التعايش مع الاكتئاب معضلة المجتمعات الحديثة

تقنيات الذكاء الاصطناعي تكتشف الاكتئاب من نبرة صوت المتحدث على الهاتف.
الاثنين 2019/07/22
أسلوب الحياة الصحي يقي من الاضطرابات النفسية

مسببات الاكتئاب تبدو كثيرة ومتنوعة تبدأ بالبيئة المحيطة والتلوث والمشكلات الشخصية والعائلية والعاطفية وضغوط العمل والدراسة ولا تنتهي بالأزمات المالية والحالة الصحية، لكن قهرها وجعلها أمرا من الماضي مرحلة يمكن بلوغها وفق تأكيدات الباحثين والمختصين والأطباء وذلك من خلال اعتماد أسلوب حياة صحي يشمل نظام تغذية صحي وممارسة الرياضة والاستماع للموسيقى والتواصل المباشر مع الأهل والأصدقاء وتنويع مصادر وأساليب الترفيه.

 لندن -  تتضافر عوامل عديدة لتسبب الاكتئاب الذي بات يوصف بأنه مرض العصر في ظل الأعداد المتزايدة للإصابة به إذ يتعايش مع حالة الاكتئاب أكثر من 300 مليون حول العالم وفق آخر تقديرات منظمة الصحة العالمية التي كشفت عن ارتفاع معدلات الإصابة بهذا المرض بنسبة 18 بالمئة بين عامي 2005 و2015.

ومن بين هذه العوامل والمسببات البيئة المحيطة بالشخص وضغوط العمل أو الدراسة والمشكلات العائلية أو المالية والأزمات العاطفية. وتزيد التداعيات الناجمة عن الاكتئاب من تعقيدات المشكلة فيصبح العلاج أمرا شبه مستحيل وقد ينجر عن حالة الاكتئاب اللجوء إلى إدمان الكحول أو المخدرات أو حتى الأدوية.

وبينت العديد من الدراسات أن ارتفاع حالات الانتحار في العالم العربي أو في دول أخرى من العالم تعود بشكل مباشر أو غير مباشر إلى ارتفاع حالات الاكتئاب.

ويحشد العلماء والباحثون جهودهم في سبيل اكتشاف علاجات للاكتئاب عن طريق التشخيص المبكر له. وصرح باحثون من جامعة ألبرتا الكندية بأنه من الممكن الآن استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحديد ما إذا كان شخص ما مصابا بالاكتئاب عن طريق تحليل نبرة صوته أثناء الحديث.

وطور الباحثان ماشرورا تاسنيم وإلينا ستروليا تقنية جديدة تعتمد على العديد من المعادلات الخوارزمية الخاصة بآليات التعلم الاصطناعي من أجل تحديد حالات الاكتئاب بدقة أعلى عن طريق تحليل نبرات الصوت، اعتمادا على مجموعة من المعايير القياسية للتسجيلات الصوتية لفترات تتراوح ما بين خمس دقائق وخمسين دقيقة.

جمال الطويرقي: في 2020 سيكون 40 بالمئة من سكان العالم مصابين بالاكتئاب
جمال الطويرقي: في 2020 سيكون 40 بالمئة من سكان العالم مصابين بالاكتئاب

واعتمد الباحثان على دراسات سابقة تشير إلى أن الحالات المزاجية للشخص تنعكس على نبرات صوته.

ونقل الموقع الإلكتروني “فيز دوت أورج” المتخصص في مجال التكنولوجيا، عن الباحثة ستروليا قولها إن “السيناريو الفعلي لاستخدام هذه التقنية هو استخدام التطبيق الإلكتروني لجمع عينات صوتية لأشخاص وهم يتحدثون بشكل طبيعي. وسوف يكون بمقدور التطبيق الذي يتم تنزيله على الهواتف الذكية رصد أي تغييرات في نبرة الصوت، بناء على التسجيلات المخزنة في قاعدة بياناته، وبالتالي يستطيع التعرف على حالات الاكتئاب”.

واستطردت “مثلما توجد تطبيقات لقياس المجهود على الهاتف، سوف يكون لديك تطبيق لقياس درجة إصابتك بالاكتئاب اعتمادا على نبرة صوتك أثناء الحديث على الهاتف”.

