التقشف التركي يزحف باتجاه خطوط دعم الكهرباء

يعكس سعي تركيا إلى إلغاء دعم الكهرباء عن كبار المستهلكين حجم الضغوط المالية التي تعاني منها الميزانية ويؤكد توقعات المحللين بأنها تواجه محنة أكبر في ظل السياسة الاقتصادية التي لم تثبت جدواها رغم محاولات الانقلاب على السياسات القديمة.
أنقرة- تعتزم الحكومة التركية إلغاء الدعم عن كبار مستهلكي الكهرباء في القطاعين السكني والتجاري اعتبارا من فبراير المقبل، ضمن سياسات مالية تقشفية تتبعها منذ أشهر يرى المسؤولون أنها ستلعب دورا حاسما في كبح التضخم الجامح.
وذكرت الجريدة الرسمية أنه “سيتم إسقاط الدعم عن المستهلكين الذين يزيد استهلاكهم عن 5 آلاف كيلوواط ساعة سنويا، بينما سيتم تحديد سقف الدعم للمستخدمين الصناعيين والقطاعين العام والخاص عند 15 ألف كيلوواط ساعة سنويا.”
ولن يتأثر مستخدمو القطاع الزراعي بمستويات الدعم الحالية، وتشمل الإعفاءات الأخرى أماكن العبادة والجمعيات الخيرية ومنظمات الإغاثة من الكوارث.
وتعليقا على الخطوة قال وزير الطاقة ألب أرسلان بيرقدار إن “المستهلكين الكبار للكهرباء يمثلون نحو ثلاثة في المئة من إجمالي 40 مليون زبون سكني.”
وسبق أن أشار خلال مؤتمر صحفي قبل أسابيع إلى أنه “مع أحدث اللوائح التي أصدرتها هيئة تنظيم الطاقة، سيبدأ المواطنون والمقيمون الذين يزيد استهلاكهم الشهري عن ضعف المتوسط، أي 417 كيلوواط في الساعة، في دفع الكلفة الحقيقية بعد فبراير.”
وأكد أن التغيير التنظيمي المخطط له يهدف إلى توجيه الدعم الحكومي للمواطنين الذين هم في أمسّ الحاجة إليه في بلد يضم أكثر من 85 مليون نسمة.
ودعّمت أنقرة استخدام الكهرباء لسنوات، وشدد المسؤولون الحكوميون مرارا على أن الأسر لديها طاقة أرخص من الدول المجاورة.
وقال بيرقدار “هؤلاء هم المستخدمون ذوو الاستهلاك العالي، أولئك الذين لديهم منازل أكبر.. وأولئك الذين لديهم مركبات كهربائية، وهؤلاء سيدفعون أيضًا سعر الكهرباء بما يتماشى مع تكلفتها.”
ورغم أن استهلاك الكهرباء في البلاد تضاعف ثلاث مرات خلال عقدين، فمن المرجح أن يزداد بوتيرة أسرع في السنوات المقبلة بسبب التحول طويل الأمد في مجال الطاقة، والذي ينطوي على استبدال الوقود الأحفوري بالكهرباء النظيفة.
وتستورد تركيا جميع احتياجاتها من الطاقة تقريبا، مما يجعلها عرضة لتداعيات التقلبات الكبيرة في الأسعار. وتشكل روسيا المصدر الرئيسي لها حيث تزودها بنحو 55 في المئة من حاجتها إلى الغاز و30 في المئة من حاجتها إلى النفط.
وزاد اعتمادها على الطاقة المستوردة من الضغط على عملتها وميزانيتها، في ظل وضع يتسم بضغوط شديدة وتسبب فيه ارتفاع التضخم إلى مستويات بلغت 84 في المئة بنهاية سبتمبر 2022، وهو الأعلى منذ 24 عاما.
ولكن وفقا لبيانات معهد الإحصاء التركي في آخر سنتين، فإن فاتورة الطاقة تراجعت من 96.5 مليار دولار في عام 2022 إلى 69.1 مليار دولار بنهاية العام الماضي.
وفي وقت سابق هذا الشهر رفع البنك المركزي توقعاته للتضخم لهذا العام وحتى 2026، ليقترب من تقديرات السوق بعد أن تجاوزت مكاسب الأسعار الترجيحات لمدة شهرين متتاليين.
