التعدين في البحار جبهة أميركية أخرى في المعركة مع الصين

واشنطن/بكين - قرر الرئيس الأميركي دونالد ترامب فتح باب التعدين في أعماق المحيطات، بما في ذلك المياه الدولية، الأمر الذي نددت به الصين بشدة باعتباره انتهاكا لـ”القانون الدولي”.
ووقع ترامب الخميس مرسوما بهذا المعنى، الأمر الذي يثير تساؤلات بشأن صلاحية السلطة الدولية لقاع البحار (آي.أس.أي) التي تملك نظريا سلطة قضائية على أعالي البحار.
وأُنشئت آي.أس.أي بموجب اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982 واتفاقية عام 1994 المتعلقة بتنفيذ الجزء الـ11 من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار.
ومن خلال هذه السلطة تُنظّم الدول الأطراف في الاتفاقية وتُدير جميع الأنشطة المتعلقة بالموارد المعدنية، بما يعود بالنفع على البشرية.
والجمعة ردّت بكين عبر المتحدث باسم وزارة الخارجية غوو جياكون، حيث قال للصحافيين إنّ “موافقة الولايات المتحدة على نشاطات التنقيب عن المعادن واستغلالها، على ما يُسمى بالجرف القاري الخارجي، تنتهك القانون الدولي وتُضرّ بمصالح المجتمع الدولي ككل.”
وتظهر التقديرات أن مناطق التعدين البحري تغطي 54 في المئة من إجمالي مساحة المحيطات، وهي ملكية عالمية مشتركة تخضع لقيود بيئية على استغلالها الاقتصادي.
ويطلب المرسوم الذي وقعه الرئيس الأميركي من وزير التجارة هاوورد لوتنيك “تسريع مراجعة” طلبات التنقيب والتعدين و”إصدار التصاريح لاستكشاف واستخراج” المعادن “خارج نطاق السلطات القضائية الأميركية.”
وكذلك، يطلب المرسوم من وزير الداخلية دوغ بورغوم القيام بالشيء نفسه في المياه الإقليمية. ومن المتوقع أن تجمع هذه المبادرة مليار طن من المواد على مدى عشر سنوات، حسب ما أفاد به مسؤول أميركي كبير.
وتتمتع آي.أس.أي بالسلطة القضائية على قاع المياه الدولية، بموجب اتفاقات لم تصادق عليها الولايات المتحدة. وفي اتصال مع وكالة فرانس برس لم تدلِ هذه السلطة بأي تعليق.
ومن شأن هذه الخطوة الأميركية أن تزيد من تعقيد المناقشة بشأن قانون التعدين، الذي من المفترض أن تنتهي السلطة الدولية لقاع البحار من إعداده هذا العام، والذي تناقشه في اجتماع في جامايكا بدأ الاثنين الماضي.
وأثارت الخطوة التي اتخذها ترامب غضب جمعيات حماية البيئة التي حذرت من الأضرار التي قد يسبّبها هذا الاستغلال للأنظمة البيئية البحرية. ويوجّه المرسوم وزارة التجارة لإعداد تقرير بشأن “جدوى آلية تقاسم” عائدات قاع البحر.
وقال جيف ووترز نائب رئيس منظمة أوشن كونسيرفانسي غير الحكومية في بيان “من خلال الشروع في استخراج المعادن من المياه الدولية… فإنّ الحكومة (الأميركية) تمهّد الطريق أمام دول أخرى للقيام بالمثل.”
وحذر من أنّ “ذلك ستكون له تبعات سلبية علينا جميعا وعلى المحيطات التي نعتمد عليها.”
وكان تقرير للصندوق العالمي للطبيعة، صدر خلال قمة بعنوان “تحليل آثار التعدين في قاع البحار على التنوع البيولوجي وأجندة التنمية المستدامة” وعقدت في مارس الماضي، حذر من أن له “تأثيرا عالميا على جوانب مختلفة من المجتمع والاقتصاد والبيئة.”
وذكر معدو التقرير أن “جميع أهداف الإطار العالمي للتنوع البيولوجي الأربعة لعام 2050، و18 من أصل 23 هدفا لعام 2030، ستكون معرّضة للتهديد، بالإضافة إلى 16 من أصل 17 هدفا من أهداف التنمية المُستدامة.”
وبحسب معلومات لشركة آرثر ليتل يوفر هذا القطاع فرصا استثمارية بقيمة 20 تريليون دولار لاستخراج معادن أساسية تُعدّ أساسية للبطاريات والمركبات الكهربائية وغيرها من التقنيات الخضراء.
وتحدثت الجمعية الأسكتلندية للعلوم البحرية (سامس) في يوليو الماضي عن “اكتشاف في أعماق البحار يثير تساؤلات حول أصول الحياة”، وذلك في بيان أعلنت فيه نشر علمائها مقالا بهذا الشأن في مجلة “نيتشر جيوساينسز”.
تقديرات دولية تظهر أن مناطق التعدين البحري تغطي 54 في المئة من إجمالي مساحة المحيطات، وهي ملكية عالمية مشتركة تخضع لقيود بيئية على استغلالها الاقتصادي
وكانت النتائج التي قادها عالم البيئة أندرو سويتمان مذهلة، إذ بيّنت أنه على عمق 4 آلاف متر في المحيط الهادئ تنتج حصى غنية بالمعادن بحجم حبة بطاطا في ما بينها تيارا كهربائيا كافيا لتقسيم جزيئات الماء إلى هيدروجين وأكسجين، عبر التحليل الكهربائي.
وحتى الآن لم يتم إجراء أي عملية تعدين في قاع البحار، سواء في الولايات المتحدة أو في أي مكان آخر. غير أنّ بعض الدول كانت قد منحت تصاريح للتنقيب في مناطقها الاقتصادية الخالصة، خصوصا اليابان وجزر كوك.
وتقدّر إدارة ترامب أنّ التعدين في أعماق البحار قد يستحدث 100 ألف وظيفة ويضيف 300 مليار دولار إلى الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة على مدى عشر سنوات، وفقا لأحد المسؤولين الذي قال “نريد أن تتقدّم الولايات المتحدة على الصين في هذا المجال.”
وتتمحور عملية الاستخراج بشكل رئيسي حول العقيدات متعدّدة المعادن، وهي نوع من الحصى موجودة في قاع البحر، غنية بالمعادن مثل المانغنيز والنيكل والكوبالت والنحاس والمعادن النادرة.
وتتمتّع هذه المعادن بخصائص مغناطيسية تحظى بأهمية كبرى في المركبات الكهربائية والألواح الشمسية، وأيضا في الهواتف الذكية وأجهزة الكومبيوتر المحمولة.
وفي عام 2023 وجّه 31 عضوا جمهوريا في الكونغرس رسالة إلى وزير الدفاع لويد أوستن، طالبوا فيها بأنّ توافق إدارة الرئيس السابق جو بايدن على التعدين في قاع البحر. ولم ترد الحكومة في ذلك الحين على هذا الطلب بشكل علني.
