التعرّف على الجيران لم يعد يستهوي أغلب الأسر

خلال العقود المنقضية، كان أفراد الأسرة العادية يعرفون كل واحد من جيرانهم الذين يعيشون في الشارع نفسه، وكانت الأسر التي تقيم في نفس المبنى تجتمع بانتظام في حفلات عشاء خلال عطل فصل الشتاء وحفلات الشواء خلال فصل الصيف، ومع مرور السنين، أصبح الناس أكثر انغلاقا ولم يعودوا يلقون التحية أو يتحدثون إلى جيرانهم.
لندن- أظهر استطلاع حديث شمل ألفي بريطاني مدى تراجع الروابط المتينة بين أبناء نفس الحي، وإجمالا، قال 75 بالمئة من المشاركين إنهم يعتبرون جيرانهم مجرد معارف في أحسن الأحوال. وأكد ما يقرب من ربعهم أنهم لا يرغبون في طرق أبوابهم دون دعوة لأنهم لا يشعرون بروح المجتمع في الحي الذي يعيشون فيه.
ووجدت الدراسة التي طلبتها شركة لوتولاند من وان بول أن واحدا من بين كل 10 أشخاص لا يرون جيرانهم أكثر من مرة واحدة في الشهر، ومع ذلك، يقول أربعة من كل عشرة على الأقل إنهم “لطيفون” مع عدد قليل من جيرانهم لكنهم لا يعتبرونهم أصدقاءهم.
ولم يستطع المشاركون ذكر أسماء أكثر من خمسة أشخاص من جيرانهم، ولم يستطع واحد من كل 20 منهم تسمية شخص واحد. وتقبل أغلب المشاركين في الاستطلاع فكرة غياب أي علاقة تجمعهم بجيرانهم، حيث قال 56 بالمئة إنهم لا يهتمون بالتعرف على من يعيشون في حيهم أو التعرف على أكثر مما يعرفونه بالفعل.
وفي المقابل، وجدت الدراسة ميل الأشخاص الذين يعيشون في المناطق الريفية إلى تكوين صداقات مع جيرانهم بنسبة أكبر من تلك المسجلة لدى متساكني المدن بنسبة 18 بالمئة مقابل 15 بالمئة فقط.
وعلى الرغم من النتائج التي توصلت إليها الدراسة والتي تبرز أن أغلب الراشدين ليسوا أصدقاء مع جيرانهم، أكد شخص من كل ستة انتماءه إلى مجموعة محلية تعمل على مراقبة سلامة الأحياء. وكان سكان المدينة الأكثر ارتباطا بهذه المجموعات مقارنة بسكان الأرياف بنسبة 22 بالمئة مقابل 14 بالمئة.
وكشفت الدراسة أنه على الرغم من أن الكثيرين لا يعتبرون جيرانهم أصدقاء، إلا أنهم يميلون إلى تفضيل جار عن الآخر. كما طُلب من واحد من كل خمسة إطعام أحد حيوانات جاره أثناء تواجده بعيدا عن المنزل، ورمى 39 بالمئة منهم قمامة أحد الجيران.
وبالإضافة إلى ذلك، ذهب 10 بالمئة منهم للتسوق وشراء المواد الغذائية لأحد الجيران المحتاجين، وسقى 23 بالمئة من المشاركين في الاستطلاع نباتات الآخرين. وزعم 10 بالمئة استعدادهم لمشاركة أرباحهم مع جارهم إذا فازوا باليانصيب!
وأشارت الدراسة إلى أنه بينما يقول أربعة من كل عشرة إنهم فكروا في استقبال أحد جيرانهم في منزلهم، قال 24 بالمئة إنهم لا يريدون أن يضغطوا على الآخرين، في حين قال 22 بالمئة إنهم لا يرغبون في زيارة منزل الجيران.
