التلفزيون الأردني في عيده الخامس والخمسين.. مطالبات بتغييرات جذرية

مع احتفاء التلفزيون الأردني بالذكرى الخامسة والخمسين لتأسيسه، وذكر أبرز المحطات الإيجابية في تاريخه، غاب الحديث عن التغيير الجذري الذي يحتاجه لإقناع المشاهد والرأي العام الأردني وجذبه إلى الشاشة الوطنية.
عمان - احتفل التلفزيون الأردني بالذكرى الخامسة والخمسين لتأسيسه تحت عنوان عريض “الالتزام بثوابت الوطن وتقديم رسالة إعلامية إنسانية ترتقي بذائقة المشاهد بعيدا عن الابتذال والسطحية وصولا إلى المحتوى الملتزم”، فيما غاب الحديث عن تطويره الذي يطالب به أهل القطاع.
ورسمت التصريحات الرسمية بهذه المناسبة واقعا ورديا لمسيرة التلفزيون، وذكرت وكالة الأنباء الأردنية الرسمية “بترا” أن عددا من الرعيل الأول الذين واكبوا نشأة التلفزيون الوطني قالوا إن التلفزيون كان الأول بكل شيء، ونقل رسالته بأربع لغات للعالم في وقت لم يكن هناك من ينقل الحدث بغير لغته، وأوفد كوادره للتدريب في أميركا وبريطانيا وغيرهما، واستعان بكفاءات عربية من لبنان ومصر، واليوم لم يبق وحده أمام المتلقين لكنه الوحيد الذي لم ينجرف خلف تيار تسخيف وتسطيح المحتوى والانحدار بذائقة المتلقين.
غير أن التلفزيون الأردني وباعتراف القائمين عليه يعاني العديد من المشكلات وحاله كحال الإعلام الرسمي الأردني، محدود التأثير في الرأي العام، إذ أهملت الحكومة الإعلام الرسمي إلى درجة عدم الاكتراث، في حين أن الظروف الصعبة التي يمر بها الأردن تحتاج إعلاما يقود ويوجه، وإليه يتوجه الناس.
وذكر وزير الدولة لشؤون الإعلام الناطق الرسمي باسم الحكومة فيصل الشبول، في وقت سابق، أن الموازنات التي ترصد لمؤسسة الإذاعة والتلفزيون ووكالة الأنباء الأردنية تعتبر “تقشفية”، وأن هذه المؤسسات تعاني بسبب الموازنات المتواضعة، لافتا إلى أن دعم الإنفاق الرأسمالي لهذه المؤسسات يعمل على دعم قطاعات أخرى وأهمها القطاع الفني.
ويعتبر المتابعون أن تطوير التلفزيون يحتاج إلى قرار سياسي وليس قانونيا وإداريا، ليتمكن من جذب المشاهد الأردني، إذ إنه ما زالت تُنقل فيه أخبار أردنية لا تحاكي الهم الشعبي والوطني والسياسي والاقتصادي.
والأمر اللافت الوحيد كمبادرة للتغيير في ذكرى تأسيس التلفزيون، ويجري الحديث عنه في وسائل الإعلام الأردنية ولو بشكل غير رسمي هو أن مجلس إدارة التلفزيون الأردني قرر تعيين المخرج رائد عربيات مديرا لإدارة التلفزيون في مؤسسة الإذاعة والتلفزيون.
وذكرت هذه الوسائل أن عربيات يعمل مديرا للبرامج ومديرا للإنتاج في التلفزيون الأردني. وهو مخرج قديم من أصحاب الخبرة، وله باع طويل من العمل في التلفزيون الأردني وحاصل على الدرجة الخاصة.
وأشارت مصادر إلى أن هذا التغيير يتماشى مع توجيهات ولي العهد الأردني الأمير الحسين بن عبدالله، الذي دعا مؤسسة الإذاعة والتلفزيون الأردنية إلى التنوع في تناول المواضيع ومواكبة الإعلام الرقمي والابتعاد عن النمطية.
وقال الأمير الحسين خلال جولة بين أروقة المؤسسة في أبريل العام الماضي “دور المؤسسة مهم للغاية، ونلمس التطور، لكن يجب التركيز على الوسائل الإيجابية، وكيفية إيصال المعلومة ونحن نعوّل على الجهود المبذولة”.
وأُنشئت مؤسسة الإذاعة والتلفزيون الأردنية باعتبارها جهة عامة، لكنها في الواقع ليست أكثر من لسان حال الحكومة. وتُموَّل من خلال رسوم ترخيص تجمع دينارا واحدا من فاتورة الكهرباء الشهرية لكلِّ أسرة، ويُعيَّن مجلس إدارتها ومديرها من قبل الحكومة التي يعيِّنها العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، ونادرا ما تنحرف هذه المؤسسة عن الخط الرسمي.
