التضخم يُبعد سياسة ضبط الأسعار في أسواق الكويت عن أهدافها

تتزايد قناعة المحللين والخبراء بأن التضخم الجامح الذي تشهده الكويت منذ أشهر بفعل ارتدادات اضطرابات الاقتصاد العالمي أحبط تجربة الحكومة لضبط الأسعار، مما تسبب في فوضى عشوائية بعد عامين من الشروع في تطبيقها لتحقيق التوازن في الأسواق التجارية.
الكويت- تخطت ضوابط الأسعار، التي تم إقرارها لتجميد تكاليف الغذاء خلال الأزمة الصحية في الكويت هذه الفترة مستويات أسوأ مما شهدته مرحلة الجائحة، حيث حادت عن مسارها ولم تحقق الأهداف المرجوة منها.
واتخذت واحدة من أغنى دول العالم إجراء مؤقتا قبل عامين لبلد يعتمد على استيراد أكثر من 90 في المئة من غذائه لكبح الأسعار التي خلفتها قيود الإغلاق.
ومع مرور الأشهر لوحظ أن الآثار الجانبية لضوابط الأسعار بدأت في التعمّق، وظهرت في شكل زيادات في التكاليف أرهقت كاهل الشركات والمستهلكين.
وتقول الأوساط الاقتصادية إن تجربة الكويت مثلت درسا لعدد كبير من الدّول التي تفرض أو على الأقل تسعى إلى فرض ضوابط الأسعار لمواجهة معدّلات التضخم القياسية، غير أنها تحتاج إلى النظر في أسباب عدم تحقيق الأهداف بتمعن.

عيد الشهري: السيطرة على جموح الأسعار ستؤدي إلى نقص في السلع
ونسبت وكالة بلومبرغ إلى عيد الشهري، عضو مجلس إدارة جمعية رواد الأعمال الكويتية قوله إن “السيطرة على جموح الأسعار ستؤدي إلى نقص في السلع بالسوق”.
وأوضح الخبير الاقتصادي أن تجميد الحكومة للأسعار يعني أنّها تتحول بعيدا عن توازن السوق لتطال هذه التأثيرات بذلك جانبي العرض والطلب.
وحتى في ظل ارتفاع أسعار الغذاء العالمية إلى مستويات قياسية، وانتشار أزمة الإمدادات عقب اندلاع الحرب في أوكرانيا استمرت الكويت في التشبث بقيودها المفروضة على المبالغ التي يمكن أن تتقاضاها الشركات مقابل المواد الغذائية الأساسية.
وفي النهاية أدى هذا الوضع إلى إبعاد الموردين عن الاستمرار في تأمين شراءاتهم، مما زاد خطر ندرة بعض المواد الغذائية الأساسية في السوق المحلية.
ويرى المتابعون للشأن الاقتصادي الكويتي أن عملية صياغة حل محلي لمعضلة عالمية تعتبر أمرا محفوفا بالأخطار، حتى في حالة البلد الخليجي الذي يعد منتجا رئيسيا للنفط.
ويقع البلد الخليجي الثري ضمن قائمة المستفيدين من ارتفاع أسعار الطاقة كما يدير بالفعل نظاما من الإعانات الحكومية السخية، فضلا عن توفير وظائف مضمونة للمواطنين كضمانة ضد جماح التضخم.
ورأت الحكومة أن ثمة حاجة ملحة إلى تضافر جهودها التي تهدف إلى حماية الاقتصاد من الأزمات، وصموده خلال فترة الجائحة، إذ أصدرت وزارة التجارة والصناعة قرارا في مارس 2020 يقضي بتجميد جميع أسعار المواد الغذائية الاستهلاكية.
وتعد معدلات التضخم في الكويت هي الأعلى مقارنة بدول الخليج النفطية. ويُقدر صندوق النقد الدولي أنَ متوسط التضخم سيبلغ 4.8 في المئة هذا العام.
ومع ذلك لم يتم رفع القيود المفروضة رغم أنَها كانت تنوي القيام بذلك، مما جعلها تأتي بنتائج عكسية، إذ تُكافح الكويت لاحتوائها، لأن هناك الكثير من الخاسرين بسبب هذا الوضع.

