التعاون العسكري داخل تحالف "تأسيس" لا يترجم سياسيا

معارك كردفان مصيرية لمستقبل التحالف الناشئ في السودان.
الخميس 2025/06/12
في انتظار الخطوة التالية

لم تنجح القوى المتحالفة ضمن مظلة "تأسيس" في ترجمة التعاون العسكري بينها في الصراع الدائر مع الجيش السوداني سياسيا، ولا تزال تلك القوى عاجزة عن المضي قدما في مشروع تشكيل حكومة موازية في ظل خلافات على الحصص الوزارية.

الخرطوم - أظهر تحالف قوات الدعم السريع والحركة الشعبية بقيادة عبدالعزيز الحلو قدرة كبيرة على التنسيق العسكري في المعارك التي تدور بإقليم كردفان، غير أن ذلك لم ينعكس كثيرا على تحالف السودان التأسيسي (تأسيس) الذي خرج إلى العلن في فبراير الماضي، بهدف تشكيل حكومة موازية في مناطق سيطرة قوات الدعم السريع، ما قاد إلى تأخير الإعلان عنها، وتصاعدت الخلافات حول المناصب الوزارية وهياكل السلطة.

وكشفت وسائل إعلام محلية عن خلافات بين مكونات التحالف بشأن تشكيل الحكومة بسبب رفض الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا (حركة جيش تحرير السودان المجلس الانتقالي بقيادة الهادي إدريس، وتجمع قوى تحرير السودان بقيادة الطاهر حجر) أن يكون منصب رئيس الوزراء لصالح الحركة الشعبية/ شمال، بعد حسم الخلاف حول رئاسة المجلس الرئاسي التي آلت إلى قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي).

وترتكز الحركة الشعبية/ شمال على قوتها العسكرية التي مكنتها من السيطرة على عدة مناطق بولاية جنوب كردفان منذ حوالي 15 عاما، ولها حضور عسكري قوي في الإقليم الذي يشهد معارك طاحنة، وسط تلويح من الحركة بالانسحاب من التحالف، إذا لم تحصل على منصب رئيس الحكومة، ما أوجد صعوبة في الاستجابة لمطالب حركات دارفورية، وقاد إلى تأخير الإعلان عن الحكومة الموازية، التي قال تحالف “تأسيس” إنها سترى النور في غضون أيام قليلة منذ الإعلان عن تدشين الخطوة.

أحمد خليل: تحالف «تأسيس} لديه مشكلة في عملية توزيع المناصب
أحمد خليل: تحالف "تأسيس" لديه مشكلة في عملية توزيع المناصب

وتجددت المواجهات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع أخيرا في محاور القتال بولايات كردفان، وقصف الجيش تجمعات عسكرية تابعة للدعم، فيما استهدفت قوات الدعم السريع مدينة الأُبيّض التي ما زالت تحت سيطرة الجيش بالمسيرات، وهي تبعد 400 كيلومتر غربي العاصمة الخرطوم.

وتدور معارك بين طرفي القتال في ولايات شمال كردفان وغرب كردفان وجنوب كردفان منذ أسابيع، بالتزامن مع تحركات ميدانية لقوات الحركة الشعبية/ شمال بقيادة عبدالعزيز الحلو في الولاية الأخيرة بعد تحالفها مع قوات الدعم السريع.

وأشار موقع “سودان تربيون” إلى وجود تنسيق جديد بين الدعم السريع والحركة الشعبية/ شمال حول العمليات العسكرية في إقليم كردفان، وأن الطرفين اتفقا على قيادة هجمات مشتركة على عدة مناطق قريبا، تابعة لقوات الجيش.

ويرى مراقبون أن معارك كردفان ستكون حاسمة بشأن قدرة تحالف “تأسيس” على الانتقال من خانة الضغط السياسي على الجيش وحلفائه بشأن التلويح المستمر بتشكيل حكومة “الوحدة والسلام” (الحكومة الموازية)، إلى خانة الفعل عبر الإعلان عنها وتحديد مناطق ممارسة عملها بشكل فعلي داخل السودان، وحال لم يحقق التحالف مكاسب عسكرية تضمن تأمين السيطرة على دارفور وبث الأمل في التوجه مرة أخرى نحو الخرطوم، فإن التحالف السياسي الواسع سوف يواجه عثرات أكبر قد تقود إلى تفتته وإعلان بعض المكونات الانسحاب منه.

