التطورات التكنولوجية طوق نجاة في مجال علاج السرطان

تعد حملات التوعية حول أنماط الحياة الصحية وتعزيز النظام الغذائي المتوازن والحد من السلوكيات المحفوفة بالمخاطر، ضرورية جدا للوقاية من العديد من أنواع السرطان. وينخرط المغرب بفاعلية في هذه السيرورة العالمية، إذ أقر تخليد اليوم الوطني لمكافحة السرطان في الثاني والعشرين من نوفمبر من كل سنة قصد التحسيس بأهمية الوقاية والكشف المبكر عن هذا المرض.
الرباط - يشكل اليوم العالمي لمكافحة السرطان، الذي يحتفى به في الرابع من فبراير من كل سنة، مناسبة متجددة لتعزيز الوعي، وحشد جهود كافة الفاعلين للقضاء على هذا الداء الفتاك، وذلك في سياق الفتوحات الطبية والتكنولوجية الراهنة المفضية إلى تجويد الرعاية الصحية.
والواقع أن التطورات التكنولوجية، ومستجدات مجالات الذكاء الاصطناعي تعد طوق نجاة في هذا الباب، حيث يتم العمل على بلورة تصور عالمي لإنقاذ الملايين من المصابين بالسرطان، وضمان الوصول إلى الرعاية الصحية الناجعة للأشخاص الذين ينحدرون من أوساط هشة، ومن ثم تذليل استفادتهم منها.
ويخلد اليوم العالمي لهذه السنة تحت شعار “سد فجوة الرعاية”، لتجديد الالتزام بمكافحة هذا الداء، واعتماد إستراتيجيات مبتكرة للتصدي لأوجه اللامساواة، وبحث أنجع السبل للتمكين لعالم خال من هذه الآفة الصحية التي تعد أحد الأسباب الرئيسية للوفاة في العالم.
الوقاية من السرطان تشمل إجراءات مختلفة تستلزم عملا تشاركيا يدمج مختلف القطاعات والفاعلين الحكوميين
ويعتبر الكشف المبكر عنصرا حاسما في الخطة العلاجية لداء السرطان. كما أن تشجيع المصابين على إجراء الفحوصات بانتظام، خاصة المعرضين للخطر، من شأنه تعزيز فرص التعافي.
وأكد طبيب الأورام خالد العلمي، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن الكشف المبكر يظل الركيزة الأساسية في مكافحة السرطان، مبينا أنه “كلما قمنا بتشخيص السرطان في وقت مبكر، زادت فرص العلاج، ولهذا السبب يجب علينا تشجيع المصابين وعموم الناس على المشاركة في برامج الفحص المنتظمة”.
من جانبها، قالت هدى، إحدى الناجيات من سرطان الثدي، إن “التشخيص كان بمثابة صدمة في المقام الأول، لكنه ما لبث أن أصبح مستهلا لعلاج قادم”.
وأوضحت في تصريح للوكالة “لقد كان دعم عائلتي والمهنيين الصحيين أمرا بالغ الأهمية. برئت من الداء وأوصي الآخرين، أساسا، بعدم تجاهل العلامات الأولى للداء”. وإضافة إلى الكشف المبكر، يتعين تعزيز مبادرات الوقاية والرعاية واعتماد أسلوب حياة سليم للحد من خطر الإصابة بهذا الداء الفتاك.
وتعتبر حملات التوعية حول أنماط الحياة الصحية، وتعزيز النظام الغذائي المتوازن، والحد من السلوكيات المحفوفة بالمخاطر، ضرورية للغاية للوقاية من العديد من أنواع السرطان.
كما أن الوقاية من السرطان تشمل إجراءات ذات أبعاد مختلفة تستلزم عملا تشاركيا يدمج مختلف القطاعات والفاعلين الحكوميين وغير الحكوميين، وذلك من أجل بلورة المبادرات الإجرائية الرامية إلى تغيير السلوك الجماعي، على غرار قوانين مكافحة التدخين.
من جهة أخرى، يتعين دمج خدمات الدعم والمواكبة النفسيين في برامج العلاج لضمان العلاج الشامل للتخفيف من وطأة المحن التي يرزح تحتها المريض وأسرته.
وأكد أحمد، وهو ناج آخر من سرطان الرئة، أهمية الدعم النفسي في رحلة الشفاء، لافتا إلى أن “مكافحة السرطان تتجاوز العلاجات الطبية، فالدعم العاطفي والنفسي ضروري للغاية. لقد حالفني الحظ بوجود فريق طبي متفهم وعائلة داعمة، مما أحدث فرقا كبيرا في مسار علاجي”.
وينخرط المغرب بفعالية في هذه السيرورة العالمية، إذ أقر تخليد اليوم الوطني لمكافحة السرطان في الثاني والعشرين من نوفبر من كل سنة، قصد التحسيس بأهمية الوقاية والكشف المبكر عن هذا المرض، وإبراز أهم المنجزات التي حققتها المملكة في هذا المجال، فضلا عن استشراف الآفاق المستقبلية.
وأكد العلمي، وهو الذي كرس جزءا كبيرا من حياته المهنية للبحث والتحسيس ورعاية مرضى السرطان، أن المغرب حقق تقدما كبيرا في مجال رعاية مرضى السرطان، مبرزا أن المملكة قامت بتطوير مراكز علاجية حديثة، ونفذت برامج فحص، وعززت تكوين الأطر الطبية.
