التكنولوجيا الحيوية تعيد عقارب الساعة إلى الوراء

رغم أن الجهود لم تؤد بعد إلى علاجات تم اختبارها على البشر إلا أن تصنيف الشيخوخة كمرض من قبل منظمة الصحة العالمية دفع العديد من الشركات للاستثمار في تكنولوجيا إعادة برمجة الخلايا، التي تهدف تحديداً إلى تجديد شباب جسم الإنسان بالكامل أو بعض أجزائه وإطالة عمر البشر.
لندن – كيف يمكن إعادة عقارب الساعة إلى الوراء؟ للإجابة على هذا السؤال عقدت مجموعة كبيرة من العلماء مؤتمرا تمخض عن تأسيس شركة جديدة تسمى ألتوس لابس تهدف لمكافحة الشيخوخة باستخدام التكنولوجيا الحيوية لجعل الناس أصغر سنا.
وتعمل الشركة على تطوير تكنولوجيا جديدة تقول إنها قادرة على إعادة برمجة الخلايا وإعادة تجديدها في المختبر. ويعتقد بعض العلماء أنه يمكن توسيع أبحاثهم لتجديد كامل الجسم ما يؤدي في النهاية إلى إطالة عمر الإنسان.
موازنات سخية
تخطط الشركة، التي تأسست في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، لإنشاء معاهد أخرى في مناطق من بينها اليابان، وقد عملت على استقطاب فريق كبير من العلماء بعد أن أتاحت لهم إمكانية إجراء أبحاث غير مقيدة لدراسة تقدم الخلايا في العمر والعمل على عكس هذه الآلية.
وإلى جانب يوري ميلنر الذي استضاف المؤتمر في قصره في مدينة بالو ألتو، تقول مصادر إن من بين المستثمرين البارزين في الشركة الجديدة جيف بيزوس، الذي استقال من منصب الرئيس التنفيذي لشركة أمازون.
وجدير بالذكر أن الشريك المؤسس لشركة غوغل لاري بيغ كان قد أطلق هو الآخر شركة تحت اسم كاليكو لابس متخصصة في أبحاث طول العمر عام 2013، وظفت مجموعة كبيرة من العلماء ووفرت لهم موازنات سخية.
ومن بين العلماء، الذين جرى الحديث عن انضمامهم إلى شركة ألتوس، خوان كارلوس وإيزبيسوا بيلمونتي، وهو عالم بيولوجيا إسباني في معهد سولك في ولاية كاليفورنيا، وكانت تجاربه في المزج بين أجنة البشر والقرود قد أثارت جدلا أخلاقيا.
من بين المنضمين أيضاً ستيف هورفاث، الأستاذ بجامعة كاليفورنيا في لوس أنجلس الذي طوّر ساعة بيولوجية يمكنها قياس شيخوخة الإنسان بدقة. وسيترأس شينيا ياماناكا، الذي تقاسم جائزة نوبل عام 2012 عن اكتشاف إعادة البرمجة، المجلس الاستشاري العلمي للشركة، ولن يتقاضى على ذلك أي أجر.
شركة ألتوس لابس تعرض رواتب تتجاوز مليون دولار سنويا إضافة إلى شراكة في نسبة من الأسهم لجذب خيرة العلماء والباحثين
وشكلت الأبحاث التي أجراها شينيا حول توجيه الخلايا للعودة إلى حالة بدائية بخصائص الخلايا الجذعية الجنينية، بإضافة أربعة بروتينات فقط، خطوة كبيرة إلى الأمام. وبحلول عام 2016، طبّق مختبر إيزبيسوا بيلمونتي هذه العوامل على فئران حية، ظهرت عليها علامات انعكاس العمر في تجربة وصفت لاحقا بأنها “إكسير الحياة”.
المقربون من ميلنر، الذي يقود حاليا الجهود المبذولة لإعادة البرمجة، يؤكدون أن هدفه كان إنسانيا في الدرجة الأولى. وبعد الاجتماع في منزله، قدّمت منظمة غير ربحية يرعاها ميلنر وتسمى مؤسسة درب التبانة للأبحاث منحاً مدتها ثلاث سنوات وقيمتها مليون دولار سنوياً للكثير من الباحثين في مجال طول العمر. ويتم النظر في المقترحات من قبل مجلس استشاري يضم شينيا وجينيفر دودنا، التي تقاسمت جائزة “بريك ثرو” عام 2015 وجائزة نوبل عام 2020 لمشاركتها في اكتشاف أداة كريسبر لتعديل الجينوم.
