التطورات الإقليمية تعيد جدل الهوية الجامعة إلى الواجهة في الأردن

يعود الجدل مرة أخرى على مواقع التواصل الاجتماعي في الأردن حول الهوية الجامعة وخطرها على حق العودة للفلسطينيين وما تحمله في طياتها من تصفية لقضايا الإقليم على حساب الأردن وأبنائه، وسط دعوات لسحب الجنسية من أصحاب الأصول الفلسطينية.
عمان - يشهد الأردن جدلاً واسعاً على شبكات التواصل الاجتماعي بشأن الأردنيين من أصول فلسطينية، وموجة مطالبات بسحب الجنسيات منهم، إذ ذهب البعض إلى التشكيك في ولاء هؤلاء “الأردنيين” وانتمائهم، وبرزت حرب هاشتاغات بين #الأردن_للأردنيين و#الهوية_الجامعة #الهوية_الجامعة_مرفوضة.
ورأى البعض الآخر أن هذه الحملة هدفها زرع الفتنة داخل الشارع الأردني، ومحاولة التمييز بين الأردنيين من أصول أردنية ومن هم من أصول فلسطينية، على اعتبار أن تفتيت المجتمع الأردني سوف يؤدي إلى إشغاله ويُقلل من حالة التضامن مع قطاع غزة.
في المقابل هناك من يرى أن الهوية الجامعة تدفع الفلسطينيين إلى التخلي عن حق العودة وعن هويتهم الوطنية. وتحمل في طياتها بذور تصفية القضية الفلسطينية، وتلقي عبئها الثقيل على الأردنيين، وقال ناشط:
baraa_maiah@
كأردني أشعر بالقلق على مستقبل وطني الأردن وهويتي وهوية أبنائي، وكأردنيين نستحق المصارحة بخصوص هذا التصريح المخالف لسياسة الأردن وجلالة الملك في أن الأردن للأردنيين وأن الهوية الأردنية هي الهوية الوطنية الوحيدة على الساحة.
وقال آخر:
odun_02@
#الهوية_الوطنية_الأردنية إرث لا يرثه إلا أبناء هذه الأرض الذين تعاقبوا عليها منذ مئات بل آلاف السنين، من خلقوا هذه الهوية لا من طرأ عليها لظرف محدود كبدعة في دين ثابت.
ما يسمى بـ#الهوية_الجامعة مرفوض لا جدال فيه لما يحمله في طياته من تصفية لقضايا الإقليم على حساب الأردن وأبنائه.
وكتبت ناشطة:
Arabella__962@
ما سر هوس بعض اللاجئين الفلسطينيين في #الأردن بفرض وتثبيت مبدأ #الهوية_الجامعة؟
هل يعلم هؤلاء (خطورة ذلك)، أم أن هدفهم أصلاً هو التخلي عن #حق_العودة إلى بلدهم ورفض التمسك بهويتهم الفلسطينية التاريخية وقضيتهم إلى الأبد؟
تمييع الهوية الفلسطينية بدمجها بالأردنية أو بأي هوية لأي بلد مضيف حيث يقيم اللاجئون هو انتصار للاحتلال، وللمجتمع الدولي الذي يعمل جاهداً كي يتخلى الفلسطيني عن أرضه ويتم زرعه في أرض بديلة ومنحه هوية بديلة تلغي تاريخه النضالي وحقه في فلسطين.
إذا طُبقت الهوية الجامعة على الفلسطيني أينما كان، فهو انتصار للصهيونية والمتصهينين وتجار القضية!
ويعبر الأردنيون صراحة عن تخوفهم من الإجهاز على الهوية الأردنية واعتبار الأردن وطنا بديلا للفلسطينيين وموطنا للاجئين، وأعربت ناشطة عن استيائها قائلة بلهجة محلية:
bushrajor@
ظل حدى من الأشقاء العرب بحاجه لحاضنه؟
ترى #الهوية_الجامعة لسا فيها مجال بتتحمل
بس يا ريت الأشقاء العرب اللي منقدم لهم المأوى والكرم والإغاثة بعترفوا بوجود في الوطن وعندهم إخلاص لقضاياه، وعندهم ولاء لقيادته.
وقال آخر:
Kayhadeel369@
نعم نريد مملكة أردنية هاشمية بنظام حديث مدني لا عشائري، نعم للهوية الوطنية الجامعة لنتقدم ونرتقي، وأن يكون الأداء والكفاءة هما المعيار وليست التقسيمات ومحسوبيات العشائر والمناطق التي تعيق تقدم الدولة.
