التكنولوجيا تفتح بوابات جديدة لجامعي الأعمال الفنية

السوق الافتراضية الجديدة تتيح لمبتكري المحتوى الرقمي التواصل ماليا مع جمهورهم والتخلص من الوسطاء كما تمثل بوابة سريعة لهواة جمع المقتنيات المميزة.
الاثنين 2021/03/08
مقطع فيديو للاعب كرة السلة مقابل 100 ألف دولار

الأصالة هي الكلمة الأبرز في الأحاديث المتبادلة بين مقتني الأعمال الفنية الذين يتدفقون بالآلاف على منصة “توب شوت” عبر الإنترنت لشراء مقاطع فيديو قصيرة، حيث يحظى سوق افتراضي جديد بنجاح باهر بين هواة الجمع وعشاق الرياضة ومحبي الفن.

نيويورك- الظاهرة التي فتحت “بوابات السيل” بدأت منذ عشر سنوات، تحديدا في شهر أبريل 2011، عندما ابتكر كريس توريس شخصية الرسوم المتحركة القط نيان الذي يحلق تاركا وراءه أثرا لقوس قزح. وسرعان ما جرت مشاهدة هذا “الميم” والتشارك فيه عبر مواقع التواصل الاجتماعي الملايين من المرات.

وخلال فبراير الماضي طرح توريس نسخة فريدة للبيع عبر منصة “فاونديشن” المتخصصة بالسلع الرقمية. وحصلت المفاجأة التي وصفها توريس في ما بعد بـ”بوابات السيل”؛ في الساعات الأخيرة من المزاد اشتعلت حرب متصاعدة حول الصورة، لتباع في نهاية الأمر لمستخدم جرت الإشارة إلى هويته فقط باستخدام رقم محفظة العملة المشفرة الخاصة به، وذلك مقابل ما يقرب من 580 ألف دولار.

وجاءت عملية البيع هذه لتشكل ذروة جديدة في سوق سريعة النمو لحقوق ملكية الفن الرقمي والوسائط تعرف اختصارا بـ”إن.إف.تي”. ولا يحصل المشترون عادة على حقوق الطبع والنشر أو العلامات التجارية أو حتى الملكية الوحيدة لأي شيء يشترونه، وإنما يحصلون فقط على حق المعرفة والمفاخرة بأن نسختهم “أصلية”.

لعبة تحولت إلى استثمار

فيديو لنجم الدوري الأميركي للمحترفين ليبرون جيمس في واحدة من أكثر حركاته إثارة لا تتجاوز مدته الدقيقة وصل السعر المدفوع لاقتنائه 208 آلاف دولار

في فبراير أيضا، باعت الممثلة ليندسي لوهان صورة وجهية (بورتريه)، بمبلغ 15 ألف دولار، وفي إشارة إلى العملات المشفرة مثل “بيتكوين”، وقالت لوهان “أؤمن بعالم يتسم باللامركزية المالية”. وسرعان ما أعيد بيع الصورة مقابل 57 ألف دولار.

وتتيح هذه السوق الافتراضية لمبتكري المحتوى الرقمي التواصل ماليا مع جمهورهم والتخلص من الوسطاء. والمشترون في هذه السوق الجديدة هم هواة جمع المقتنيات المميزة والمعجبون الذين يعرضون ما اشتروه عبر شبكات التواصل الاجتماعي أو الشاشات عبر منازلهم.

ويحاول آخرون تحقيق ربح سريع، خاصة في ظل ارتفاع أسعار العملات المشفرة. وينظر الكثيرون لهذا الأمر باعتباره شكلا من أشكال الترفيه يمزج بين المقامرة وجمع المقتنيات المميزة والاستثمار والتداول اليومي.

ومن بين الرموز الرقمية الأخرى التي جرى بيعها في الفترة الأخيرة مقطع للاعب السلة الأميركي ليبرون جيمس وهو يقف في وجه تسديدة في مباراة “ليكرز” كرة سلة مقابل 100 ألف دولار في يناير. وأثارت أسعار هذه السوق اللافتة للنظر بعض الارتباك والسخرية، مثلما كان الحال منذ وقت طويل بعالم العملات المشفرة.

وكانت العملات المشفرة قد كافحت لإيجاد استخدامات جيدة لتقنيتها. وثمة شكوك حول استقرار قيم هذه العملات؛ نظرا لاعتماد الكثير من المعاملات على العملات المشفرة والتي أدت إلى تذبذب شديد في قيمتها خلال العامين الماضيين.

