التغيرات المناخية تهدد الأمن الغذائي التونسي

معظم الدراسات توضح أن تونس تضررت وستتضرر لفترة طويلة من تأثيرات تغير المناخ.
الاثنين 2019/06/03
المخزون الاستراتيجي أوشك على النفاد

تصاعدت تحذيرات الخبراء من مخاطر التغييرات المناخية المتسارعة على أمن التونسيين الغذائي في السنوات المقبلة، إذا لم يتم اعتماد سياسات عاجلة للتأقلم معها باعتماد حلول مبتكرة وعملية لمواجهة هذا التهديد الوجودي.

تونس - أطلق العديد من المختصين صفارات الإنذار من تعرض تونس لمشكلة توفير الغذاء مستقبلا بسبب زحف الجفاف على منطقة شمال أفريقيا.

ونسبت وكالة الأنباء التونسية الرسمية (وات) إلى منسق اللجنة القطاعية للتغيرات المناخية بوزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري، رفيق العيني قوله إن تونس تعد “إحدى الدول الأفريقية المتضررة من الانعكاسات السلبية للتغيرات المناخية”.

وأوضح أن معظم الدراسات التي أعدت خلال الفترة الممتدة من عامي 2005 إلى 2013 لتقييم الاقتصاد المحلي وخصوصا الزراعة والمدن والمنشآت الساحلية بينت أن تونس تضررت وستتضرر لفترة طويلة من تأثيرات تغير المناخ.

ويرجح أن تواجه تونس ارتفاعا في معدلات الحرارة وانخفاضا شديدا في تساقط الأمطار وارتفاع مستوى البحر وزيادة حدة الظواهر المناخية القاسية، والتي تتمثل في الجفاف الحاد والعواصف الشديدة.

وكشف شح المياه في السنوات الثلاث الأخيرة عن واقع صعب يمر به المزارعون على وجه التحديد، وهو ما فاقم من أزمة تونس الاقتصادية، التي تعاني منها جراء تراجع العديد من القطاعات الإنتاجية الاستراتيجية.

وأشارت دراسات دولية ومحلية إلى أن تونس مهددة بفقدان مواردها الطبيعية، إذ يتوقع أن تواجه نقصا حادا في محاصيل الحبوب بسبب الجفاف بمعدل الثلث من المساحة المزروعة لتصل إلى مليون هكتار فقط بحلول 2030.

دراسات تتوقع تقلص المساحات المزروعة في تونس بمعدل الثلث بحلول 2030 بسبب نقص الأمطار

وفي ضوء ذلك، فإن القطاع الزراعي سيشهد تراجعا على مستوى الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تتراوح بين حوالي 5 و10 بالمئة.

كما ستتعرض مصائد الأسماك إلى مخاطر ارتفاع نسبة حموضة مياه البحر وتوسع الصيد العشوائي، بالإضافة إلى مخاطر التغيرات المناخية الأخرى.

وتشير أحدث التصنيفات الدولية إلى أن تونس تأتي في المركز الثاني على مستوى العالم من حيث استهلاك العجين بمعدل يناهز 16 كلغ سنويا للفرد الواحد.

وتمثل اللحوم أكثر من 21 بالمئة في الوجبات الغذائية للتونسيين إلى جانب استهلاكهم نحو 110 لترات سنويا من مادة الحليب المنتج محليا وتشكل هذه المواد ركائز الأمن الغذائي.

ووفقا لهذه الدراسات الاستراتيجية، التي شملت وضع خطط عمل للتأقلم مع الوضع الجديد، فإن تغير المناخ سيزيد من الفقر المائي وسيساهم في تضرر المنظومات البيئية مع إمكانية انخفاض الناتج المحلي الإجمالي الزراعي.

وإزاء ارتفاع التهديدات بتراجع مخزونات المياه، يبدي الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري قلقه من انعكاسات تراجع مياه الري على قطاع الزراعة، الذي يستأثر بنحو 80 بالمئة من احتياجات البلاد من الماء.

وتقدر تكاليف الأضرار الناجمة عن ارتفاع مستوى سطح البحر، وفق اللجنة التونسية، بما لا يقل عن 6.3 مليار دينار (2.1 مليار دولار) إلى حدود 2050.

وبالاعتماد على سيناريو دولي متفائل، يتوقع ارتفاع معدل الحرارة في البلاد بنحو 1.1 بالمئة بحلول العام المقبل على أن يرتفع المعدل بنحو 1.2 بالمئة بحلول 2050.

كما سينخفض معدل سقوط الأمطار بنسب تتراوح بين 5 و10 بالمئة بحلول 2020 وما بين 10 و30 بالمئة في 2050.

ويؤكد حليم القاسمي مدير عام الدراسات الفلاحية في الوزارة لوكالة الأنباء التونسية أن إنتاج المزارعين شهد في السنوات الأخيرة تذبذبا بسبب عدم استقرار معدلات الأمطار، خاصة الزراعات تحت النظام المطري.

ويظهر هذا التذبذب بوضوح في إنتاج الحبوب حيث بلغ إنتاج العام الماضي 14 مليون قنطار، انخفاضا من نحو 23 مليون قنطار في 2011.

وتجرى حاليا على مستوى البرلمان مناقشة مشروع قانون يتعلق بإنشاء هيئة التنمية المستدامة وحقوق الأجيال القادمة.

تواجه تونس ارتفاعا في معدلات الحرارة وانخفاضا شديدا في تساقط الأمطار وارتفاع مستوى البحر وزيادة حدة الظواهر المناخية القاسية

وتسعى هذه الهيئة إلى إرساء دعائم التنمية المستدامة وضمان احترام مقوماتها محليا على أساس التوازن بين المتطلبات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية بما يساعد على ترشيد الاستفادة من ثروات الدولة مستقبلا.

ويرى الكثيرون أنه في صورة إقرار المبادرة، التي لا تزال في رفوف البرلمان منذ أكتوبر الماضي، فستعيد نوعا من الأمل في مستقبل البلاد الغذائي.

وتعمل وزارة الفلاحة حاليا بالتعاون مع منظمة الأغذية والزراعة والوكالة الفرنسية للتنمية على إعداد خطة تهدف إلى تقوية الصمود ضد التغيرات المناخية في تونس والتكيف معها من أجل تحقيق الأمن الغذائي.

وسيتم في مرحلة أولى، التي ستنطلق في غضون شهر سبتمبر 2019، تحيين الوضعية الحالية وتحديد نقاط الضعف ونسبة الزيادات المتوقعة للحرارة.

وأصدرت الحكومة في مارس 2018 قرارا يقضي بتأسيس وحدة تصرف حسب الأهداف لإنجاز برنامج متابعة وتنسيق الأنشطة المتعلقة بتفعيل اتفاق باريس للمناخ لتنفيذ الاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة بشأن تغير المناخ وضبط مهامها وتنظيمها وطرق سيرها.

واتفقت تونس إلى جانب بقية دول المغرب العربي على مستوى وزراء الفلاحة في مارس الماضي خلال اختتام الدورة الـ18 من اجتماعات اللجنة المكلفة بالأمن الغذائي، على بلورة رؤية مشتركة للأمن الغذائي تمتد حتى عام 2030.

11