التغير المناخي لعنة تصيب حركة الشباب الصومالية

الجفاف دفع قبائل صومالية كانت خاضعة للتنظيم إلى التمرد عليه ورفض دفع الضرائب بعد أن أقفرت الأرض.
الثلاثاء 2022/12/13
الموت جوعا أو بالرصاص

مقديشو – عدو لم يكن في الحسبان، أصبح يشكل تهديدا وجوديا لحركة الشباب الصومالية، التي تنحصر سلطتها وسط البلاد، أمام زحف رمال الجوع والجفاف التي دفعت الآلاف من السكان إلى التمرد على سلطتها بعد سنوات من الخضوع.

وتحول التغير المناخي في الصومال إلى لعنة أصابت حركة الشباب في مقتل، بعد أن دفع الجفاف قبائل كانت خاضعة للتنظيم التابع للقاعدة إلى التمرد عليه، ورفض دفع الضرائب بعد أن جفت الآبار وأقفرت الأرض وماتت أعداد كبيرة من الماشية وأصبح الموت بالرصاص أهون من الموت جوعا. وعادة ما يلعب الجفاف دورا لصالح الجماعات الإرهابية ويساعدها في تجنيد المزيد من الأتباع الغاضبين على حكوماتهم، على غرار ما يجري في منطقة بحيرة تشاد.

وحاولت حركة الشباب استغلال الجفاف والتغير المناخي لصالحها، من خلال تجنيد المزيد من الأطفال والأتباع، مقابل الحصول على الغذاء والقليل من المال الذي تجمعه من جني الضرائب والإتاوات. لكن انقلب السحر على الساحر، كما انقلب التغير المناخي على حركة الشباب، إذ ضاق الصوماليون ذرعا بالضرائب الباهظة والإتاوات التي تأخذها منهم حركة الشباب رغم المجاعة التي تضرب البلاد، والتي وصفتها الأمم المتحدة بأنها واحدة من أسوأ المجاعات التي واجهتها منطقة القرن الأفريقي منذ 70 عاما.

ونظرا إلى سيطرتها على طرق التجارة المحلية بين الولايات والأقاليم، تفرض حركة الشباب ضرائب على التجار للسماح لهم بالعبور والمرور إلى وجهتهم، مما أثار استياء التجار وغضب العشائر.

وبالغت حركة الشباب في استفزاز السكان المحليين الذين أرّقهم الجفاف والتصحر، عندما راحت تردم الآبار، كنوع من سياسة الأرض المحروقة.

حركة الشباب حاولت استغلال الجفاف والتغير المناخي لصالحها، من خلال تجنيد المزيد من الأطفال والأتباع، لكن انقلب السحر على الساحر

وهذه الممارسات المتشددة دفعت العشائر، خاصة في وسط البلاد، إلى الثورة على حركة الشباب بدعم من الرئيس الجديد للبلاد حسين شيخ محمود الذي له رؤية أكثر إستراتيجية في مكافحة حركة الشباب فكريا واقتصاديا وعدم الاكتفاء بمحاربتها أمنيا وعسكريا.

ودعم الجيش الصومالي العشائر في ثورتها ضد حركة الشباب، لأنه يدرك أنه لا يمكنه الحفاظ على البلدات المحررة إلا بدعم العشائر المحلية، التي تعرف جيدا جغرافية الأرض أكثر من الجنود، ويمكنها أن تحمي أفرادها وعائلاتهم من حرب العصابات التي تجيدها الحركة.

وبإمكان العشائر توفير الدعم اللوجستي للجيش، خاصة من ناحية المعلومات، وأيضا تجفيف الحاضنة الشعبية لحركة الشباب ومصادر تمويلها لإضعاف قدرتها على التجنيد ودفع رواتب عناصرها.

وسبق للجزائر أن جربت هذا الأسلوب في التسعينات، عندما وفرت السلاح لمن يسمون بـ”عناصر الدفاع الذاتي”، حتى يستطيعوا الدفاع عن أنفسهم وعائلاتهم في المناطق النائية التي لا يصل إليها الجيش إلا نادرا، وأيضا وحدات “الحرس البلدي”، وهي كتائب شبه عسكرية تتشكل من عناصر محلية وتتولى إسناد وحدات الجيش في مكافحة الإرهاب بالنظر إلى درايتها بجغرافية المنطقة، خاصة الجبلية منها والغابية ذات التضاريس المعقدة.

وساهم عناصر الدفاع الذاتي والحرس البلدي في إضعاف نشاط الجماعات الإرهابية في المناطق الجبلية والغابية النائية.