ومع ذلك، يحرص المتحمسون للعملات المشفرة على تذكير الآخرين بأن معظم التحولات الكبرى بعالم التكنولوجيا، من “فيسبوك” و”إيربي إن.بي” وصولا إلى شبكة الإنترنت ذاتها والهواتف المحمولة، غالبا ما بدأ ظهورها في صورة ألعاب.

وقال مارك أندريسن، مستثمر لدى مؤسسة “أندريسن هورويتز”، “يبدي الكثيرون تشككهم حيال هذا الأمر”، وذلك خلال مناقشة جرت عبر تطبيق “كلوب هاوس” الاجتماعي، هذا الشهر. وأوضح هو وشريكه بن هورويتز أن الكثير من الأشخاص لا يشترون أشياء من عينة الأحذية الرياضية والأعمال الفنية وبطاقات بيسبول من أجل قيمة هذه الأشياء في حد ذاتها، وإنما من أجل شكلها الجمالي وتصميمها. وعن هذا، قال هورويتز “أنت هنا تشتري قيمة معنوية”.

كانت هذه السوق قد شهدت انتعاشا كبيرا العام الماضي، حيث شارك أكثر من 222 ألف شخص في مبيعات بلغت قيمتها 250 مليون دولار؛ ما يشكل ارتفاعا بقيمة أربعة أضعاف عن عام 2019، تبعا لموقع Nonfungible.com  المعني بتتبع السوق. ويعزى الأمر إلى الجائحة التي دفعت المستثمرين إلى البحث عن فرص أكثر سرية لتحقيق الأرباح، من الأحذية الرياضية والملابس إلى الأعمال الفنية.

وبالفعل، لفتت أنظار هؤلاء المستثمرين الذين يمتلكون أموالا طائلة “ليحرقوها” إصدارات رفيعة المستوى من “ديدماو 5” الملحن الموسيقي، وجاستن رويلاند مبتكر كارتون “ريك آند مورتي”. وانجذب الأفراد خلال بداية الموسم إلى بطاقات التداول الرقمية الجديدة للدوري.

وجاء هذا الازدهار مرضيا لروهام غارغوزلو، الذي أسست شركته “دابر لابس” موقع “كريبتو كيتيز” عام 2017، يسمح للأشخاص بشراء قطط رقمية محدودة الإصدار باستخدام عملات مشفرة. ومع انخفاض أسعار العملات المشفرة عام 2018، فقد الناس اهتمامهم بالأمر.

يرى المعجبون في الظاهرة الجديدة بديلا لأسواق هواة الجمع التقليدية التي غالبا ما تكون غير منظمة وغير شفافة

ومع هذا، تضاعفت قيمة “دابر لابس” بعد أن نجحت في اجتذاب المزيد من التمويل وأنشأت شبكتها الخاصة باسم “فلو”، وانضمت إلى السوق لبيع مقاطع مميزة من خلال شركة جديدة بعنوان “توب شوت”، التي بيع عبرها مقطع فيديو لنجم الدوري الأميركي للمحترفين ليبرون جيمس في واحدة من أكثر حركاته إثارة، لا تتجاوز مدته الدقيقة، ومع ذلك، وصل السعر المدفوع لاقتنائه 208 آلاف دولار.

ويعتمد الفيديو الرموز غير القابلة للاستبدال مما لا يترك جدالا في هويته وأصالته بفضل تقنية “البلوك تشين” نفسها المستخدمة لضمان أمان العملات المشفرة.

وكانت الشركة الكندية قد أطلقت توب شوت في أوائل أكتوبر بالشراكة مع الرابطة الوطنية لكرة السلة، تتيح للزبائن شراء مقاطع الفيديو القصيرة وبيعها بأسعار تختلف حسب الطلب والندرة.

وبمجرد تسجيل عملية البيع على المنصة، يمكن أن تنتقل المقاطع من جهة إلى أخرى، لعدد غير محدود من المرات. وتنال الشركة أرباحا صغيرة من كل عملية بيع بالمشاركة مع الرابطة الوطنية لكرة السلة ورابطة اللاعبين المحترفين.

