التضخم المزمن يبقي الاقتصاد التركي بعيدا عن أهداف النمو

أنقرة - ترجمت أحدث الأرقام حول الاقتصاد التركي أن السلطات لا يزال أمامها الكثير لتحقيق النمو المستهدف جراء عناد التضخم الذي بات حالة مزمنة في أحد أبرز الأسواق الناشئة.
وتباطأ نمو الناتج المحلي الإجمالي في الربع الثاني من 2023 بنسبة أقل من المتوقع، وسط توقعات محللين بأن يستمر النشاط الاقتصادي خافتا لبقية العام، فيما يسعى المسؤولون لتهيئة أرضية أكثر استدامة للنمو عبر رفع الفائدة.
وأظهرت بيانات رسمية نشرت الخميس توسع الاقتصاد بنسبة 3.8 في المئة على أساس سنوي مقارنة بنحو 3.9 في المئة المعدلة بالخفض في الأشهر الثلاثة الأولى من العام.
ويأتي هذا الرقم مخالفا للترجيحات، حيث كان متوسط تقديرات المحللين 3.1 في المئة في استطلاع بلومبرغ الذي شهد تبايناً كبيراً في التوقعات.
وكشفت الإحصائيات أيضا اعتماد النمو خلال الربع الثاني على دعامتين رئيسيتين هما الطلب الاستهلاكي القوي والإنفاق الحكومي في اقتصاد يبلغ حجمه 900 مليار دولار.
كما تسارع النمو الفصلي المعدل بوتيرة ملحوظة إلى 3.5 في المئة على أساس موسمي وعدد أيام العمل، إذ ظل استهلاك الأسر قوياً خلال شهر مايو بفضل الإنفاق الكبير قبل الانتخابات التي فاز بها الرئيس رجب طيب أردوغان.
وبعد الانتخابات التي مددت فترة حكمه إلى عقد ثالث، أشار أردوغان إلى عزمه على الابتعاد عن السياسات غير التقليدية بما في ذلك الفائدة المنخفضة للغاية التي دافع عنها خلال السنوات الأخيرة، والتي تسببت في هروب المستثمرين الأجانب.
ويحاول الفريق الاقتصادي الجديد للرئيس التركي بقيادة وزير المالية محمد شيمشك ومحافظة البنك المركزي حفيظة أركان إبطاء التضخم الذي بلغ حوالي 50 في المئة، وتسبب في معاناة الأتراك من أزمة حادة في تكاليف المعيشة.
ومع ذلك، قد يشجعهم أردوغان على تحقيق التوازن وتعزيز النمو قبل انتخابات المحليات المرتقبة في مارس المقبل، إذ يريد استعادة مقعد عمدة إسطنبول بعد تعرض حزبه لهزيمة قاسية هناك قبل أربع سنوات.
والأربعاء الماضي جدد أردوغان تأكيده على أن حكومته عازمة على زيادة النمو الاقتصادي عن طريق الاستثمار والتوظيف والإنتاج والتصدير والفائض الجاري.
وقال أثناء لقاء مع رئيس اتحاد الغرف والبورصات رفعت حصارجكلي أوغلو “مدركون للمشاكل التي تواجهها كافة شرائح المجتمع وخاصة دوائر الأعمال، حيث أننا نتخذ وسنتخذ خطوات لحلها”.
وأوضح أن الأزمات والصعوبات التي يشهدها الاقتصاد العالمي لها انعكاسات مختلفة على تركيا أيضًا، لافتا إلى أن تحضيرات البرنامج الاقتصادي متوسط المدى شارفت على الانتهاء، حيث “سيكون بمثابة خارطة طريق للفترة المقبلة ونأمل أن نعلن عنه قريبًا”.
وعلى صعيد البيانات، تشير المؤشرات الرئيسية، بما في ذلك مبيعات التجزئة، إلى أن الاستهلاك ظل قوياً في الربع الثاني، على الرغم من تباطؤ قطاعي الصناعة والتصدير.
ولا يزال الإنتاج الصناعي يُظهر انتعاشاً محدوداً من الزلازل المدمرة التي وقعت في فبراير الماضي.
وأشار شيمشك الاثنين الماضي، إلى أنه لا يتوقع تحسنا اقتصادياً كبيرا هذا العام. وكتب في منشور على حسابه في منصة إكس (تويتر سابقا) يقول إن “تراجع التضخم والتغيير الهيكلي في الاقتصاد سيتسارع لاحقاً”.
الفريق الاقتصادي الجديد للرئيس التركي بقيادة وزير المالية محمد شيمشك ومحافظة البنك المركزي حفيظة أركان يحاول إبطاء التضخم الذي بلغ حوالي 50 في المئة
وتوقع بنك غولدمان ساكس معاناة تركيا من الركود في بيانات النصف الثاني. وكتب محللو البنك، بمن فيهم كليمنس غراف، في مذكرة الأسبوع الماضي “تحولت بوصلة السياسة النقدية والمالية على حد السواء نحو التشديد بصورة أكبر”.
وترى الخبيرة الاقتصادية سيلفا بحر بازيكي في بلومبرغ إيكونوميكس أن التحفيز المالي سيتراجع خلال الربع الثالث، مع ترجيحات استمرار قوة الطلب المحلي، برغم توقعات زيادة أسعار المستهلكين حتى نهاية 2023.
وبرز تحول تركيا بصورة أكبر نحو التشديد خلال الأسبوع الماضي عندما رفع المركزي أسعار الفائدة بنحو 750 نقطة أساس، وهي وتيرة أعلى كثيراً من المتوقع. وأعقب ذلك صعود في السندات والليرة على حد سواء.
وألمح المركزي إلى أنه قد يسعى لترويض الاستهلاك. وقال في بيان بعد زيادة الفائدة إن “النمو الكبير في الطلب المحلي أحد المحركات الرئيسية لزيادة التضخم الأساسي”.
وقبل إصدار البيانات توقع دنيز شيشك الخبير الاقتصادي في كيو.أن.بي فاينانس بنك تراجع نمو الطلب المحلي بسبب التشديد النقدي.
وقال إنه “في ضوء النظرة المستقبلية العالمية؛ ستنمو الصادرات بوتيرة محدودة أيضا على الأرجح، مما يفاقم مسببات خفض النمو الفصلي في تركيا”.