وللعراق أيضا تجربته المتمثلة في الصحوات التي ساهمت في تقليص نشاط الجماعات المتطرفة وعلى رأسها تنظيم داعش الإرهابي.

وإلى وقت قريب كانت حركة الشباب مسيطرة على مناطق واسعة في وسط وجنوب البلاد إلى غاية الحدود الكينية جنوبا والحدود الإثيوبية غربا.

ومع مجيء الرئيس حسن شيخ محمود إلى السلطة في 15 مايو الماضي، واتباعه سياسة هجينة في مكافحة حركة الشباب، نجح في تحرير العشرات من مناطق البلاد، أغلبها في وسط البلاد، لكن مازالت مناطق شاسعة في الجنوب خاضعة لسيطرة الحركة.

غير أن أكبر انتصار إستراتيجي حققه الرئيس شيخ محمود هو أن وحدات من الجيش، بدعم من مسلحي العشائر، استطاعت أن تحرّر مديرية آدم يبال في ولاية شبيلي الوسطى، التابعة لمقاطعة هيرشبيلي (وسط) والمحاذية للعاصمة مقديشو من جهة الشمال.

وفي 6 ديسمبر الجاري أعلن الرئيس شيخ محمود عن تحرير آدم يبال (نحو 250 كلم شمال غرب مقديشو)، والتي اعتبرها آخر وأهم معقل للحركة في هيرشبيلي.

فآدم يبال تضم نحو نصف مليون نسمة، وتقع في تقاطع مثلث ولايتي شبيلي الوسطى وهيران، التابعتين لهيرشبيلي، مع مقاطعة وغلغدود.

وبسيطرة القوات الحكومية عليها تكون حركة الشباب فقدت قلعتها الرئيسية في الأقاليم الوسطى.

إذ أن آدم يبال كانت تمثل أكبر تجمع سكاني تسيطر عليه حركة الشباب في الأقاليم الوسطى، بل ومركزها المالي الذي تجمع منه الضرائب والإتاوات وأموال الزكاة، وحقوق العبور من التجار والشاحنات التجارية التي تمر عبر المدينة، بحكم وقوعها بين ثلاث ولايات، وباعتبارها همزة وصل بين الأقاليم الجنوبية والوسطى.

الممارسات المتشددة دفعت العشائر إلى الثورة على حركة الشباب بدعم من الرئيس الجديد للبلاد حسين شيخ محمود

كما أنها كانت مركز تجنيد وقاعدة تدريب لعناصر التنظيم الإرهابي، الذي تأسس في 2004، وتمدد أكثر في 2007، قبل أن يتم طرده من معظم المدن الرئيسية ما بين 2011 و2012.

ورغم طرده من هيرشبيلي، التي تمتد من تخوم مقديشو شرقا إلى الحدود الإثيوبية غربا، إلا أن عناصر الشباب مازالوا يتمركزون غرب نهر شبيلي، في الأطراف الغربية للمقاطعة، ويشنون بين الحين والآخر هجمات على بلدات شرق النهر باستعمال القوارب للعبور من ضفة إلى أخرى.

والمرحلة المقبلة من شأنها أن تشهد تكثيف الجيش الصومالي هجماته على معاقل حركة الشباب في مقاطعة غلغدود، ذاتية الحكم، لتطهير النصف الشمالي من البلاد من العناصر المتشددة، قبل التوجه إلى تحرير المناطق الخاضعة للتنظيم في النصف الجنوبي.

فعدم استيعاب حركة الشباب لمدى تأثير التغيرات المناخية المتطرفة على تفكير الناس بعد أن مس الجفاف قوت يومهم، جعلها تفقد حاضنتها الشعبية وبعض تحالفاتها مع عشائر المنطقة الوسطى.

وفهم الرئيس شيخ محمود هذا التحول المناخي والاجتماعي والاقتصادي، وحاول الاستفادة منه سياسيا؛ حيث استقطب الرئيس أحد رموز حركة الشباب ومؤسسها، وهو الشيخ مختار روبو، الذي انسحب منها في 2017، وعيّنه وزيرا للشؤون الدينية.

وهي خطوة ذكية من شأنها أن تشجّع عناصر حركة الشباب الأقل تطرفا على الانسحاب من الحركة ومحاولة الاندماج في المجتمع مثل ما حدث في الجزائر ضمن ما يسمى “المصالحة الوطنية”، ويحدث حاليا في نيجيريا وبدرجة أقل في مالي.

2