التطور التكنولوجي تحدّ تواجهه العائلات العربية في تربية المراهقين

بغداد - تواجه العائلات العربية تحديات كبيرة في تربية أبنائها المراهقين بسبب التطور السريع للتكنولوجيا ووسائل التواصل، وتختلف التحديات التي يواجهها الآباء والأمهات في مختلف البلدان والثقافات في العالم.
وبيّنت دراسة بعنوان “تكنولوجيا الاتصال الحديثة وتأثيرها على التربية الأسرية: الأسرة الجزائرية نموذجا” أن الأسر العربية تعيش تحديات كبيرة في ظل التطور الحاصل على مستوى تكنولوجيا الاتصال بمختلف وسائلها والوسائط المستخدمة في ذلك، وهي تحديات نجمت عن الاستهلاك الواسع وسوء استخدام هذه التكنولوجيا داخل الوسط الأسري وحتى خارجه.
وأشارت الدراسة إلى أنه وفي ظل هذا التطور الهائل لتكنولوجيا الاتصال أصبحت عملية التربية الأسرية لدى الأسرة الجزائرية في تحد كبير أمام ما تنتجه هذه التكنولوجيات الحديثة من قيم وتصورات وأفكار قد تلحق الضرر بعملية التربية، خاصة إذا أساء الفرد استخدامها.
وقالت الدراسة إنه كثيرا ما تأثرت العلاقات الأسرية سلبا، والملاحظ للواقع أن تكنولوجيات الاتصال الحديثة خاصة تلك الوسائط مثل فيسبوك وتويتر أصبحت تحتل مكانة كبيرة في سلوكيات وتصرفات الأبناء، لكنها في المقابل أحدثت جملة من السلبيات التي مست كيان الأسرة ووظائفها.
من جهتها أكدت الباحثة في علم النفس التربوي والمدرسة في جامعة بغداد نادية حسن عبدالله لوكالة الأنباء العراقية أن “العراق يواجه مشكلات عديدة في مجال حماية الأطفال والمراهقين من التحرش والابتزاز الإلكترونيين، ورغم أن الحكومة العراقية اتخذت بعض الإجراءات للتصدي لهذه المشكلة، إلا أن هناك حاجة إلى جهود أكبر لحماية الأطفال والمراهقين من هذا النوع من الاعتداءات”.
وتابعت أنه “من بين الجهود التي قامت بها الحكومة تشكيل لجنة تابعة لوزارة الداخلية للتحقيق في قضايا التحرش والابتزاز الإلكترونيين”، مضيفة أنه “تم إعداد مشروع قانون يتعلق بجرائم الإنترنت في العراق، ولكن لم يتم إقراره حتى الآن”.
وأشارت إلى أنه “من الأمور الضرورية التي يجب القيام بها، توفير التوعية والتثقيف للأطفال والمراهقين والأهل والمجتمع بشأن هذه المشكلة وطرق الوقاية منها، كما يجب تشجيع الإبلاغ عن حالات التحرش والابتزاز الإلكترونيين وتطوير آليات فعالة لمكافحتها، وتحسين التشريعات القانونية المتعلقة بهذا النوع من الجرائم”.
وقالت الباحثة الاجتماعية نور لوكالة الأنباء العراقية إنها “ومن خلال الخبرة في العمل مع المراهقين نحو خمسة عشر عاماً، أعمل كباحثة اجتماعية في إحدى مدارس الكرخ في بغداد، لكنني أقف حائرة اليوم بعد أن واجهتني مشكلة لأحد أبنائي المراهقين ويبلغ من العمر 14 عاماً، الذي تعرض للابتزاز الإلكتروني في الآونة الأخيرة، وهو أمر لا أفهم كيفية التعامل معه”.
وأضافت “زوجي يعمل لساعات طويلة خارج المنزل ويضطره عمله أحياناً للسفر إلى المحافظات، ما يتسبب بتحملي لجميع أعباء المنزل من متابعة وإرشاد لأطفالي، وبالرغم من محاولاتي العديدة لمواكبة التكنولوجيا وكل ما يتم تداوله في الإنترنت إلا أنني أقف عاجزة عن فهم وإدراك كمية البرامج التي يستخدمها أبنائي بيسر ويقضون وقتهم مع الألواح الإلكترونية سواء كانت الكمبيوتر أو شاشة آيباد أو هواتف حديثة”.
وأشارت الباحثة إلى أنه “تم اختراق حسابات ابني في السوشيال ميديا عبر إحدى الألعاب الإلكترونية في الاتصال المباشر بالإنترنت ومع مجاميع أخرى كبيرة، حيث تم ابتزازنا عن طريق دفع أرصدة كارتات هاتفية بمبالغ طائلة أو يتم نشر صور ابني عبر مواقع التواصل الاجتماعي”.
وفي بحث بعنوان “أثر التكنولوجيا الحديثة على الأطفال” للطالبة منى خزعل العميري بكلية التربية الأساسية بالكويت، أكد الخبراء والمختصون أن التكنولوجيا الحديثة التي غيرت شكل البشرية إلى الأفضل وسهلت الحياة بشكل عام لها أيضا العديد من المساوئ على الأطفال خاصة عندما يتم استخدامها بإفراط وبطريقة سيئة وبعيدا عن مراقبة الأسرة والمجتمع والحكومات.
◙ الأسر العربية تعيش تحديات كبيرة في ظل التطور الحاصل على مستوى تكنولوجيا الاتصال بمختلف وسائلها والوسائط المستخدمة
وقد أظهرت أحدث الأبحاث التي أصدرتها منظمة الصحة العالمية أن أطفال اليوم أكثر عنفا وتمردا من أطفال الأمس، أي أطفال ما قبل التكنولوجيا الحديثة. فمن خلال ممارسة بعض الألعاب والأفلام التي تقدم العنف أو التي تتضمن الحروب أو القتل عادة ما يتأثر الطفل بما يشاهده، بل ويحاول ممارسته في الحياة الطبيعية. وجاء في البحث أنه “كل يوم تطالعنا الصحف ومواقع الأخبار بحوادث مفجعة عن أطفال قتلوا أنفسهم أو أصدقاءهم تقليدا للعبة معينة”.
كما دفعت التكنولوجيا الحديثة الكثير من الأطفال إلى الانعزال عن محيطهم القريب منهم والمتمثل في العائلة والأصدقاء والانتقال إلى عالم افتراضي لقضاء ساعات طويلة داخل الغرف المغلقة. وبعد أن كانت الأسرة بأكملها في القرن الماضي تلتف حول أجهزة التلفزيون في غرفة واحدة لتشاهد فيلما أو برنامجا معينا، أصبح الآن لكل شخص في الأسرة عالمه الخاص وأصبح الأطفال حبيسي غرف نومهم.
ويشير الخبراء إلى أنه سابقا كان مصدر المعلومة للأطفال محدودا ومعروفا ومراقبا من قبل الأسرة والمجتمع والحكومات، إلا أن الأجهزة الحديثة ضربت بهذه القواعد عرض الحائط وأصبح العالم مفتوحا على مصراعيه بلا حدود أو شروط، وأصبح بإمكان أي طفل مشاهدة ما يرغب فيه، بل وأحيانا تفرض عليه مشاهد ليست مناسبة تماما لعمره.
ويشير الخبراء إلى أن التكنولوجيا وسيلة ممتازة للتواصل بين أفراد الأسرة، ومع ذلك قد يكون من المهم وضع إرشادات للمساعدة في ضمان إجراء اتصالات مناسبة ولقاءات وجهاً لوجه أيضًا.