التشكيلي المصري عمر الفيومي: أرسم الألم في الناس

مجهول
الأحد 2017/11/19
عمل يعكس صورة ذهنية للإنسان المعاصر

يرفض التشكيلي المصري عمر الفيومي الوصول إلى أفكاره بطريقة سهلة تصل إلى الجمهور من الوهلة الأولى، وتغلب الجماعية على لوحاته لتقترب من الشكل المسرحي، كاشفًا خبايا كل شخص من شخوصها على الوجوه.

في معرضه الذي افتتح بجاليري العاصمة بالزمالك في وسط القاهرة يوم 5 نوفمبر الجاري ويستمر حتى نهايته، ويحمل عنوان “الساحر”، يقدم الفيومي 25 لوحة، يحاول من خلالها تقديم فكرة ظاهرية حول خداع الساحر لأعين المشاهدين ليرون الخداع والتضليل البصري وكأنه حقيقة، لأن باطن الأعمال تركز على الكآبة التي تعيشها البشرية والشر الداخلي الدفين في كل منا.

يُسقط الفيومي المولود في 1957 والمتخرج في كلية الفنون الجميلة بالقاهرة، انطباعات شيطانية على البشر في لوحاته، عن الساحر الذي استمر في رسمها قرابة خمس سنوات، ففي اعتقاده أن الغالبية العظمي يحملون وجوها مزيفة.. يتسم ملبسهم بالوقار والأناقة، إلا أنهم يخبئون نواقص النفس البشرية وأكثر طبائعها سوءًا.

وقال الفيومي، لـ”العرب” على هامش معرضه، إنه في فترات الانحلال والضعف تظهر على السطح الصفات السيئة للبشر ويصبح الشر سيد الموقف ويصير التضليل والإيهام أمرا طبيعيا، والفترة التي يعيشها العالم حاليًا أصبح فيها التضليل هو الأصل.

عمر الفيومي: يقلل من مساحة القبح الشيطانية في لوحاته، لتبدو نسخا عصرية جديدة من أعمال الفنان الإيطالي ساندرو بوتيشيلي

ولا يعبأ الفنان كثيرًا برواج أعماله وبيعها للجمهور، ففي وجهة نظره فإن المطلب الأساسي للعمل الفني هو أن يصل للجمهور وليس التجارة، مضيفًا “أنا أرسم لأعبّر عما يحدث حولي وما أراه من متغيرات في العالم، وﻻ يعنيني المكسب المادي في الأساس. ويعيب البعض على الفيومي أنه يرصد الشر في الآدميين بصورة شديدة السوداوية والكآبة، إلا أنه يرى أن الحقيقة عادة ما تكون مؤلمة قائلاً “أرسم للناس التي تحمل بين أضلعها قلوبا تحس بالآلام، أما الآخرون فهم أساسا لن يأتوا ليشاهدوا أعمالي ولهم اهتماماتهم الأخرى.. لقد حاولت أن أرسم بطريقه غير منفّرة حتى يهتم بها المشاهد ويقف أمام العمل ويتأمله”.

ويقدم الفيومي صورة ذهنية لإنسان العصر الحالي مشابهة تمامًا للانطباعات الدائمة عن الشيطان بقرنيه ولونه الأحمر، لكنه يقلل من مساحة القبح الشيطانية في لوحاته، لتبدو لوحاته نسخا عصرية جديدة من أعمال الفنان الإيطالي ساندرو بوتيشيلي وانطباعات الشاعر دانتي أليغيري عن الجحيم ومنازله.

للفنان التشكيلي، الذي تخرج أيضا في أكاديمية الفنون الجميلة “ريبن” بروسيا عام 1991، اتجاه لتوزيع شخوص لوحاته وإكسابهم مستويات وأبعاد لونية متباينة، لتضم اللوحة الواحدة ألوانًا متجاورة من الساخن والبارد دون تضارب بصري بين درجاتها لتتسم لوحاته بسمات الجداريات ربما لسيطرة تخصصه القديم التصوير الجداري على ريشته.

وتعتبر الجداريات أسهل وسيلة يمكن للفنان من خلالها أن يشارك مجتمعه وشعبه همومهم ومشاعرهم ويحيي معهم المناسبات التي يهتمون بإحيائها، كما تعطي فنانها مساحة أكبر من حدود اللوحة إذ تضم قطعة من الأعمال الفنية المرسومة أو المطبقة مباشرة على الجدار أو السقف أو غيرها من الأسطح الكبيرة الدائمة.

وتجبر الجداريات الرسام على اختيار لوحات ذات مقاسات مختلفة لتتماشي مع طبيعة الجدار، لتأتي بعض اللوحات في أحجام صغيرة للغاية لا تتعدى 10 سنتيمترات عرضًا وطولاً، بينما تزيد أطوال أخرى عن المترين (200 سنتم)، بجانب تنويع الخامات والألوان بين الزيت والإكليرك والقماش والورق والكارتون.

وللوجه طبيعة خاصة في أعمال الفيومي، إذ يعتبرها بوابة الدخول لعالم البشر، وتحدد أشكالهم الخارجية بصماتهم ومكنوناتهم النفسية وتضم شفرات الشخوص المركبة والمعقدة، كما تحدد مواطن العطب والسلوكيات المنبوذة، بينما يعتبر العين “مرآة الروح” ومن خلالها يمكن الحكم على طبيعية التفكير.

الدواخل الغامضة تطفح على الوجوه وتظهر في الرؤوس

ولذلك طمس في معظم الأعمال بمعرضه “الساحر” الأعين فأصبحت غير واضحة وضبابية، لأن البشر غير واضحين وبعيدين عن الفهم.

ويقول الفيومي إنه “يرسم ما يخطر على باله بالطريقة التي يعبّر عمّا يدور بداخله وغير منشغل بفكرة التوجه رغم احتسابه على المدرسة التعبيرية العفوية، فهو يكره فكرة المدارس من الأساس”.

ويرى أن هناك فنانين ينتمون لمدارس وطريق وانتماءات متباينة لكن المحك الرئيسي هو جودة العمل وليس التصنيف.

المرأة عند الفيومي ذات ملامح قديمة تتسم بالاتساع والثبت والحدة يحيط بجوانبها الأسود وعميقة المخزون الشعوري، شبيهة بأعين فلاحي الفيوم موطنه الأصلي قبل الانتقال إلى القاهرة، إلا انه أعطاها مزيدا من الاتساع في أعماله لتتماشي مع صورة ذهنية قديمة في الريف عن الجنيات بأنهن واسعات العيون طويلات الشعر.

وتسيطر الجماعية على الكثير من أعمال الفيومي، وينقل اللوحة إلى شكل مسرحي كامل لتجمع أربع أو خمس شخوص دفعة واحدة، شارحًا الحالة النفسية لكل منها ونمط العلاقات التي تجمعها مستغلاً انطباعات الوجوه كبديل عن الكلمات، حتى القرون التي يشير باستخدامها للشيطان جسّدها في أوضاع وبأعداد مختلفة لتجمع بعض اللوحات رأسا بثلاث قرون، ما بين جانبي الرأس أو أحد الجوانب والوسط في محاولة لإلصاق بعد للبشر أكثر شيطانية من الشيطان نفسه.

تبدو التشاؤمية الظاهرة في لوحات الفيومي متسقة مع رؤيته الذاتية لعالم البشر اليوم ورؤيته للمستقبل، والتي يلخصها بمقولة واحدة “نعيش في عالم سيء.. من يمتلك القدرة على إنسان سيلتهمه.. نحن نعيش في عالم صعب”.

14