ويقول فريق الدراسة إن مثل هذا التطبيق يمكن أن يساعد المستخدم على الالتفات إلى حالته المزاجية مع الوقت، وكذلك اللجوء إلى الجهات الطبية المتخصصة طلبا للمساعدة.

وفي العالم العربي، أصبح ارتفاع حالات الإصابة بالاكتئاب أمرا لافتا خاصة مع التوترات السياسية والأمنية وحالة عدم الاستقرار التي تعيشها دول عديدة.

وكانت منظمة الصحة العالمية قد سلطت الضوء على التأثير النفسي بعيد المدى للأزمات الناجمة عن الحرب في بلدان مثل أفغانستان والعراق وجنوب السودان وسوريا واليمن.

وقد كشف تقرير المنظمة، الذي نشرته الشهر الماضي، أن واحدا من كل خمسة أشخاص في مناطق الحرب يعانون من الاكتئاب أو القلق أو اضطرابات ما بعد الصدمة أو الاضطراب ثنائي القطبية أو انفصام في الشخصية، فيما يعاني الكثير منهم أشكالا حادة من هذه الأمراض العقلية.

وكشف جمال الطويرقي، استشاري الطب النفسي، في تصريح لقناة “أم.بي.سي”، أنه في عام 2020 سيكون 40 بالمئة من سكان العالم مصابين بالاكتئاب. وأشار إلى تبعات الإصابة بالاكتئاب واحتمالات الكبيرة لتأثيرها على الناتج القومي للدول وعلى فقدان الإنسان أعواما من إنتاجيته وحياته الأسرية والاجتماعية والعملية، لافتا إلى أنه في الولايات المتحدة بين 30 و40 بالمئة من الذين يتغيبون عن العمل سنويا يتغيبون بسبب الاكتئاب.

وتؤكد الدراسات العلمية الحديثة أن الاكتئاب يزيد فرص إصابة النساء بالأمراض المزمنة، وعلى رأسها السكري وأمراض القلب والسرطان.

 الاكتئاب أكثر انتشارا بين النساء
 الاكتئاب أكثر انتشارا بين النساء

وقال شياو لين شو، الباحث بكلية الصحة العامة في جامعة كاليفورنيا الأميركية، “يجب أن يدرك الأطباء الذين يعالجون المرضى من الاكتئاب، أن هؤلاء الأشخاص معرضون لخطر الإصابة بمرض مزمن آخر”.

وشدد على أن الحفاظ على وزن صحي وممارسة الرياضة بانتظام وتناول نظام غذائي متوازن والحد من السلوكيات الضارة مثل التدخين وشرب الكحول يمكن أن يساعد على منع وإبطاء تطور الأمراض المزمنة المتعددة.

وتختلف أسباب الإصابة بالاكتئاب، إذ يعتبر باحثون أن العوامل الوراثية والبيئة الأسرية يمكن أن تكون لهما مساهمة فعالة في انتقال الاكتئاب من الآباء إلى الأبناء. فيما تقول أبحاث أخرى إن التلوث سبب رئيسي في حالات الاكتئاب خاصة لدى الأطفال والنساء وكبار السن. وقالت سابين هوست، باحثة في المرصد الإقليمي للصحة في إيل دو فرانس بشمال فرنسا، “إن تسبب التلوث في الاضطرابات النفسية جزء من مجموعة من التأثيرات الصحية”.

وكشفت الدراسات الطبية أن النساء أكثر تضررا من الرجال بالإصابة بالاكتئاب؛ إذ تزداد معاناتهن النفسية بنسبة 39 بالمئة مع ازدياد مستويات تلوث الهواء مقارنة بمعاناة الرجال.

وعموما بينت الدراسات والأبحاث أن حالات الاكتئاب أكثر انتشارا بين النساء مقارنة بالرجال، فمثلا النساء اللواتي يعملن أكثر من 55 ساعة أسبوعيا أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب على عكس الرجال.

وينصح الأطباء باتباع أسلوب حياة صحي للتخلص من الاكتئاب كالمواظبة على ممارسة الرياضة وممارسة أنشطة ترفيهية مختلفة والاستماع إلى الموسيقى والخروج للتنزه وقضاء الوقت مع العائلة والأصدقاء واللعب مع الحيوانات الأليفة والتقليل من الوقت المستغرق على الأجهزة الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي وتناول أطعمة صحية.

21