على القتل وإنهاء وجود الآخر.
وفي الجزائر نستحضر كيف هجم رجل ملتح بمطرقته على تمثال امرأة منصوب في ساحة “عين الفوارة” بمدينة سطيف (270 كلم شرق الجزائر العاصمة)، ليحطمه وهو يصرخ “الله أكبر” أمام الملأ. يعاد ترميم التمثال بعد جدل، ويعاد نصبه في مكانه، وتمضي أسابيع قليلة ويهجم ملتح آخر على التمثال بحجة أن هذه المرأة – التمثال عارية وتثير غريزته وغريزة كل مؤمن.
هذه الحادثة تتجاوز مسألة عبادة الأصنام التي تحجج بها تنظيم داعش الإرهابي إلى مسألة أخرى لصيقة هي الخوف من الجمال والخوف من جسد المرأة في الفن بشكل خاص. والخوف من جسد المرأة هو مرض هوسي إسلاموي معاصر موجود في هواجس أولئك المتشددين الذين لم يتجاوز وعيهم الغرائز البسيطة ولم يطلعوا على تاريخ الفن ولم تنشأ لديهم ملكات تذوق فنية تهذب إنسانيتهم.
ويرى لعيبي في كتابه، الصادر عن دار خطوط وظلال بعمان، أن مادة تاريخ الفن تغيب عن غالبية معاهد ومدارس وثانويات العالم العربيّ، وتحضر فقط في المعاهد والأكاديميات المتخصصة وإنْ بشكلٍ منقوص.

وثيقة تاريخية وموضع اعتزاز قوميّ
ويتساءل “من أين إذنْ ينبثق تقدير ومعرفة وذوق الجمهور العريض بأهمية آثاره الفنية التاريخية، بل بمنجزات معاصريه؟ دعونا من مزاعم الوسط الثقافيّ العريض بهذا الشأن، فهي في الغالب محض أفكار قيمة لا سوق لها كما تدلّ الشواهد وسوق الفن المحليّ مثلاً”.
وبين الكاتب أن تحطيم السلفيين والإرهابيين للتماثيل استُقبل بتنديد وطنيّ، ليس لجهة أهميتها الجمالية الفائقة، ولكن لكونها وثيقة تاريخية في المقام الأول وموضع اعتزاز قوميّ، وهذا الأمر على أهميته يكشف عن سيادة الوعي بالفن بصفته وثيقة أكثر من كونه إبداعاً جمالياً. فئات عريضة في منطقة الجزيرة العربية لم تهتم بهذا الجانب ولا بذاك، لأنها لا تعرف ببساطة تاريخ الفن، لأنها لُقّنت دروساً زائفة عن بهرج الفن، ومفاهيم خاطئةً عن فنون الإسلام.
ويخلص لعيبي بشيء من السخرية السوداء “لحسن الحظ، حظنا نحن، أن علماء الغرب وتجاره قاموا بنقل ونهب آثار من أرض النيل، وبلاد الرافدين، وقلاع اليمن، وغيرها، وهي اليوم محفوظة في متاحف فرنسا وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا وتركيا وغيرها”.
والكثير من التماثيل والآثار العربية موجودة في متاحف عالمية، ومنها آثار عراقية، إذ حافظت عليها هذه المؤسسات رغم أنها نهبتها من بلدانها الأصلية.