وتسعى شركات ناشئة عديدة وراء تكنولوجيا إعادة البرمجة، بما فيها شركات لايف بيوسيانسز وتيرن بيوتكنولوجيز وإيج إكس ثيرابيوتكس وشيفت بيوسيانس في المملكة المتحدة، على الرغم من أن هذه الجهود لم تؤد بعد إلى أي علاجات تم اختبارها على البشر في التجارب السريرية.
وتعرض شركة ألتوس رواتب تتجاوز مليون دولار سنويا إضافة إلى شراكة في نسبة من الأسهم لجذب خيرة أساتذة الجامعات والباحثين. وقال مانويل سيرانو، وهو باحث يعمل في معهد الطب الحيوي في برشلونة بإسبانيا وكان قد أكد قبول عرض عمل من ألتوس، إن الشركة ستدفع له خمسة إلى عشرة أضعاف ما يكسبه حاليا.
مرض الشيخوخة
ويضيف سيرانو، الذي يخطط للانتقال إلى كامبريدج بالمملكة المتحدة للانضمام إلى إحدى منشآت الشركة هناك “تتمثل فلسفة شركة ألتوس لابس في إجراء أبحاث بدافع الفضول. وهذا ما أعرف كيفية القيام به وأحب أن أفعله. في هذه الحالة، ستكون لدينا الحرية من خلال شركة خاصة بأن نتحلى بالجرأة والاستكشاف. سوف أتعرض للتجديد بهذه الطريقة”.
الجهود العلمية الموثقة دفعت بمجموعة من الباحثين عام 2015 بتوجيه رسالة إلى منظمة الصحة العالمية يطالبون فيها بتصنيف الشيخوخة كمرض يصيب الوظائف البيولوجية.
وفي الثامن من يونيو 2018، أي بعد ثلاث سنوات من الرسالة، نشرت منظمة الصحة العالمية المراجعة الـ11 للتصنيف الدولي للأمراض وتم إقرارها في مايو 2019 من قبل أعضاء المنظمة، على أن يصبح التصنيف سارياً ابتداءً من الأول من يناير 2022، وليحل مكان الإصدار العاشر من التصنيف الدولي للأمراض.
ويتضمن التصنيف الجديدة تغيرين يتعلقان بالشيخوخة. الأول، تغيير في تسمية الكود المرضي “الإعاقة الجسدية المرتبطة بالعمر” إلى “الشيخوخة”. ويشمل هذا التغيير تحولاً من تسمية لأمراض ترافق التقدم بالعمر إلى ما يمكن قراءته كمرض التقدم بالعمر “الشيخوخة” وكمقياس للعمر الزمني، وهو ما اعترض عليه بعض العلماء والباحثين كونه يوحي بأن كل شخص يزيد عمره على 60 أو 65 عاماً يعاني من هذه المشكلة الصحية “الشيخوخة”.
التغيير الثاني هو توسيع الكود المرتبط بالشيخوخة ليشمل العمليات التي تؤدي إلى تراجع قدرة الكائن الحي على التكيف مع التقدم بالعمر. فقد نُظر إلى هذا التوسع على أنه خطوة مهمة لتشجيع الاستثمار المحتمل في تطوير الحلول التي تستهدف العمليات البيولوجية للشيخوخة التي يبدو أنها تكمن وراء العديد من الأمراض المرتبطة بالسن.
ويقول ديفيد سنكلير، الباحث في جامعة هارفارد الذي أبلغ في شهر ديسمبر الماضي عن استعادة البصر لدى الفئران باستخدام هذه التقنية “هناك مئات الملايين من الدولارات يجمعها المستثمرون للاستثمار في إعادة البرمجة، والتي تهدف تحديداً إلى تجديد شباب كامل جسم الإنسان أو بعض أجزائه”.
ويصف سنكلير المجال بأنه حديث النشأة لكنه يعتقد أنه يبشر بأمل واعد، ويتساءل ما الذي يمكنك فعله أيضاً لعكس عمر الجسد؟ في مختبري، ندرس الأعضاء والأنسجة الرئيسية، مثل الجلد والعضلات والدماغ، لنعرف إمكانية تجديده. ويؤكد أنه ليس مشاركاً في شركة ألتوس لكنه تحدث في اجتماع عام 2020 وتقدّم بطلب للحصول على منحة من مؤسسة درب التبانة.