هذا هو المستقبل

أول خمسة آلاف يوم للفنان الرقمي الأميركي بيبل
أول خمسة آلاف يوم للفنان الرقمي الأميركي بيبل

وفقا لمتحدثة باسم الشركة الكندية، في مطلع يناير وبعد بداية بطيئة، انفجرت أعمال توب شوت، حيث حققت أكثر من 200 مليون دولار من المعاملات منذ بداية العام. وأضافت أنه بحلول  الأربعاء، اقتربت الشركة من تسجيل أول 100 ألف مشتر. ويوفر موقع “مومنترانكس” تقييمات دقيقة في الوقت الفعلي، وقد حدد قيمة السوق الحالية عند 1.8 مليار دولار. ومن المفارقات أن معظم مقاطع الفيديو التي تباع يمكن مشاهدتها مجانا في أي مكان آخر على الإنترنت، على موقع يوتيوب.

وكتب جوناثان باليس، الذي أنفق 35 ألف دولار على مقطع واحد، على مدونته التي تحمل عنوان “لاكي مايفريك” “أتفهم تماما ردود الفعل الأولية”، في إشارة إلى الذين لا يفهمون سبب شراء مقطع يتوفر مجانا. وتابع “نشأ جيل كامل من الشباب الأذكياء الذين يفكرون بطريقة مختلفة تماما عني وعنك، مما يجعل عدم تفهّم الكثيرين غير مؤثر على مسارنا نحو المستقبل”.

واستذكر ستيف بولاند، مبتكر موقع مايتي مينتد، رد فعله الأولي. ورأى أن هذا هو المستقبل، وهذا ما ستصبح عليه المقتنيات في المستقبل.

ويرى المعجبون في الظاهرة الجديدة بديلا لأسواق هواة الجمع التقليدية التي غالبا ما تكون غير منظمة وغير شفافة، سواء كانت تنطوي على مبيعات بطاقات البيسبول أو الأعمال الفنية. وقال بولاند “العالم الافتراضي أفضل من العالم الواقعي. هناك أعمال مزيفة لبيكاسو وفان جوخ. لكن التكنولوجيا تضمن أن الأعمال التي تباع حقيقية”.

كريستيز على الخط

الخميس الماضي أصبحت كريستيز أول دار مزادات كبيرة تعرض أحد الأعمال بالرموز غير القابلة للاستبدال وهو “أول خمسة آلاف يوم” للفنان الرقمي الأميركي بيبل، واسمه الحقيقي مايك وينكلمان. وقال نواه ديفيس، الخبير لدى كريستيز في فن ما بعد الحرب والفن المعاصر “هذه لحظة محورية لمستقبل الفنون الجديدة وحتى ممارسة هواية الجمع نفسها”. وقد ارتفع السعر، الذي بدأ عند 100 دولار، بسرعة إلى 3 ملايين دولار. وينتهي البيع في 11 مارس.

وقارن ديفيس الظاهرة الجديدة بفن الشارع، الذي تحول في غضون عقود قليلة من ممارسة غير قانونية إلى اتجاه رئيسي في الفن المعاصر. وأضاف أن الفن القائم على الرموز غير القابلة للاستبدال “سيصبح القوة المبتكرة التالية في سوق الفن”.

كما يقول بولاند إن الرموز غير القابلة للاستبدال لها مستقبل عظيم في عالم الرياضة أيضا. فقد أعلنت منصة كرة القدم الفرنسية سورار، الخميس، أنها جمعت 50 مليون دولار من المستثمرين. وقالت شركة بانينني التي تتخذ من إيطاليا مقرا لها، والتي شاركت منذ فترة طويلة في أعمال بطاقات التداول والمقتنيات الأخرى إنها أنشأت موقعا خاصا بها قائما على البلوك تشين.

السوق شهدت انتعاشا كبيرا العام الماضي حيث شارك 222 ألف شخص بصفقات بلغت قيمتها 250 مليون دولار

ويعتقد بولاند أن التكنولوجيا الجديدة ستعمل بشكل أفضل في البداية مع العلامات التجارية رفيعة المستوى مثل الرابطة الوطنية لكرة السلة، لتضفي إحساسا بالثقة في هذا العالم الجديد وغير المألوف.

وبالنسبة إلى الأسعار، وفيما إذا كانت ستشهد تقلبات عنيفة كما كان الحال مع العملات المشفرة، قال بولاند “تبقى الأسعار غير مضطربة إلى حد ما، وأعتقد أنه سيكون هناك نوع من التصحيح “.

12