وطالب القائمون على المؤسسة مرارا بدعمها وتحسين وضعها، مؤكدين ضعف إمكانياتها والميزانية المخصصة لها، فقد أكد رئيس مجلس إدارة الإذاعة والتلفزيون غيث الطراونة أن “المؤسسة هي صوت وصورة الأردن، إذ إنها مطالبة بصناعة رسالة الدولة الأردنية، حيث إنها بحاجة إلى موازنة أكبر لإيصال الرسالة إلى العالم بالطريقة المثلى”، مشيرا إلى أن “24 مليونا و838 ألف دينار وهي موازنة المؤسسة لعام 2022 تعتبر قليلة”.
وبيّن أن “المؤسسة بحاجة إلى تطوير وتحديث في التكنولوجيا والتقنيات المتغيرة”، مطالبا بدعم المؤسسة بالنفقات الرأسمالية “لتقديم محتوى مميز يراعي مبادئ وقيم وأخلاق المجتمع الأردني، ولترتقي بمستوى الوعي، وهي مسؤولية وطنية”.
وذكر مدير عام مؤسسة الإذاعة والتلفزيون إبراهيم البواريد أن المؤسسة تواكب التطور التقني من خلال خمس إذاعات والقناة الأولى والرياضية، موضحا أن عدد الكوادر يقارب 1150 موظفا، لكن “نعاني من نقص كوادر في جميع الأقسام”. ولفت إلى أنه لا يستطيع جلب الكفاءات من خلال ديوان الخدمة المدنية.
الإعلام الأردني يعاني منذ سنوات من أزمات مركبة لم تحرك السلطات تجاهها ساكنا، أبرزها الأزمة المالية، كما يعاني من التضييق والقمع
واستطاع التلفزيون الأردني أن يحقق تقدما في الدورة البرامجية لشهر رمضان الماضي، إذ عادة ما تحظى التلفزيونات المحلية بنسبة مشاهدة عالية في رمضان في العديد من الدول العربية.
وكشف البواريد أن إيرادات شهر رمضان الحالية هي الأعلى منذ عام 2011، وذلك بفضل الإعلان مبكرا عن الدورة البرامجية للشهر الفضيل، الأمر الذي كان له دور كبير في جذب الإعلانات وتحقيق هذه العوائد للمؤسسة.
وفي ما يتعلق بنسب المشاهدة للشاشة الأردنية ومنصات المؤسسة الرقمية، أشار البواريد خلال شهر أبريل الجاري إلى أن هناك نسبة مشاهدة عالية لكافة البرامج، ويتضح ذلك من خلال التفاعل وحجم الاتصالات التي تستقبلها البرامج، معلنا أن مؤشر حجم الاتصالات منذ بدء الشهر الفضيل وحتى الآن وصل إلى ضعف أرقام الأعوام الأربعة الماضية، وبعض البرامج وصل عدد مشاهديها إلى نصف مليون مشاهدة في فترة لم تتجاوز اليومين، إضافة إلى التفاعل الكبير على كل ما تنشره المؤسسة عبر وسائل ومنصات التواصل الاجتماعي الخاصة بها، حيث بينت الإحصائيات أن معدل تفاعل الجمهور مع برامج الدورة الحالية على المنصات الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي التابعة للمؤسسة تجاوز المليونين ومئتي ألف.
وعن موازنة الدورة البرامجية، أكد البواريد أنها كانت مناسبة ومعقولة وأنفق عليها أقل مما يمكن أن ينفق على عمل درامي واحد.
وأضاف أن المؤسسة تعمل على استثمار طاقات موجودة أصلا في المؤسسة، فهناك كوادر تتمتع بكفاءات عالية جدا، وما يتم التركيز عليه هو الاستفادة من هذه الطاقات وتمكينهم في حال احتاجوا إلى ذلك، سواء ليكونوا مذيعين أو غير ذلك من الأعمال التلفزيونية والإذاعية، وهو ما سيتم خلال الدورة البرامجية لما بعد رمضان.
ويعاني الإعلام الأردني منذ سنوات من أزمات مركبة لم تحرك السلطات تجاهها ساكنا، أبرزها الأزمة المالية، كما يعاني من التضييق والقمع. ويحمّل مراقبون الحكومة مسؤولية تردي الإعلام الأردني وتراجعه، وخاصة أنها لا تدعم وسائل الإعلام، وليست لدى الحكومات المتعاقبة أي إرادة سياسية لتقويتها وتعزيز دورها. ويشير صحافيون إلى أن آخر إستراتيجية وضعت لدعم الإعلام كانت في عام 2011 إبان ما عرف بـ”الربيع العربي”، وانتهت بعد خمس سنوات دون أن تحقق إنجازات تذكر.