التضخم في تركيا يدخل منعطفا حاسما بعد بلوغه ذروته الثانية

أنقرة - تسارع معدل التضخم في تركيا أكثر من المتوقع الشهر الماضي، فيما يأمل المسؤولون أن يمثل الأسوأ في أزمة كلفة المعيشة المستمرة منذ سنوات.
وأظهرت بيانات الاثنين أن معدل التضخم وصل إلى 75.5 في المئة على أساس سنوي في مايو الماضي، من أقل بقليل من 70 في المئة في الشهر السابق له.
كما تسارع نمو الأسعار الشهري، وهو المقياس المفضل للبنك المركزي، ليصل إلى 3.4 في المئة. وتجاوزت كلتا القراءتين متوسط توقعات الاقتصاديين.
وبحسب مجموعة الخبراء الاقتصادية المستقلة (إيناغ)، فإنّ معدّل التضخّم الحقيقي على مدى إثني عشر شهرا بلغ 120.66 في المئة في مايو، مرتفعا بنسبة 5.66 في المئة على مستوى شهري.
ويتبع مسار الأسعار الذي بلغ ذروته في مايو المسار الذي رسمه البنك المركزي حيث تبنى اقتصاديات أكثر تقليدية منذ إعادة انتخاب الرئيس رجب طيب أردوغان قبل عام.
والسؤال الذي يفرض نفسه الآن هو هل سيتوافق التضخم أيضا بشكل وثيق مع التوقعات في طريقه إلى الانخفاض ويمهد الطريق لانخفاض أسعار الفائدة بعد دورة قوية من التشديد النقدي؟
وترى سيلفا بحر بازيكي، الخبيرة الاقتصادية في منصة بلومبيرغ إيكونوميكس، أن ديناميكيات التضخم تستدعي المزيد من رفع أسعار الفائدة.
وقالت “علاوة على ذلك، فإننا نرى أن المخاطر التي تهدد هذه التوقعات تميل إلى الأعلى بسبب التحديثات الضخمة للضرائب وزيادة تصعيد حرب الشرق الأوسط”.
لكن بحر تعتقد أن البنك المركزي من المرجح أن يدير هذه المخاطر من خلال تشديد أدواته البديلة بدلا من رفع تكاليف الاقتراض.
ويتوقع صناع السياسات أن يصل معدل التضخم في تركيا إلى أقل من 40 في المئة مع نهاية العام الحالي، وهو ما سيجعلها سادسة أسرع دولة في العالم، وفقا لصندوق النقد الدولي.
وتعهّد حاكم البنك المركزي فاتح كاراهان في بداية مايو بأن يبدأ التضخّم في الانخفاض في يونيو بعد الوصول إلى الذروة. وكذلك، عدل توقعاته لنهاية العام برفعها قليلا إلى 38 في المئة.
وقال وزير المالية التركي محمد شيمشك على حسابه في منصة إكس بعد وقت قصير من نشر البيانات “لقد أصبح الأسوأ وراءنا”. وأضاف أن الانخفاض الدائم في التضخم سيبدأ في يونيو، ليصل “على الأرجح إلى أقل من 50 في المئة” بحلول نهاية الربع الثالث.
ولمواجهة الارتفاع الكبير في أسعار المستهلكين التي تعدّ مسؤولة إلى حدّ كبير عن هزيمة حزب العدالة والتنمية الحاكم في نهاية مارس الماضي، في الانتخابات البلدية، أطلق شيمشك الشهر الماضي خطة تقشّف على ثلاث سنوات.
وقال آنذاك “تتمثل أولويتنا في مكافحة ارتفاع تكاليف المعيشة. انخفاض معدّل التضخّم أمر ضروري لتحقيق النمو المستدام”، مشيرا في الوقت ذاته إلى قيود عدّة على الميزانية “في ما يتعلق بالقطاع العام بأكمله”.
وبدأت تظهر بوادر تخفيف الضغوط التضخمية. فقد انخفض مقياس نشاط التصنيع التركي الذي جمعته غرفة صناعة إسطنبول ومؤشر آس آند بي غلوبال إلى ما دون مستوى الخمسين الذي يفصل بين التوسع والانكماش.
صناع السياسات يتوقعون أن يصل معدل التضخم في تركيا إلى أقل من 40 في المئة مع نهاية العام الحالي، وهو ما سيجعلها سادسة أسرع دولة في العالم، وفقا لصندوق النقد الدولي
وارتفعت تكاليف المدخلات وأسعار المنتجات بـ”معدلات أضعف بكثير” في مايو مقارنة بالشهر السابق له، وفقا لتقرير نُشر الاثنين.
وظلت تكاليف الاقتراض الرسمية متوقفة مؤقتا في الاجتماعين الأخيرين، على الرغم من أن صناع السياسات قدموا تدابير لتقييد نمو القروض وإزالة السيولة الفائضة من السوق لضمان بقاء الظروف المالية مقيدة.
ويقول البنك المركزي إن الانحراف الكبير عن التوقعات قد يؤدي إلى رفع الفائدة مرة أخرى، بعد أن أدى التشديد التراكمي بأكثر من 40 نقطة مئوية في أقل من عام إلى رفع مؤشره القياسي إلى 50 في المئة في مارس.
وبالنظر إلى المستقبل، فإن التعديلات المالية التي خططت لها الحكومة لاستكمال التشديد النقدي ستكون على نحو متزايد عاملا رئيسيا في تحديد مسار التضخم في الأشهر المقبلة.
كما أن زخم تراجع التضخم سيحدد طلب المستثمرين على الأصول التركية، بعد الارتفاع الأخير في التدفقات الأجنبية.
واستوعبت سندات الليرة رقما قياسيا قدره 6.5 مليار دولار من رأس المال الأجنبي في مايو، في حين ارتفعت الأسهم بنسبة 30 في المئة بالقيمة الدولارية هذا العام، وهو واحد من أفضل أداءات سوق الأسهم في العالم.
وقال توفان كومرت، مدير إستراتيجية الأسواق العالمية في شركة بي.بي.في.أي في لندن، إن “زيادة الانضباط المالي واستمرار السياسة النقدية المتشددة من شأنهما أن يزيدا الاهتمام بسندات الحكومات المحلية بمجرد حدوث المزيد من التحسن في توقعات التضخم”.
