Push Message

التغييرات الجذرية في الإعلام السعودي.. الضرورة المؤجلة

ليس من السهل أن ينحاز السعوديون للإصلاحات إذا لم يوجد إعلام محلي مؤمن بها ومدافع عن تفاصيلها في مواجهة مراكز النفوذ التقليدية للمتشددين… وصورة المملكة الخارجية كقوة اقتصادية وسياسية صاعدة لم تعد تتحمل الإعلام التقليدي الذي يكتفي بنقل تصريحات المسؤولين السعوديين ويميل إلى التضخيم والمبالغة في المديح.
الأحد 2018/12/16
تطوير الإعلام بما يتناسب مع صورة السعودية الخارجية كقوّة اقتصادية وسياسية

لا شك أن التحوّلات التي تعيشها السعودية الجديدة سواء ما تعلق بالإصلاحات الشاملة التي تفترضها رؤية 2030، أو ما تعلق بالسعي للعب دور إقليمي مركزي يتماشى مع منزلة المملكة ونفوذها الاقتصادي والاستراتيجي، تفرض إعلاما قويا بنفس الطموح والحماس اللذين تمتلكهما القيادة السياسية.

ليس من السهل أن ينحاز السعوديون للإصلاحات إذا لم يوجد إعلام محلي مؤمن بها ومدافع عن تفاصيلها في مواجهة مراكز النفوذ التقليدية للمتشددين سواء في الإعلام أو في مختلف المنابر الدينية والتعليمية.

كما أن صورة المملكة الخارجية كقوّة اقتصادية وسياسية صاعدة لم تعد تتحمل الإعلام التقليدي الذي يكتفي بنقل تصريحات المسؤولين السعوديين دون تأويل أو تحليل، وهو في الغالب يميل إلى التضخيم والمبالغة في المديح بأسلوب مسيء خاصة في ظل التغييرات الجوهرية التي يعرفها الإعلام بأشكاله المتعددة.

تستطيع السعودية أن تستعيد الريادة في الإعلام مثلما سبق أن حققتها، خصوصا الريادة الموجهة للعالم العربي، منذ تبني مشروع صحيفة الشرق الأوسط عام 1978 لتكون الصحيفة الثانية الصادرة في لندن بعد صحيفة العرب. واستمرت تلك الريادة بعد تحولات الإعلام بدخول عصر الفضائيات وكانت أم.بي.سي، ولا تزال، القناة الفضائية الأكثر شعبية.

ومع انطلاقة الفضائيات الإخبارية، لم تتأخر السعودية كثيرا في اللحاق بالسباق وأطلقت “العربية” التي لا تزال تحتفظ بمكانة مهمة رغم تزاحم القنوات. الآن نحن نواجه عصرا إعلاميا مختلفا. كما أن التحديات التي تواجهها السعودية والمنطقة صارت مختلفة تماما.

  • أولا، لا يمكن الركون إلى الإعلام الاجتماعي كمنبر إعلامي لأنه مفتوح على كل الاحتمالات، وهو بدرجة أولى إعلام انطباعي يميل إلى المبالغة وأحيانا كثيرة ينزلق إلى معارك لا تخدم المشروع الإصلاحي، وقد تسيء إليه.

ولا بد من إعادة النظر في المحتوى الذي يتم تبادله وأنه من الضروري إنتاج محتوى يتناسب مع ارتفاع مستوى الوعي في المنطقة ولا يركن إلى الأساليب الدعائية التي ما عاد لها مكان في عالم اليوم.

ورغم محاولة التدارك، بان بالكاشف أن الإعلام الداعم للسعودية في القضايا الإقليمية لا يسير بشكل متواز مع المواقف الحاسمة للقيادة السياسية خاصة ما تعلق بمواجهة النفوذ الإيراني وأذرعه، حيث يتصدر المنطقة خطاب الشعارات والأوهام الأيديولوجية الذي قاد ولا يزال يقود إلى خسائر كثيرة وصدمات، فيما يرتبك الخطاب العربي العقلاني بالرغم من مشروعيته السياسية والأخلاقية.

  • ثانيا، قبول تحدي الانفتاح على الإعلام الغربي والتحاور معه وعدم تركه للمتصيدين الذين يشنون هجمات علاقات عامة تحاول النيل من سمعة السعودية وقيادتها لأسباب ما عادت خافية على أحد.