وأدت التطورات الإقليمية إلى احتدام النقاش، خاصة مع تأكيد أن “الأردن بلد مهدد من إيران” تحاول اختراقه بشتى السبل تارة من خلال الأحزاب السياسية، الإسلامية منها خاصة، وتارة أخرى من خلال التركيبة الاجتماعية.
يذكر أن العاصمة الأردنية عمان هي موطن لنحو مليوني لاجئ فلسطيني في البلاد، وهم يميلون إلى دعم أحزاب المعارضة الإسلامية، مثل جبهة العمل الإسلامي.
تقليديا اعتمد النظام الأردني على الولاء الشرس للقبائل العربية البدوية في المناطق الريفية للاحتفاظ بالسلطة.
لكن مؤخرا تشير الاحتجاجات إلى أن الولاء القبلي للنظام ربما يتآكل بسبب الركود الاقتصادي والبطالة واسعة النطاق، وهذا ما ظهر جليا على مواقع التواصل الاجتماعي.
ولعل التهديد الأعظم لاستقرار النظام هو الحرب بين حماس وإسرائيل، إلى جانب الخوف من مزيد هجرة الفلسطينيين إلى الأردن.
وأعلن العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني ووزير الخارجية أيمن الصفدي معارضتهما لقبول أي شخص من غزة. وتشير الدراسات الديمغرافية إلى أن الفلسطينيين يشكلون بالفعل نحو نصف سكان الأردن.
وتنعكس جهود الملك عبدالله الثاني لحماية سيادة الأردن والحفاظ على وضعه غير المحارب أثناء الصراعات الإقليمية في تصريحاته وأفعاله. فقد أعلن بشكل قاطع أن “الأردن لن يكون ساحة معركة لأي طرف.”
أردنيون يعبرون صراحة عن تخوفهم من الإجهاز على الهوية الأردنية واعتبار الأردن وطنا بديلا للفلسطينيين وموطنا للاجئين
لذلك استهدفت حسابات وسائل التواصل الاجتماعي المؤيدة لإيران في الأردن الملك عبدالله الثاني شخصيا من خلال وصفه بأنه “دمية أميركية” و”خائن”.
ويبدي الأردنيون، في ظل هذه التطورات، مخاوف من أن يؤدي مصطلح “الهوية الجامعة” إلى تغييرات ديمغرافية، خصوصاً ما يتعلق باللاجئين الفلسطينيين المقيمين على أرض المملكة، إضافة إلى اللاجئين السوريين.
وحسب المجلس الأعلى للسكان يستضيف الأردن نحو 57 جنسية مختلفة من اللاجئين، تشكل نحو 31 في المئة من عدد السكان، ويعتبر الأردن المستضيف الأكبر للاجئين الفلسطينيين الذين يحمل معظمهم الجنسية الأردنية.
وسارعت الحكومة الأردنية وعدد من الوزراء السابقين إلى تبديد هذه المخاوف بالقول إن مسعى التصدي للتوطين لا يجوز أن يُصبح معارضة للمواطنة، وأكدوا أن الدستور عرّف المواطنة الأردنية بكل وضوح في المادة السادسة منه، والتي نصت على أن “الأردنيين أمام القانون سواء، لا تمييز بينهم في الحقوق والواجبات وإن اختلفوا في العرق أو اللغة أو الدين.”
وانتقد وزير الخارجية الأردني الأسبق مروان المعشر مهاجمي الهوية الوطنية الجامعة، متسائلا “لا أفهم أين المشكلة في الهوية الوطنية الجامعة؟ ما نقيض الهوية الجامعة.. هل هي الهوية المتفرقة الفرعية؟”
وعززت نية الحكومة الأردنية إلغاء تدريس القضية الفلسطينية من المناهج التعليمية في الجامعات مخاوف الأردنيين الذين اعتبروا أن الخطوة تأتي ضمن سياق أوسع لتطبيق صفقة القرن المرفوضة شعبيا والتي يتعرض الأردن بسببها لضغوط خارجية.
وسبق أن وجه النائب في البرلمان الأردني صالح العرموطي سؤالا نيابيا إلى وزير التعليم العالي والبحث العلمي حول وجود نية لإلغاء تدريس القضية الفلسطينية في المناهج التعليمية، وقال العرموطي “منذ متى تم إلغاء تدريس القضية الفلسطينية في الجامعات الأردنية؟”
وقال الأكاديمي الأردني ذوقان عبيدات إن “تدريس القضية الفلسطينية والقدس لم ينقطع في مدارس الأردن يوماً، فقد اعتنت المناهج والكتب المدرسية بهذا الموضوع باستمرار، باعتباره واحداً من أهم الأسس الوطنية والقومية والإنسانية التي بنيت عليها فلسفة التربية وأهدافها.”