التصعيد في المنطقة يخيم على الحوار الإستراتيجي بين واشنطن والقاهرة

القاهرة - تجاوزت الجولة الجديدة من الحوار الإستراتيجي المصري – الأميركي حدود العلاقات المشتركة وتطويرها على المستوى الثنائي هذه المرة، حيث رمت زيارة وزير الخارجية أنتوني بلينكن للقاهرة، الأربعاء، إلى تفكيك بعض القضايا التي يمكن أن تمثل منغصا إقليميا لهما.
وأعلنت الرئاسة المصرية أن الرئيس عبدالفتاح السيسي التقى بلينكن وبحث معه كيفية تعزيز الجهود المشتركة بين مصر والولايات المتحدة وقطر، للمضي قدما في مفاوضات وقف إطلاق النار وتبادل الرهائن وتيسير المساعدات الإنسانية إلى غزة.
وكشف مسؤولون أميركيون أنهم لا يتوقعون حدوث اختراق خلال محادثات بلينكن في القاهرة، غير أنه يريد من خلال زيارته “مواصلة الضغط باتجاه التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة، وتحرير الرهائن المحتجزين في القطاع”.
وحذر وزير الخارجية المصري بدر عبدالعاطي الأربعاء خلال مؤتمر صحفي مع نظيره الأميركي من خطورة التصعيد في المنطقة ومحاولات جرها إلى حرب إقليمية، مؤكدا على وجود تحديات خطيرة تواجه الأمن والاستقرار في المنطقة.
وتجدد الرفض المصري الكامل لأي وجود عسكري على الجانب الفلسطيني من معبر رفح، ولفت عبدالعاطي إلى أن المشكلة الأساسية في اتفاق وقف إطلاق النار بغزة هي “غياب الإرادة السياسية لدى طرف ما”، في إشارة إلى إسرائيل.
وقال بلينكن إن الحوار مع مصر يؤكد التزام البلدين بتعزيز التعاون، وأن العلاقات بينهما مهمة وضرورية الآن، مثمنا أهمية الشراكة لمواجهة التحديات التي تعانيها المنطقة، وأن مصر شريك لا يمكن الاستغناء عنه للتوصل إلى هدنة في غزة.
وتتمسك إسرائيل بالسيطرة على محور فيلادلفيا على الحدود بين غزة ومصر، بما أزعج القاهرة دون أن تتمكن واشنطن من إيجاد وسيلة للحل، وتحقق الهدوء الذي يحافظ على العلاقات بين مصر وإسرائيل متينة، ما جعل حل قضية المحور بندا مهما على طاولة الجولة الجديدة للحوار الإستراتيجي.
وذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية أن زيارة بلينكن لمصر، وليس لإسرائيل، إشارة على أن الاختراق بشأن محور فيلادلفيا بات وشيكا، وهدفها “طمأنة إسرائيل بشأن عدم قدرة حماس على تهريب أسلحة عبر المحور”.
وترأس وزير الخارجية الأميركي خلال زيارة القاهرة مع نظيره المصري افتتاح الحوار الإستراتيجي الأميركي – المصري وتعزيز العلاقات الثنائية، وتعميق التنمية الاقتصادية وتوطيد الروابط بين البلدين من خلال الثقافة والتعليم.
ويقول متابعون إن الإدارة الأميركية تقدر ضبط النفس الذي تتعامل به مصر مع ما يجري على محور فيلادلفيا ومعبر رفح، ودورها النشط في الوساطة بالمشاركة مع قطر، ما دفع وزارة الخارجية الأميركية إلى توجيه توصية للكونغرس قبل أيام بمنح القاهرة المساعدات العسكرية كاملة (1.3 مليار دولار) هذا العام، من دون ربطها بمدى ما تحقق من تقدم في ملف حقوق الإنسان بمصر، كما حدث في سنوات سابقة، أو وضع أي قيود سياسية على هذه المساعدات.
