التعاون الأمني بين المغرب وفرنسا يرتقي إلى شراكة إستراتيجية مستدامة

توقيع مخطط عمل مشترك يؤسس خارطة طريق لمكافحة الجريمة المنظمة.
الأربعاء 2025/06/25
المخطط المشترك يرفع مستويات الجاهزية الأمنية

يعمل المغرب مع فرنسا على الرفع من مستويات التنسيق وتبادل المعطيات الاستخباراتية والعملياتية حول التهديدات الصادرة عن المنظمات المتطرفة وشبكات الجريمة المنظمة، وقد توجا هذا العمل بتوقيع مخطط عمل مشترك يشكل عنوانا لشراكة إستراتيجية مستدامة.

الرباط - يرفع المغرب وفرنسا مستوى التعاون الأمني بينهما مع تطور العلاقات في جميع المجالات وارتفاع مستوى الثقة بين البلدين إلى أعلى حد، بتوقيع مخطط عمل مشترك “يُؤسس لخارطة طريق مشتركة في مجال مكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية لكلا البلدين.”

ووقع عبداللطيف حموشي المدير العام للأمن الوطني ولمراقبة التراب الوطني في المغرب مع نظيره الفرنسي لوي لوجيي، المدير العام للشرطة الوطنية الفرنسية، المخطط المشترك الذي يفتح آفاقا واعدة للتعاون الأمني والمساعدة المتبادلة بين مصالح الشرطة المغربية والفرنسية، ليكون في مستوى العلاقات المتميزة بين البلدين، وليشكل عنوانا لشراكة إستراتيجية مستدامة، في مجالات التكوين والتدريب، وتبادل المعلومات، وفي المساعدة التقنية والتعاون العملياتي.

ويعمل البلدان على الرفع من مستويات التنسيق وتبادل المعطيات الاستخباراتية والعملياتية حول مختلف التهديدات الصادرة عن المنظمات المتطرفة وشبكات الجريمة العابرة للحدود الوطنية، وقد قام مسؤولو البلدين بزيارات متبادلة في الفترة الأخيرة بالإضافة إلى عقد اجتماعات وندوات تأكيدا على المضي قدما في التعاون بهذا المجال وفق منهجية ثابتة.

وأوضح بيان لقطب المديرية العامة للأمن الوطني والمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني أن التوقيع يأتي في سياق الزيارة التي يجريها المدير العام للشرطة الوطنية الفرنسية إلى المملكة المغربية، من أجل توطيد التعاون الأمني وتعزيز آليات المساعدة المتبادلة في مختلف مجالات التعاون الثنائي الشرطي.

وتكمن أهمية هذا المخطط المشترك في كونه يسمح بمأسسة آليات التعاون القائم منذ عقود بين مصالح الأمن المغربية والفرنسية، ويدفع كذلك في اتجاه تطوير وتوسيع مجالات هذا التعاون، لتشمل إمكانية خلق مجموعات عمل مشتركة لمواجهة مختلف التحديات المرتبطة بالجريمة المنظمة، بما في ذلك تعقب الأشخاص في حالة فرار والمبحوث عنهم دوليا.

وعبّر لوجيي عن امتنانه الكبير للدور الذي اضطلعت به مصالح الأمن الوطني المغربية ومراقبة التراب الوطني في دعم جهود الأمن الفرنسي في مكافحة الخطر الإرهابي، وفي ملاحقة وتوقيف عدد من المبحوث عنهم من قبل القضاء الفرنسي في قضايا الجريمة المنظمة، وفي تأمين الألعاب الأولمبية التي احتضنتها باريس، كما أبدى رغبة فرنسا واستعدادها لتقديم كل أشكال الدعم الممكنة لمساعدة الشرطة المغربية في بروتوكولات الأمن والسلامة لتأمين التظاهرات الرياضية الدولية التي سيحتضنها المغرب مستقبلا.

وكان آخر هذه العمليات في وقت سابق من الشهر الجاري، حيث أعلنت الرباط عن توقيف المخطِّط المحتمل لسلسلة عمليات خطف طالت متداولي العملات الرقمية في فرنسا، بناء على مذكرة دولية لإلقاء القبض عليه أصدرتها باريس.

وقال وزير العدل الفرنسي جيرالد دارمانان في حسابه على موقع إكس “أشكر صادقا المغرب على هذا التوقيف الذي يظهر جودة التعاون القضائي بين بلدينا، خصوصا في مكافحة الجريمة المنظمة.” والثلاثاء عقد عبداللطيف حموشي مباحثات مكثفة مع نظيره الفرنسي، تركزت على تقييم مستوى التعاون الثنائي في المجال الأمني، واستعراض مختلف القضايا ذات الاهتمام المشترك، فضلا عن دراسة آليات جديدة لتعزيز المساعدة المتبادلة بين الطرفين لضمان أعلى مستويات الجاهزية لتحييد مختلف المخاطر والتهديدات الأمنية.