محمد الصقر: ليس باستطاعة التجار استيراد كل ما يحتاجه المواطنون
وكشفت مصادر مطلعة، طلبت عدم الكشف عن هوياتها نظرا إلى حساسية الأمر، لبلومبرغ أنه في ظل هذه الأزمة، تسعى بعض الشركات المصنعة إلى إعادة توجيه بعض منتجاتها بعيدا عن الكويت.
وأكدت المصادر نفسها أن المنتجين باتوا يوجهون سلعهم أحيانا بعيدا عن البلد في اللحظة الأخيرة، إلى دول خليجية أخرى، حيث يمكنهم تحقيق المزيد من الأرباح، بحسب ما قال بعض الأشخاص.
وبرز توريد الدجاج مؤخراً كإحدى أكثر القضايا إشكالية في البلاد، إذ أشار أحد المصادر إلى أن هذه التجارة لم تعد ممكنة بسبب الضوابط التي تفرضها الحكومة على الدواجن.
ويتوقع تاجر تجزئة كويتي كبير حدوث الأمر ذاته في قطاعات أخرى. وقال إن “السوق قد تشهد نقصا في السكر خلال الأسابيع المقبلة”.
وفقا لبعض المصادر يشكل النقص الرّاهن تهديدا كبيرا في حال لم يسمح للشركات برفع أسعارها، وإذا لم تتم إزالة الحواجز في الميناء، بما في ذلك القيود المفروضة على السفن الكبيرة.
وتحرم تدابير الحكومة المستهلكين بالفعل من الاختيار. وأشار أحد كبار تجار التجزئة، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، إلى أن السلع الرئيسية المتوفرة كانت محدودة، وقدم قائمة بالموردين الذين خفّضوا خياراتهم بسبب التضخم والقيود المفروضة على الأسعار.
وأوضح محمد الصقر، رئيس مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة الكويت أنّه ليس باستطاعة التجار استيراد كل ما يحتاجه المواطنون.
وأشار إلى أنه جرى نقاش مع الحكومة حول هذه القضية على مدى عام ونصف العام، وأكد أن القرار الذي تم اتخاذه كان خاطئاً، لأن الأسعار ارتفعت. وتكمن المعضلة التي تواجهها السلطات في أن فكرة تحرير الأسعار من القيود المفروضة ما تزال غير محبّذة، رغم عدم استدامة سياسة ضبط الأسعار.
ولا يأخذ القرار الوزاري الذي مضى عليه مدة عامين في الحسبان أيا من التكاليف الجديدة، بدءا من النفقات اللوجستية الإضافية، وصولا إلى أسعار مواد الخام المرتفعة عقب الأزمة في شرق أوروبا.
تجميد الحكومة للأسعار يعني أنّها تتحول بعيدا عن توازن السوق لتطال هذه التأثيرات بذلك جانبي العرض والطلب
ومنذ أن استقالت الحكومة السابقة في أبريل الماضي لم يتم تشكيل حكومة جديدة مما يضع عملية صنع القرار في شلل، خاصة وأن الترجيحات تصب في أنه من المستبعد أن يتم رفع سقف الأسعار قبل أن تتولى مهامها.
ووسط ذلك يزداد منسوب التحذيرات، ففي رسالةٍ نشرتها صحيفة “الأنباء” المحلية هذا الأسبوع، أشار الاتحاد الكويتي للأغذية، وهو مجموعة صناعية، إلى أنّ مستوردي المواد الغذائية سيوقفون شحن عدد كبير من المنتجات الأساسية التي تحتاجها الأسر.
وأكد الاتحاد عدم قدرة المستهلكين على مواجهة الزيادة العالمية في أسعار هذه المنتجات، ما يُهدّد بخفض الاحتياطي الاستراتيجي للبلد في الفترة المقبلة.