التقاليد القاتلة
تحكمنا العادات العمياء، والتقاليد البالية، والأفكار العتيقة التي تخرج بين الحين والآخر من قمقمها لتزكم أنوفنا برائحتها القديمة المشبعة بغبار السنين.
تتغلغل في أواصرنا، وتدخل معنا معركة تكسير عظام. فلا تترك لنا عموداً فقرياً واحداً نستطيع أن نعتمد عليه في “صلب حيل” المجتمع، تقتلنا، تصدر أحكاماً غيبية علينا بالإعدام لا نملك أمامها نقضا ولا إبراما.
أقول هذه الكلمات الصادمة بعدما عرفت الكثير عن قصص الحب والغرام التي قضت عليها التقاليد القاتلة، ومنها قصة الممرض الشاب الذي أحب فتاة جامعية تعلوه شهادة وعلماً، استجابت لنداء القلب وتغاضت عن الفارق التعليمي بينهما، تبادلا دبلتين فضيتين محفورا عليهما الأحرف الأولى ووعدا بألا يفرق قلبيهما سوى الموت، وبعض الخطابات وردية اللون والمعنى، وكلمات من أشعار الغزل العفيف.
ولكن بضع “قراريط” من أراض زراعية مؤجرة لا يتخطى عائدها _حال تحصيله_ مئات الجنيهات أحال قصة الحب الجميلة إلى معركة تقاليد.
إذ كيف لابن الأصول “صاحب الأطيان” أن يرتبط بابنة مزارع بسيط حتى وإن كانت جامعية مثقفة رائعة الجمال، قبلت بشاب لا يحمل درجة علمية كبيرة.
فوالد الشاب ووالد الفتاة دخلا سوياً معركة كلامية، وتنابزا بالألقاب، وقدح كل منهما الآخر، ولعجائب القدر أشاع المزارع البسيط بين أهل القرية أن ابنته قد تقدم لخطبتها طبيب مشهور فكيف له أن يقبل بمجرد ممرض، وبفخر الدب المنتشي حين قتل صاحبه ردد مقولة “لو جاء لي هذا الشاب بوزنها ذهباً ما قبلته زوجاً”.
ثم هاتف الشاب بعد انتشار كل تلك الشائعات يبلغه بموافقته على الزواج من ابنته، هذا الرجل الأحمق الذي تخيل أن يعزز ابنته ويبني لها مجداً وكرامة تجبران الفارق المادي والاجتماعي بينها وبين الخاطب المحب.
واستشاط والـد الشاب المطعون بعد أن اضطر للموافقة على زيجة لا يراها متكافئة، وراح هو الآخر يتحدث عن ابنه الذي تتهافت عليه الفتيات، وعن تلك الفتاة التي لا ترتقي لمستوى الـعائلة الاجتماعـي.
وبين والد الفتاة ووالد الشاب وحمق الاثنين معاً ضاع الحب وتحولت قصة الحب البريئة لحرب كلامية لم يجن القلبان منها غير الحسرة والندامة، وأبوين ضمر كلاهما العداء للآخر دون سابق معرفة ودون قاسم مشترك سوى اقتسام الحماقة والتمسك بعادات عفا عليها الزمن، وتقاليد بلهاء أكل عليها الدهر وشرب وتجشأ أفكاراً عقيمة تناثر رذاذها المقزز وقتل الكثير من قصص الحب الجميلة، من نوعية تعزيز البنت ورفض العريس أكثر من مرة فإن عاد فهذا دليل على تمسكه بهذه الفتاة بصفة خاصة.
والقليل من هذه الحيل الذي ينجح سرعان ما يتعثر في الطريق، فماذا لو كان والد عبلة قد رضي بعنترة وزوّجهما، ولو أن ليلى هنأت بالعيش في بيت الزوجية مع قيسها.