ويعد السرطان ثاني أكثر الأمراض المسببة للوفاة في المغرب، بعد أمراض القلب والشرايين بنسبة 13.4 في المئة، فيما تسجّل المملكة حوالي 50 ألف حالة جديدة من السرطان كل سنة، ويبلغ معدل الإصابة 137.3 حالة جديدة لكل 100 ألف من السكان.
عوامل الاختطار التي قد تؤدي إلى الإصابة بالسرطان تتمثل أساسا في السمنة وقلة الحركة، وأيضا عدم تناول الخضر والفواكه بشكل كاف، ناهيك عن التدخين وشرب الكحول
ويحتلّ سرطان الثدي عند النساء المرتبة الأولى بنسبة 38 في المئة من مجموع سرطانات الإناث، يليه سرطان عنق الرحم. ولدى الذكور يشكل سرطان الرئة السرطان الرئيسي بنسبة 22 في المئة، يليه سرطان البروستات بنسبة 12.6 في المئة، بحسب المعطيات التي أوردتها الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة والحق في الحياة في تقريرها.
وبحسب تقرير الشبكة (غير حكومية)، فإنّ البرامج الوقائية لمحاربة الأمراض المتنقلة والمزمنة والسارية، بما فيها برنامج الوقاية من السرطان، التي عملت وزارة الصحة على بلورتها، “لم تتمكن من تحقيق الأهداف المسطرة لها بسبب ضعف التمويل والبنية التحتية، والموارد البشرية المتخصصة، وبالتالي عدم القدرة على ضمان ولوج عادل ومتكافئ للعلاجات في مجال الأنكولوجيا على امتداد ربوع المملكة”.
وكانت وزارة الصحة قد وضعت مخططا وطنيا للوقاية ومراقبة السرطان 2020 – 2029، يهدف إلى “تقليص نسبة المرض والوفاة التي تحدث بسبب الإصابة بالسرطان، والعمل على تحسين جودة حياة المرضى ومحيطهم”.
وتمكّن المغرب في السنوات الأخيرة، بحسب مراقبين، من إحراز تقدم ملحوظ في مجال مكافحة مرض السرطان، وذلك بفضل مركز ”للا سلمى” للوقاية من السرطان وعلاجه، الذي دأب على بذل جهود في هذا المجال ومساعدة المرضى في تحسين ظروف عيشهم، من خلال جعله مكافحة السرطان من أولويات الصحة العامة في البلاد.
كذلك، عرفت عمليات مكافحة المرض تطورا بفضل تمكين المرضى من ذوي الدخل المحدود من الحصول على العلاجات من خلال برنامج خاص. وفي هذا الإطار، يُصار إلى التكفل بأكثر من 200 ألف مريض في كلّ عام، مع استفادة أكثر من مليون و600 ألف امرأة من خدمات الكشف المبكر عن سرطان الثدي.
ويؤكد مختصون أن المؤشرات الوبائية الخاصة بهذا المرض تظل مقلقة.
وأكد الطيب حمضي، طبيب باحث في السياسات والنظم الصحية، أن مرض السرطان يزداد انتشارا في المغرب، مبرزا أنه يمثل اليوم رابع الأمراض الأكثر انتشارا بالمملكة، فيما يصل معدل الفتك به إلى 68.9 في المئة.
وأوضح حمضي أن عوامل الاختطار التي قد تؤدي إلى الإصابة بالسرطان تتمثل أساسا في السمنة وقلة الحركة، وأيضا عدم تناول الخضر والفواكه بشكل كاف، ناهيك عن التدخين وشرب الكحول.
وقال “إن 39.9 في المئة من المغاربة لديهم على الأقل عاملان من عوامل خطر الإصابة بالسرطان”، مشيرا إلى وجود دراسة سابقة أظهرت أن 11.7 في المئة من المغاربة أكثر من 18 سنة يدخنون، و21.1 في المئة لديهم نقص في مستوى الحركة والرياضة، و53 في المئة يعانون من الوزن الزائد، و20 في المئة يعانون من السمنة، و1.7 في المئة يتناولون الكحول.
وأوضح حمضي أن على الصعيد العالمي، يتم تسجيل 200 مليون حالة إصابة بالسرطان، تسجل من ضمنها 10 ملايين وفاة سنويا، مبرزا أن ثلث الوفيات المسجلة جراء الإصابة بهذا المرض يمكن الوقاية منها، والثلث الثاني يمكن علاجه في حالة التشخيص المبكر وبطريقة صحيحة.
وأشار المتحدث إلى إمكانية الوقاية بخمس وسائل، هي: تفادي الوزن الزائد، الإقبال على ممارسة الرياضة، تناول الخضر والفواكه، تفادي التدخين وتفادي شرب الكحول.
وقالت الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة والحق في الحياة إن “رغم كل المجهودات المبذولة بالمغرب في مجال الوقاية وعلاج السرطان، إلا أن المؤشرات الوبائية الخاصة بهذا المرض تظل مقلقة”.
وأوضحت الشبكة، في بلاغ لها، أن الإستراتيجية الوقائية ضد السرطان “تظل غير كافية وأحيانا موسمية، وتفتقر إلى رؤية وخطة وبرامج مندمجة بين مختلف القطاعات المعنية بمراقبة جودة وسلامة المواد الغذائية”.