وقال المحلل السياسي السوداني أحمد خليل إن تحالف “تأسيس” لديه مشكلة في عملية المحاصصة وتوزيع المناصب، وتشير المعلومات المتاحة إلى أنه يجري الابتعاد عن نقطة الصدام عبر الاهتمام بهيكلة المؤسسات الحكومية، وهي تستغرق المزيد من الوقت، وأن الأطراف التي قررت تأسيس التحالف ليس لها تقدير جيد لمسألة الصراع السياسي بين المكونات المنضوية داخله، وتناست أن أي حزب أو حركة مسلحة أو تنظيم يريد تحقيق مكاسب سياسية من وراء الانضمام إليه.

وأضاف خليل في تصريحات لـ”العرب” أن الصدامات قد تتزايد والخلافات ربما تتصاعد داخل “تأسيس”، حيث أن التحالف يضم مكونات سياسية لها أوزان كبيرة وتبحث عن حصد مكاسب نوعية، بينما هناك أجسام أخرى صغيرة ترفض استبعادها بشكل كامل، ويمكن تجاوز ذلك إذا جرى توزيع مُرض لكل الأطراف، حيث تصبح الأجواء مهيأة للإعلان عن الحكومة الموازية الجديدة.

وأشار المحلل السياسي السوداني إلى أن معارك كردفان مصيرية لمستقبل التحالف، وإذا حقق تقدما عسكريا فسيكون الإعلان عن حكومة الوحدة والسلام سريعا لتحويل المكاسب الميدانية إلى سياسية، والتعثر يعني أن الحكومة لن ترى النور قريبا، والمعلومات المتوافرة بشأن العمليات غير دقيقة وبحاجة إلى المزيد من الوقت كي تتضح الصورة كاملة.

ويشير تجاهل قائد قوات الدعم السريع لتحالف “تأسيس” في خطاباته الأخيرة إلى وجود صعوبات تواجهه، غير أن المحلل السياسي أحمد خليل، وهو قريب من شخصيات في التحالف، يرى أن هناك عملا مؤسسيا يفرض على حميدتي عدم التطرق إليه، لأن الدعم السريع جسم رئيسي فيه، نافيا تلويح أي من مكوناته بالانسحاب منه.

الصادق علي حسن: ثقل الحرب في السودان انتقل إلى غرب البلاد
الصادق علي حسن: ثقل الحرب في السودان انتقل إلى غرب البلاد

وأكد رئيس مجلس أمناء هيئة محامي دارفور الصادق علي حسن أن تركيز قوات الدعم السريع وتحالفها “تأسيس” ينصب على إقليمي كردفان ودارفور، وأن ثقل الحرب في السودان انتقل إلى غرب البلاد على حساب ولايات الشمال والوسط والخرطوم.

وأوضح علي حسن في تصريح لـ”العرب” أن الثقل الميداني لقوات الدعم السريع انتقل أيضا إلى الغرب، وهو أمر ينفي القدرة على تشكيل حكومة موازية في المدى المنظور، لكنه قد يشجع على تشكيل حكومة لها نزعة انفصالية في مناطق سيطرة الدعم السريع.

وذكر أن طريقة تشكيل تحالف “تأسيس” تؤكد أنه عمل “مؤقت” إلى حين تحقيق أهداف سياسية وعسكرية محددة، وهي نفس الأسس التي تشكل عليها تحالف الجيش مع القوات المشتركة، وتقوم على المصالح، لتبقى المكونات السودانية متناحرة على سلطة لم تعد موجودة بفعل الحرب وتعقيداتها.

ولفت إلى أن التحالفات في السودان وصولية، وبعضها يتاجر بالمواطنين ومعاناتهم ولا يبحث عن المصالح الوطنية، وأن الأجيال الجديدة قد تكسر هدوء الأغلبية الصامتة، ما يعني أن الصراع مرشح للاستمرار، تاركا خلفه أكبر حالة فوضوية في المنطقة دون أن تتمكن القوى الحالية من تحقيق أهدافها بشأن قدرتها على إدارة الدولة.

ويضم تحالف “تأسيس” قوات الدعم السريع، وحزب الأمة القومي، ومجموعة من الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل، وقوى سياسية ومدنية أخرى، بجانب الحركة الشعبية/ شمال، بزعامة عبدالعزيز آدم الحلو، وتحالف الحركات الدارفورية المسلحة في “الجبهة الثورية”، وحركة “تمازج”.

وأعلن تحالف “تأسيس”عن استعداده لتشكيل مجلس رئاسي يتكون من 15 عضوا، يتمتع بصلاحيات واسعة، تشمل تعيين وإقالة رئيس مجلس الوزراء، واعتماد تعيين الوزراء، والمجلس العدلي المؤقت، وتعيين قضاة ورؤساء القضاء والمحكمة الدستورية، والنائب العام والمراجع العام.

2