التقنيات الدائمة تمد جذورها في الزراعة التونسية

تجربة تعتمد على استخدام تقنيات الزراعة الدائمة تفتح الطريق أمام استنساخها كأحد الحلول لمواجهة الاحتباس الحراري.
الاثنين 2023/05/29
لا نتائج بلا مثابرة

كاب نيغرو (تونس) - تفتح تجربة تونسية تعتمد على استخدام تقنيات الزراعة الدائمة الطريق أمام توسعها واستنساخها خلال الفترة المقبلة كأحد الحلول لمواجهة الاحتباس الحراري، والتي بدأت تنتشر بالفعل في البلاد.

ويعتمد المزارع صابر الزواني في حقله وسط غابة في منطقة كاب نيغرو شمال غرب البلاد على أعشاب "ليست طفيلية" كجزء من محاولاته تبديد هاجس المحافظة بشكل دائم على رطوبة التربة بالرغم من حرارة الطقس.

لكن، يبدو هذا الهدف بعيد المنال بالنظر خصوصا إلى تداعيات التغير المناخي في البلاد التي ساهمت في تسجيل جفاف غير مسبوق خصوصا خلال الربيع الفائت.

ففي كل مرة يجمع محصول البصل أو الفجل يقطع عنه أوراقه وجذوره ويغطي بها التربة، لكي يقلّل من تبخر المياه من الأرض ويخصبها في الآن نفسه.

ريم المثلوثي: الأزمات فرص مهمة لتعزيز الحلول مثل الزراعة الإيكولوجية
ريم المثلوثي: الأزمات فرص مهمة لتعزيز الحلول مثل الزراعة الإيكولوجية

ويقوم مفهوم الزراعة الدائمة أو المعمرة، الذي وضعه اثنان من علماء البيئة الأستراليين في سبعينات القرن الماضي، على أساس أن كلّ العناصر الطبيعية مترابطة وتكمل بعضها البعض.

وزرع الزواني الخضراوات بالقرب من حوض صغير صنعه بمفرده لجمع مياه الأمطار، وترعى بقربه ماشيته من ماعز وأبقار وأغنام التي يستخدم روثها كسماد عضوي لتقوية محاصيله.

ويوضح لفرنس براس "نحتاج إلى إنشاء تربة حيّة لجذب ديدان الأرض والفطريات وجميع العناصر الغذائية لنباتاتنا وأشجارنا".

ويحرص على ري خضراواته بالحد الأدنى من المياه ولا يستخدم إلا بذورا من إنتاج محاصيله الخاصة وطاردات الحشرات الطبيعية.

وبفضل هذه التقنية المبتكرة، انخفض استهلاكه من المياه إلى النصف.

ويؤكد الزواني الذي يشير إلى قطعة أرض غير محروثة تنتشر فيها أكوام من الشتول والسماد العضوي والتربة الخصبة وأوراق أشجار جافة جلبها من الغابة المجاورة، أن الزراعة الدائمة تشكل "العودة إلى جذورنا، والأساليب التقليدية التي كان يستخدمها أجدادنا".

ويكسب هذا المزارع حوالي 300 دينار (بالكاد 100 يورو) شهريا، لكنه يحقق الاكتفاء الذاتي من الطعام له ولعائلته المكونة من والديه المتقاعدين وشقيقه.

ويعتزم في غضون عامين أو ثلاثة أعوام تحصيل "دخل محترم" بفضل "خطة العمل" الخاصة به، والتي ستحوّل أيضا مزرعتهم البالغة مساحتها ثلاثة هكتارات وأطلق عليها اسم "أم هنية"، إلى بيت ضيافة ومركز تدريب على الزراعة الدائمة.

◙ مثابرة دائمة لإنجاح المشروع
◙ مثابرة دائمة لإنجاح المشروع 

وتخرج الزواني من معهد التكنولوجيا الحيوية، وعلى غرار الكثير من الشباب التونسي، عجز عن إيجاد عمل في مجال اختصاصه فقرّر الخضوع لتدريب في مجال آخر بعدما فقد وظيفته كنادل بسبب تداعيات وباء كوفيد - 19.

ووجد ضالته في الجمعية التونسية للزراعة المستدامة التي دربته من دون مقابل وموّلته جزئيا ليتمكن من شراء المعدات الأساسية لمشروعه.

والزواني هو أحد المستفيدين من مشروع "ازرع أرضك" لإنشاء 50 مزرعة صغيرة في تونس في غضون خمس سنوات، منها 30 مزرعة دخلت مرحلة الإنتاج.

وتقول رئيسة الجمعية ريم المثلوثي إن الهدف من ذلك هو الحصول على مئات الهكتارات وأن نثبت للسلطات والمزارعين الآخرين أن الزراعة المستدامة هي نظام زراعي مربح وفعّال، ويعيد التنوع البيولوجي، عوض إنهاك الأرض بعمليات الحرث والمواد الكيميائية.

وتمول صناديق سويسرية خصوصا، البرنامج الذي يشمل جميع المناطق في تونس حتى تلك ذات المناخ الصعب، بهدف دعم التنمية المحلية من خلال تشجيع عودة الشباب إلى استغلال الأراضي الزراعية التي هجرتها أسرهم.

◙ مفهوم هذه الزراعة الذي وضعه عالمان أستراليان في السبعينات يقوم على أساس أن كلّ العناصر الطبيعية مترابطة وتكمل بعضها

وكذلك، تأمل الجمعية المساهمة في تغيير النموذج التونسي حيث يخسر المزارع المال لأنه ينفق باستمرار فيما العائدات ضئيلة للغاية، من خلال شراء البذور والأسمدة والمبيدات، بحسب المثلوثي.

ويركز نظام الزراعة في تونس على إنتاج القمح والشعير والمحاصيل الأخرى، التي تستهلك كميات كبيرة من المياه، في مقابل انخفاض نصيب الفرد من المياه في البلاد إلى أقل من "عتبة الشح المطلق" (500 متر مكعب) التي حددها البنك الدولي.

وتبين المثلوثي لفرانس برس أن "الأزمات مثل الإجهاد المائي أو الحرب في أوكرانيا (التي تزيد من تكلفة الإنتاج) هي فرص لتعزيز الحلول مثل الزراعة الإيكولوجية والزراعة المستدامة".

ونظمت الجمعية أسواقا “من المنتج إلى المستهلك” لتقريب المنتجين من المستهلكين عبر عرض منتوجات بأسعار مناسبة.

ويتجول أولياء الأطفال وسط ساحة المدرسة الفرنسية في محافظة بنزرت شمال البلاد ويكتشفون بفضول مجموعة من منتوجات العسل والأعشاب العطرية الجبلية والخضراوات.

ويعدّ سالم الطعام مع أطفاله الثلاثة بما يشتريه كل أسبوع من هذه السوق، ويوضح "هذه منتجات صحية، من المهم أن تعرف ما تأكله. هنا يشرحون لي ما سأفعله وما يجب أن أضعه في الطبق لأتناوله".

أما المدرسة ميساء حداد فتؤكد أنها فخورة "بالمشاركة في تعليم الأطفال" الزراعة الدائمة حتى يدركوا أن "هذه الطريقة مفيدة لكوكبنا وأسلوب حياتنا".

11