"التطهير الأول" انتقام إثني على مدار ليلة واحدة

فيلم للمخرج جيرارد مكموري يطلق العنان لرغبة الناس في قتل بعضهم وارتكاب ما شاؤوا من مذابح.
الاثنين 2018/10/01
ليلة طويلة من العنف الذي لا ينتهي

يكتسب العنف الممتزج بالرعب والخيال العلمي خصوصية مميزة في تقديم نوع فيلمي مختلف عن الأنواع السائدة مشتملا على مسارات درامية وسردية متداخلة، هو شكل فيلمي يوفر متعة مشاهدة قائمة على ذلك التنوع من جهة وعلى ابتكار في الحل الإخراجي، وهنا تتسع مساحة السرد الفيلمي لتشمل أزمنة وأماكن وشخصيات متعددة.

المزج بين العنف والرعب والخيال العلمي، ثلاثية حفلت بها سلسلة أفلام التطهير، وهي حتى الآن سلسلة من أربعة أفلام مميزة بدأت بفيلم “التطهير” (إنتاج 2013)، ثم فيلم “التطهير: الفوضى” (2014) ففيلم “التطهير: سنة الانتخابات” (2016) وجميع هذه الأفلام من إخراج جيمس ديموناكو.

أما الفيلم الأحدث في هذه السلسة وهو الفيلم الرابع، فهو فيلم “التطهير الأول” (إنتاج 2018)، ويدخل فيه مخرج السلسلة ديموناكو كاتبا للسيناريو ليسند الإخراج إلى جيرارد مكموري.

سوف تلتقي الأفلام الأربعة في عنصرين أساسيين هما، أن الأحداث سوف تقع كلها خلال مساحة زمنية أمدها ليلة واحدة ومع انبلاج الصباح سوف ينتهي كل شيء. أما العنصر الثاني، فهو إباحة القتل وشرعنته بحيث يطلق العنان لرغبة الناس في قتل بعضهم وارتكاب ما شاؤوا من مذابح والانتقام ممّن شاؤوا.

وفي هذا الفيلم نجد نوعا من الفصل الإثني والعرقي، فأفراد المجموعة المستهدفة بموجة العنف هم ذوو أصول أفريقية من أصحاب البشرة السمراء، فيما يقود المهمة ويوجهها عبر مركز للسيطرة معزز بالشاشات والكاميرات آرلو (الممثل داتش داراغ)، وهو مسؤول حكومي يشرف على التطهير تساعده الدكتورة أوبديل (الممثلة ماريسا تومي) وكلاهما وفريقهما يهتديان بخطاب موجه إلى الأمة من رئيس الولايات المتحدة يعلن فيه عن تلك الليلة الدامية.

وذوي الأصول الأفريقية لم يكونوا حاضرين بهذه القوة والزخم في الأقسام الأخرى من السلسلة، لكنهم في هذا الفيلم هم الذين يقودون تلك الدراما القائمة على العنف والجريمة.

ويقوم المشرفون على عملية التطهير بدعوة الناس للانضمام إلى الحملة في مقابل المال، فيصطف الناس الفقراء طوابير، فيما تقود نيا (الممثلة ليكس دايفيز) تجمعات مضادة لعمليات التطهير وتدعو الناس إلى عدم الانجرار نحو العنف، لكنها سوف تصدم بمشاهدة شقيقها الوحيد أشعيا (جوفيان ويد) وقد انضم لفرق التطهير.

ولا يمارس سمر البشرة تطهيرا ذا تأثير، سوى انتقام عصابة مخدرات من ديمتري (الممثل يلان نويل) وفريقه، ويقع بينهما صدام دام ويصبح ديمتري هو المنقذ الوحيد بعضلاته المفتولة وأصدقائه الذين سوف يقتلون تباعا ليبقى وحيدا يقارع مجموعة من المجرمين.

أحداث فيلم "التطهير الأول" تقع كلها في مساحة زمنية أمدها ليلة واحدة، لينتهي كل شيء مع انبلاج الصباح الجديد

ولعل من التحوّلات الدرامية التي صعدت الصراع هو اكتشاف الدكتورة أوبديل أن السلطات بعد أن تيقنت أن العنف والقتل لم يصلا إلى المستوى المطلوب، فيحوّلانه إلى انتقام عنصري بزج مجاميع من البيض العنصريين في المهمة، فيعملون في المدينة قتلا وترويعا، ولا يرحمون فيها أحدا حتى من كان داخل الكنيسة.

تقع نيا وشقيقها ضحية ذلك الصراع الدامي، وخاصة هذا الأخير الذي يؤدي واحدا من أجمل الأدوار من خلال الذعر الذي يصيبه وهو يلاحق من قبل العصابات. ولعل العنف في أعلى درجاته هو الذي نشاهده من خلال العصابات المقنّعة التي تستخدم تكنولوجيا المراقبة الحرارية والمراقبة عن طريق الكاميرات في تعقب الضحايا، ليتوج بالمواجهة بينهم وبين ديمتري.

البطولة الفردية والبطل مفتول العضلات الذي طالما قدمته السينما الأميركية من خلال شخصيات أرنولد شوارزنيغر وسلفستر ستالون وفان ديسل وفان دام وغيرهم.. يتجلى في هذا الفيلم من خلال شخصية ديمتري الذي سوف يقارع عصابة بأكملها من البيض المقنعين وينتصر عليهم.

وبطبيعة السرد الفيلمي المحكوم بمساحة زمنية أمدها ليلة كاملة، فإن الأحداث جميعا تقع في إطار ذلك الزمن الفيلمي بما يقتضيه من تصوير ليلي واستخدام بارع للمؤثرات البصرية وتنويع في استخدام زوايا ومستويات التصوير. وفي إطار البناء السردي أيضا، فإن احتشاد الأحداث وتنوع المشاهد وأزمات الشخصيات كلّ على حدة تتطلب إيقاعا فيلميا يتناسب مع الانتقالات في الأحداث، وهي ميزة أخرى فرضت نفسها على المعالجة السينمائية.

وبسبب التوازنات بين أشد الشخصيات عدوانية وإجراما وأخرى أكثر سلمية كونها ضحية صراع دام لا مصلحة لها فيه، وجدنا أن المعالجة الفيلمية انصرفت إلى تنويع ملفت للنظر وهارموني في الأداء اشتمل على ذلك المزيج من العنف والذعر والهرب والاختباء.

وفي ذات الإطار قدم الفيلم عنفا مصنوعا بمهارة مع أنه لم يتخذ ذات الشكل الدرامي الذي اتخذه في فيلم “سنة الانتخابات”، لكن في المقابل كان هنالك تركيز على ما يعرف بالعنف السياسي، لا سيما مع إشراف الحكومة الفيدرالية على أعلى المستويات على فظائع تلك الليلة الدامية.

وكما أشرنا في بداية المقال، فإن الإشكالية التي يطرحها الفيلم قد تنوعت ما بين الخيال العلمي والعنف والدراما والإثارة، ولهذا كنا أمام بناء درامي متميز يجعل من تلك

القصة التي تقع في إطار ليلة واحدة، قادرة على أن تظهر في أفلام متعددة لا يشبه أحدها الآخر، إلاّ في الزمن الفيلمي وثيمة العنف الدموي.

16