التصعيد الإعلامي الروسي يصل مداه مع الغرب

المحللون العسكريون الروس يروجون بأن المخاوف الغربية من عدوان روسي محتمل على دول البلطيق وبولندا ليست سوى "أوهام دعاة حرب غربيين".
الأربعاء 2025/04/09
تحت الأنظار

موسكو - يتزايد الخطاب العدائي تجاه أوروبا التي تُوصف الآن بأنها “العدو الرئيسي لروسيا” في السياسية الدعائية للكرملين التي تركز اليوم على إغراق وسائل الإعلام المحلية بتحليلات تصبّ في هذا الاتجاه.

ووفق تحليل للصحافية الاستقصائية كسينيا كيريلوفا، والمحللة التي تركز على تحليل المجتمع الروسي وآليات عمل الدعاية الروسية، فإن الاتجاهات المثيرة للقلق والمتزايدة بين المعلقين المؤيدين للكرملين هي تزايد توجيه اتهامات “النازية” نحو أوروبا، إلى جانب الإشارة إلى ضرورة “تذكر أهداف اقتلاع النازية”.

ويظهر هذا النوع من الخطاب في المنصات الرسمية، بما في ذلك”الصحيفة البرلمانية” الرسمية في روسيا.

ويروج المحللون العسكريون الروس بأن المخاوف الغربية من عدوان روسي محتمل على دول البلطيق وبولندا ليست سوى “أوهام دعاة حرب غربيين.” بنفس الطريقة التي رفض فيها الكرملين سابقا التوقعات الغربية بشأن غزو روسيا لأوكرانيا في 2022 ووصفها بأنها مجرّد “جنون معلوماتي”.

ولا تقتصر إستراتيجيات الكرملين الدعائية على العداء للدول الأوروبية. فحتى مع تحسن العلاقات مع الولايات المتحدة، يوصي المحللون العسكريون الروس بالحفاظ على تهديد دائم للخصوم، وإبقائهم تحت الأنظار. ويدعون إلى إنشاء بؤر توتر معادية للولايات المتحدة في المكسيك وكندا، بالإضافة إلى تحديد نقاط ضعف أخرى لتقويض الولايات المتحدة.

الاتجاهات المثيرة للقلق والمتزايدة بين المعلقين والمحللين المؤيدين للكرملين هي تزايد توجيه اتهامات "النازية" نحو أوروبا

وأصدر نادي فالداي الروسي، المقرّب بشكل وثيق من الكرملين، مقالا يصف أوروبا بأنها “كومة رماد سياسية وفكرية” فقدت سيادتها بالكامل. وكتب تيموفي بورداتشيف مدير تحرير موقع النادي، أن هذا الوضع في أوروبا يطرح تحديات خاصة على أوراسيا، مما يتطلب من روسيا “بذل جهود لاحتوائه”. ولا يدعو بورداتشيف صراحة إلى الحرب مع أوروبا، بل إلى ما يصفه بـ”التعاون”.

ويقدم هذا النهج بديلا أقل عدوانية من الإستراتيجية المقترحة في موقع ميليتاري ريفيو الذي يقترح دعم الجهات الفاعلة الصديقة لروسيا والضغط على الخصوم.

وكتب بورداتشيف “نرى عددا كبيرا من المواطنين الذين لا يدعمون، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، أفعال المجموعة التي استولت على البلاد.” ويحث على عدم ترك هؤلاء “الأوروبيين الأخيار… يقاتلون وحدهم ضد ساستهم عديمي القيمة”.

واستخدم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ذريعة الدفاع عن هؤلاء الصالحين (مثل الناطقين بالروسية أو حلفاء روسيا) لتبرير غزو أوكرانيا. وفشل في مساعيه للتحريض على انقلاب موالٍ لروسيا في أوكرانيا، لكن من غير المؤكد أن الكرملين قد تعلم من هذه النكسة.

كما يقترحون نشر نظام دفاع صاروخي للإنذار المبكر في القطب الشمالي لمواجهة النفوذ الأميركي، وإنشاء قواعد دائمة “بصواريخ أوريشنيك وصواريخ تفوق سرعتها سرعة الصوت” في فنزويلا ونيكاراغوا وكوبا.