69.1
مليار دولار فاتورة استيراد الطاقة في 2023 نزولا من 96.5 مليار قبل عام
وتشير آخر التوقعات إلى أن المسؤولين يرجحون بلوغ التضخم بنهاية العام الحالي 44 في المئة، على أن يصل إلى 21 في المئة بحلول نهاية 2025، ارتفاعاً من تقديراتهم السابقة البالغة 38 و14 في المئة على التوالي.
وقال محافظ البنك المركزي فاتح كاراهان حينها إن المراجعة “على الرغم من أنها ليست مثالية، إلا أنها ليست انحرافاً خطيراً” ويتوقع البنك نمو الأسعار 38 في المئة خلال مارس المقبل.
وتمثل التوقعات أهدافا قصيرة الأجل للسلطة النقدية في محاولتها تحقيق الهدف الرسمي البالغ 5 في المئة على المدى البعيد.
وبدا كاراهان، الخبير الاقتصادي السابق في بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك ومستشار السياسات، متفائلا بشأن تباطؤ مستويات الطلب المحلي، فضلاً عن تحسن التضخم في قطاع الخدمات، الذي كان متماسكاً بشكل خاص.
وقال إن “أسعار الإيجارات، هي السبب الرئيسي وراء هذا التماسك، ومن المتوقع أن تتباطأ في الربع الرابع من العام 2024.”
وعلى النقيض من ذلك، فإن توقعات التضخم وهي الركيزة الأساسية لسياسة البنك المركزي ليست عند “المستويات المرغوبة،” وفقا للمحافظ.
ومنذ اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا مطلع 2022 تنتشر بين عامة الأتراك حالة من التذمر الممزوج بالإحباط جراء غلاء المعيشة غير المسبوق، وقد زاد من وطأة متاعبهم السقوط الحر للعملة المحلية وباتوا معها عالقين في هذه المعضلة، بينما يكابدون لتغطية نفقاتهم اليومية.
وتشكو شركات قطاع الصناعة من أن زيادة الأسعار وتكاليف الطاقة ستهدد نشاطها إذا تواصلت المشكلة، كما ستراكم الكثير من التحديات التي هي في غنى عنها خاصة وأنها لا تزال تعاني من تبعات جائحة كورونا.
وبينما كانت تركيا، كما هو الحال في بقية دول العالم، تسعى إلى الابتعاد عن تأثيرات الجائحة تسببت الحرب في شرق أوروبا في جعل أسعار الطاقة، وخاصة النفط الخام والغاز المسال، تبلغ مستويات قياسية مما انعكس على الأسعار وتكاليف الإنتاج والشحن.
وفي مطلع أكتوبر الماضي، حث صندوق النقد الدولي أنقرة على تسريع جهودها في مكافحة التضخم، مشيرا إلى أن الزيادة المرتقبة في الأجور قد تشكل نقطة تحول سياسية مهمة.
وفي بيان أصدره بعد زيارة روتينية إلى الدول الأعضاء، تُعرف باسم “المشاورات بموجب المادة الرابعة”، أكد الصندوق أن “النهج التدريجي الذي تتبعه السلطات في مكافحة التضخم يطيل الفترة التي قد تظهر خلالها المخاطر.”
وأوصت المؤسسة الدولية المقرضة بضرورة اتخاذ إجراءات أكبر وأسرع لتقليص عجز الميزانية الذي وصل خلال الأشهر العشرة الأولى من هذا العام إلى 5.4 مليار دولار، وطالب بتنسيق السياسات المالية والنقدية وسياسات الدخل بشكل أكثر فعالية.
كما أشار إلى أن ربط الأجور بتوقعات التضخم المستقبلية بدلاً من التضخم الفعلي السابق يمكن أن يسهم بشكل كبير في كبح الأسعار.
ويراقب المحللون عن كثب قرارات الحكومة المتعلقة بزيادة الحد الأدنى للأجور في 2025، حيث أشار دويتشه بنك، مثلا، إلى وجود توقعات بالإجماع بزيادة تتراوح بين 25 و30 في المئة بناءً على المعلومات المجمعة خلال الزيارات الأخيرة إلى تركيا.