ويضيف المتابعون أن زيارة بلينكن بحثت عن وسيلة لمنع تفاقم الخلاف بين مصر وإسرائيل بعد تلميحات بإمكانية أن ترد القاهرة على رؤية رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بشأن فيلادلفيا بتحريك معدات ثقيلة بالقرب من الحدود مع إسرائيل من جهة شرق سيناء، إذ هناك ما يقرب من 247 كيلومترا من الحدود المشتركة، بينما لا تتجاوز حدود مصر مع غزة 14.5 كيلومترا، وفي هذه الحالة ستصبح اتفاقية السلام بين البلدين معرضة للخطر من الجانبين.
وذكر مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق السفير حسين هريدي أن الحوار الإستراتيجي آلية هامة في إدارة العلاقات بين البلدين، ويعقد بصفة دورية، وهذه ليست جولته الأولى، وجاءت في خضم أوضاع ملتهبة في المنطقة، وصلت تداعياتها إلى خليج عدن والبحر الأحمر، وتكمن أهمية الحوار في تطرقه إلى العديد من الأزمات الإقليمية والقضايا الحيوية، والتنسيق المشترك بشأن كيفية التعامل معها.
وأكد هريدي في تصريح لـ”العرب” أن قضية الحرب في غزة على رأس القضايا، ومنح الحوار فرصة للبلدين للتعرف على مسارات الضغط على إسرائيل لدفعها نحو وقف الحرب، والتفكير في التعاون بشأن المقترح الأميركي الجديد المزمع أن تقدمه الولايات المتحدة قبل الانتخابات للوصول إلى اتفاق لتبادل الأسرى.
ولفت هريدي إلى أن الحوار جاء بعد أن أعلنت واشنطن تقديم المساعدات العسكرية إلى مصر كاملة لتعود الأوضاع إلى طبيعتها بين البلدين، لكن يصعب تحميله أكثر مما يجب، لأن التركيز الرئيسي سوف ينصب على العلاقات الثنائية، وسيقوم الجانب المصري بتوظيف ذلك لصالح حث الإدارة الأميركية على الضغط على رئيس الوزراء الإسرائيلي، دون أن تكون هناك ضمانات لحدوث تغيير في موقفه.
وقال المستشار بأكاديمية ناصر العسكرية التابعة للجيش المصري اللواء نصر سالم إن القدرة على إحداث تغيير في الموقف الإسرائيلي المتعنت من وقف حرب غزة صعبة من خلال الحوار الإستراتيجي بين القاهرة وواشنطن، وأن الإدارة الأميركية في فترة انتخابات رئاسية، وتبدو مثل “البطة العرجاء” التي لا تستطيع اتخاذ قرارات تضر بإسرائيل، غير أن ميزة انطلاق الحوار حاليا أنه يضمن التعرف على مصالح كل طرف في مجموعة من الملفات الإقليمية والدولية وضمان عدم التعارض بينهما.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن التنسيق السياسي والعسكري على رأس ملفات الحوار، مع تفاقم المشاكل الحالية في كل من غزة والسودان والصومال وإثيوبيا والبحر الأحمر وشرق البحر المتوسط، وهناك رغبة في أن لا تصطدم الولايات المتحدة مع المصالح المصرية في تلك الأزمات، والعكس صحيح.
وتوقع اللواء نصر سالم أن يكون الحوار الإستراتيجي قد شهد طرح مجموعة من المطالب المحددة للدولة المصرية من أجل الحفاظ على مصالحها، بينها تجنب تصفية القضية الفلسطينية مقابل أدوار أخرى تطلبها الولايات المتحدة من مصر في حرب غزة أو أي من أزمات المنطقة الأخرى (لم يفصح عن طبيعتها).
وقلل الخبير العسكري المصري في حديثه لـ”العرب” من إمكانية قيام واشنطن بممارسة ضغط كبير على نتنياهو لتغيير مواقفه بشأن وقف الحرب أو الانسحاب من محور فيلادلفيا، مشددا على أن عقد الحوار الإستراتيجي يأتي في وقت تسعى فيه الولايات المتحدة نحو ترتيب أوراقها في المنطقة خلال الفترة المقبلة.