مقال في موقع "ميليتاري ريفيو" يستكشف إمكانية قيام تحالف مؤقت بين روسيا والولايات المتحدة ضد كل من الاتحاد الأوروبي والصين

وأشارت وسائل إعلام أميركية إلى اقتراحات مماثلة صادرة عن الكرملين تهدف إلى زعزعة استقرار مواقف واشنطن الدبلوماسية من خلال زيادة التوتر العالمي. ودعمت هذا بتقرير أعده للكرملين مركز أبحاث وثيق الصلة بالجهاز الخامس لجهاز الأمن الفيدرالي الروسي.

ويستكشف مقال في موقع ميليتاري ريفيو (المراجعة العسكرية) المرتبط بوزارة الدفاع الروسية، إمكانية قيام تحالف مؤقت بين روسيا والولايات المتحدة ضد كل من الاتحاد الأوروبي والصين. ففي السنوات الأخيرة، صورت الدعاية الروسية الصين صديقة مقرّبة. ولكن يبدو الآن أنها تُعتبر إما “شريكا ظرفيا” أو، في أسوأ الأحوال، منافسا أو عدوا.

ويذكر كتّاب ميليتاري ريفيو أن الصين لم تكن يوما صديقة حقيقية لموسكو، ولم تدعمها خلال الحرب، والتزمت بالعقوبات المفروضة عليها، والأهم من ذلك كله، أنها مهتمة بتراجع روسيا. ومن غير المرجح أن تتحرك موسكو ضد بكين، رغم هذا النأي العلني عنها، لكن الأفكار العدائية التي عبّر عنها محللون موالون للكرملين حول علاقات روسيا الجيوسياسية مع ما يُسمّونه “أعداءها” تعكس عزلة البلاد العالمية المتزايدة.

وفي سياق المناقشات الجارية لإنهاء حرب روسيا في أوكرانيا يبدو الكرملين حريصا على تطبيع علاقاته مع الغرب، حيث يبرز هذا ضمن مطالب بوتين الرئيسية في المفاوضات. ومن الأمثلة الواضحة على ذلك مناقشة ألمانيا وروسيا والولايات المتحدة استئناف تسليم النفط عبر خط أنابيب “الصداقة” (دروجبا) إلى ألمانيا.

وتشير تحقيقات أجراها صحافيون مستقلون إلى أن شركات أميركية تخطط للاستحواذ على حصة “روس نفط” في مصفاة النفط آر.إس.كايفي شفيدت، المملوكة حاليا لفرعها الألماني روس نفط دويتشلاند. كما أشار الصحافيون إلى أن إدارة دونالد ترامب تنوي الاستثمار في إعادة تشغيل خط أنابيب الغاز، معتبرة إياه “أصلا إستراتيجيا” يمكن أن يساعد في تعزيز السلام.

ويرحب المعلقون العسكريون الروس علنا بفكرة استئناف العلامات التجارية الأجنبية للتعاون مع روسيا. ومع ذلك، يطمح المحللون المؤيدون للكرملين أن تساعد الولايات المتحدة موسكو، عن قصد أو عن غير قصد، في إضعاف أوروبا.

وذكر كُتّاب موقع ميليتاري ريفيو أن الولايات المتحدة تهدف إلى “تطهير رؤوس قادة الدول الأوروبية من الدماء الفاسدة.” ويؤكدون أن “الرئيس الأميركي دونالد ترامب يُسبب عمدا، بدفعه الحكومات الأوروبية إلى سباق تسلح، صعوبات مالية لهذه الدول،” ويضغط على الأوروبيين لإرسال قوات حفظ سلام إلى أوكرانيا. ويُعرب هؤلاء المؤلّفون عن اقتناعهم بأن موسكو ستُدمّر فورا قوة حفظ السلام هذه، وأن الشعوب الأوروبية متوجّهة إلى الثورة لإسقاط حكوماتها مع “تدفق التوابيت إلى أوروبا.”

في حين يُصوَّر كل هذا كجزء من إستراتيجية ترامب المزعومة، ومن الواضح أن الخبراء المؤيدين للكرملين يدرسون بجدية خيار المواجهة العسكرية مع أوروبا كوسيلة لإسقاط الحكومات الأوروبية. وكانت توقعات الكرملين مماثلة خلال بداية حربه في أوكرانيا، حيث شجع بوتين الجيش الأوكراني على الإطاحة بـ”المجلس العسكري المناهض لروسيا”.

5