ومع ذلك، فقد كشفت الدراسة عن بعض المواقف الفريدة التي يطرق فيها البالغون باب جارهم، حيث كشف 44 بالمئة أنهم سيذهبون إلى جيرانهم إذا لم يستطيعوا فتح أبواب منازلهم، وقد يطلب 29 بالمئة استعارة أداة ما من الجيران، ويطلب 22 بالمئة المساعدة في سقي نباتاتهم.
وأفادت نتائج الدراسة أن الدخول في صراع مع الجيران أمر سهل جدا وترجع 10 بالمئة من الخلافات إلى مشاكل في ركن السيارة أو بسبب حفلة صاخبة أو مجرد ضوضاء.
وكشف بحث سابق تناول فوائد الروابط الإيجابية بين الجيران عن وجود رابط بين صحة القلب ونوعية العلاقة مع الجيران، حيث بين أن الأشخاص الذين لديهم جيران جيدون يواجهون مخاطر أقل في الإصابة بنوبات قلبية.
وقال المشرفون على البحث “أن يكون لدى الأشخاص جيران جيدون وأن يشعروا بالتواصل مع الآخرين في المجتمع المحلي من شأنه أن يقلص خطر الإصابة بنوبة قلبية”.
وحلل الباحثون من جامعة ميشيغن لإجراء الدراسة بيانات عائدة لـ5276 شخصا تفوق أعمارهم الـ50 من دون سجل لمشاكل قلبية في السابق، ممن شاركوا في دراسة متواصلة عن الصحة والتقاعد في الولايات المتحدة.
الأشخاص الذين يعيشون في المناطق الريفية يميلون إلى تكوين صداقات مع جيرانهم بنسبة أكبر من تلك المسجلة لدى متساكني المدن
وراقب الباحثون الصحة القلبية الوعائية لأعضاء المجموعة الذين بلغ معدل أعمارهم 70 عاما وكان أغلبهم من النساء المتزوجات، على مدى أربع سنوات، وقد أصيب خلال هذه الفترة 148 مشاركا بنوبات قلبية.
وطلب من المشاركين في مستهل البحث، إعطاء نقاط من واحد إلى سبعة للدلالة على مدى شعورهم بالانتماء إلى البيئة التي يعيشون فيها ومدى قدرتهم على الاعتماد على جيرانهم في أوقات الأزمات ومدى ثقتهم في جيرانهم وتقييمهم لمستوى لطف الجيران.
ولاحظ معدو الدراسة لدى تحليلهم للنتائج، أنه كلما زاد تقييم الأشخاص لجيرانهم نقطة واحدة من أصل سبعة كلما تقلص لديهم خطر الإصابة بنوبات قلبية على مدى السنوات الأربع التي شملتها الدراسة.
وقال إريك كيم وهو أحد معدي الدراسة إن الأشخاص الذين أعطوا علامة كاملة (سبعة على سبعة) كان لديهم خطر أدنى بـ67 بالمئة للإصابة بنوبات قلبية مقارنة مع الأشخاص الذين أعطوا علامة واحد من سبعة، واصفا هذه النسبة بالـ”مهمة”.
وقال إن هذا الفارق “يمكن مقارنته تقريبا بتراجع نسبة خطر الإصابة بنوبات قلبية لدى غير المدخنين بالمقارنة مع المدخنين”.
وأشار معدو الدراسة إلى أنه “في حال توصلت دراسات مستقبلية إلى النتائج عينها، قد يتم اعتماد مقاربات للصحة العامة مرتبطة بالجيرة تركز على الاندماج الاجتماعي بين الجيران”.
وعلى الرغم من أنه لم يتم تحديد الآلية التي تم بالاستناد عليها بناء الرابط بين الجيرة وصحة القلب، إلا أن الباحثين أشاروا إلى أن اندماج الأشخاص مع جيرانهم قد يساعد على القيام بأنشطة بدنية مثل المشي، ما يساعد على تفادي أمراض القلب.