◙ المخطط المشترك يسمح بمأسسة آليات التعاون القائم منذ عقود بين مصالح الأمن المغربية والفرنسية

وكشفت التقارير الصادرة عن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة أن “شبكات الجريمة المنظمة باتت أكثر تطورا من حيث البنية والأسلوب، مستفيدة من التكنولوجيات الحديثة، ومن هشاشة بعض السياقات الاقتصادية والاجتماعية.” وبحسب مصدر قضائي، فإن “معطيات رسمية حديثة تشير إلى أن أكثر من 60 في المئة من الجرائم المرتبطة بالاتجار غير المشروع بالبشر والمخدرات والأسلحة تنفذ عبر آليات رقمية أو بدعم من منصات إلكترونية.”

وأضاف أنه على مستوى البحر الأبيض المتوسط تشير تقارير الوكالة الأوروبية لحماية الحدود إلى ارتفاع بنسبة 50 في المئة في عدد محاولات التهريب المنظم للمهاجرين غير النظاميين خلال السنتين الأخيرتين. ولفت إلى أن الدول تواجه اليوم ظاهرة تتجاوز الحدود الوطنية، وتقتضي تنسيقا دوليا أمنيا وقضائيا عابرا للقارات.

وتترجم زيارة لوجيي أهمية ومستوى التعاون بين مصالح الأمن الوطني المغربية والشرطة الوطنية الفرنسية، كما تجسد رغبة الطرفين في تعزيز وتدعيم المساعدة المتبادلة والتعاون العملياتي بما يحقق أعلى مستويات الجاهزية لمكافحة مختلف التهديدات والمخاطر المحدقة بأمن البلدين.

وبالتوازي مع جلسات العمل بين الطرفين، قام السفير الفرنسي المعتمد بالرباط كريستوف لوكورتييه بتسليم ميدالية ووسام جوقة الشرف من درجة ضابط، الذي منحته السلطات الفرنسية للمدير العام للأمن الوطني المغربي ولمراقبة التراب الوطني عبداللطيف حموشي، وذلك وفق المراسم والشكليات التي تتطلبها مسطرة تسليم الأوسمة التي تصدرها الجمهورية الفرنسية.

وشدد الجانب الفرنسي على أن منح حموشي أسمى وأعلى الأوسمة الفرنسية هو اعتراف وتأكيد على الدور الريادي الذي تضطلع به مصالح الأمن الوطني المغربية في الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، وهو أيضا شهادة على فاعلية المساعدة الأمنية المتبادلة بين البلدين بما يدعم ويخدم قضايا الأمن المشترك.

ويأتي توقيع المخطط المشترك في إطار سلسلة من الإجراءات التي اعتمدها المغرب مع فرنسا لمحاربة الجريمة المنظمة، ففي مارس الماضي وقع وزير العدل الفرنسي جيرار دارمانان مع نظيره المغربي عبداللطيف وهبي إعلانا مشتركا يسطر أبرز محاور التعاون القضائي والقانوني بين البلدين، وهو إعلان جعل من المحاربة المشتركة للإرهاب والجريمة المنظمة أولوية إستراتيجية للبلدين، لما يشكله الإرهاب والجرائم من تهديدات ومخاطر على السيادة والأمن والاقتصاد.

واتفق الجانبان على تكثيف التنسيق والتعاون من خلال تجنيد كافة الموارد البشرية والآليات القانونية الضرورية، والعمل أيضا على تحديث منظومة العدالة، عبر تكوين رجال القانون والقضاء، ووضع برامج عمل تهم مجالات التدبير وتطوير التشريع.

وثمّن وزير العدل الفرنسي حرص السلطات المغربية على مساهمتها في ضمان أمن الفرنسيين، مؤكدا أنه ناقش ملفات مهمة وذات أولوية لفرنسا، من بينها تسليم موقوفين في مدينة مراكش، ساهموا في هروب تاجر المخدرات المعروف محمد عمرا. من جانبه أكد وزير العدل المغربي على أن جودة العلاقات بين البلدين تنعكس بشكل إيجابي على التعاون القضائي مع باريس، موضحا أن هذا التعاون يتم في جو من الثقة المتبادلة، وفي إطار استشراف المشاريع المستقبلية المشتركة.

4