ويفترض أن الثقل المالي والاستثماري والنفطي للمملكة يسمح لها بأن تكون حاضرة وبقوة في الإعلام الغربي، الذي تديره شبكات المصالح. وتحتاج الصورة الحالية إلى تفكيك لفهم المواقف المعادية وبناء خطط إعلامية جديدة تستفيد من النفوذ السعودي الاقتصادي لمواجهتها، وتعمل على تبديد الصورة النمطية حول المملكة في وسائل إعلام دول غربية أغلبها تقيم علاقات متينة مع الرياض.

ويمكننا أن نضرب مثالا على ذلك الموقف من حرب اليمن، والضجة اليومية التي يقودها إعلام دول يفترض أنها شريكة استراتيجيا مع المملكة، حيث تتحول الأخطاء الصغيرة وغير المحسوبة إلى هجوم على التحالف العربي، يستعيد فيه هؤلاء بكائيات صارت معهودة عن حقوق الإنسان، فيما يقلل نفس هذا الإعلام من الخطر الإيراني الذي لا يهدد مصالح دول المنطقة فحسب بل مصالح دول غربية بارزة.

كما أن الحديث عن حقوق الإنسان يغيب تماما حينما يتعلق الأمر بأخطاء ترتقي إلى جرائم حرب في ملفات كثيرة بينها العراق وسوريا، لا لشيء سوى لأن المنفذين ليسوا السعودية التي وحدها تتعرض للابتزاز والتشويه.

وهذا في أحد أوجهه نتيجة غياب النفوذ الإعلامي السعودي في الغرب، والتعاطي مع بعض وسائل الإعلام هناك بمنطق من يريد أن يشتري ودّ الأصدقاء وليس كدولة ذات نفوذ إعلامي كبير.

  • ثالثا، أن قضية خاشقجي قدمت فرزا واضحا لمن يريد الخير للسعودية ومن يتربص بها، فالسعودية في قلب المشروع العربي البديل الذي يواجه مجموعة متداخلة من المشاريع الإخوانية والفارسية الطائفية والعثمانية. وهذا يستلزم إعلاما ديناميكيا متطورا ومتأقلما، انطلاقته الأساس من قبول التحدي ومواجهته.

ومن المهم القطع مع العقلية التي تستخف بتأثير وسائل الإعلام التابعة للخصوم، والسعي لإنشاء مشاريع أو دعم مشاريع تكون قادرة على إرباك الخصوم وتحويل دفة المعركة إلى ملعبهم، بدل الجري وراء تبرئة النفس في وقت يعرف الجميع أن لا أحد يدافع عن الحقيقة أو عن حقوق الإنسان، وأن كل شيء يصبّ في لعبة تصفية الحسابات.

وبان بالكاشف أن قضية خاشقجي تم الحكم فيها على شاشات التلفزيونات بوجهة نظر واحدة، وتعدد القضاة شرقا وغربا، والهدف كان إدانة السعودية التي لم تكن تمتلك الإعلام القادر على تقديم روايتها.

كما أنها لم تجد إعلاما صديقا ذا نفوذ عربي ودولي يقدر على الوقوف معها بوجه هستيريا إعلام قطر وتركيا ووسائل إعلام أميركية واسعة النفوذ.

فهل كانت السعودية تغفل الاهتمام بالإعلام عن عمد، أم أنها لم تكن تمتلك استراتيجية للاستقطاب والتأثير بالرغم من الاعتمادات الكبيرة التي ترصدها؟ هل يمكن التدارك خاصة مع وجود رغبة سياسية قوية لفرض وجود السعودية في المشهد الدولي بما يتماشى مع حجمها الاقتصادي والنفطي والاستراتيجي؟

طبعا، التدارك ممكن، لكنه يحتاج إلى تغيير في الأساليب، والأولويات، والأشخاص.

  • رابعا، لا يكفي اختيار الرياض عاصمة للإعلام العربي لهذا العام، بل يجب أن تكون العاصمة السعودية في بؤرة الاهتمام الإعلامي العربي والعالمي، قولا وفعلا بما يتناسب مع ثقلها. وهذا أمر ممكن إذا عملت الدوائر السعودية المعنية على بناء استراتيجية طويلة المدى تضع في حسابها الاستفادة من تجارب الأصدقاء وأفكارهم حتى وإن اختلفت معهم في الجزئيات.
5