التشاؤم يسود تونس بعد عقد من الإطاحة بنظام بن علي

تونس - مرت عشر سنوات على الإطاحة بنظام الرئيس زين العابدين بن علي دون أن يتحقق الشيء الكثير للتونسيين، الذين يرون أن حصيلة هذا التغيير تكاد تكون صفرية، في ظل أزمات مالية واقتصادية واجتماعية تعمقها التجاذبات السياسية.
ولئن يرى البعض أن هذا الوضع طبيعي في ظل مخاض انتقالي تمر به البلاد، يبدي غالبية التونسيين تحسرا على عهد مضى، خصوصا أنه لا تلوح في الأفق أي مؤشرات على تحسن الأوضاع.
ويقول الكثير من التونسيين إنهم لم يجنوا من هذه الثورة سوى حرية التعبير التي باتت مهددة هي الأخرى، فيما يسود الشلل باقي المجالات، والذي يحملون مسؤوليته إلى النخبة السياسية التي تولت الحكم خلال السنوات الماضية، وإلى نظام سياسي أدى إلى ضرب مركزية القرار، وهو ما انعكس في صراع الصلاحيات القائم بين الرئاسات الثلاث (الحكومة والبرلمان ورئاسة الجمهورية).
وتبرز اليوم دعوات إلى تغيير هذا النظام، الذي شرعن للمحاصصات السياسية والحزبية، وبات العديد من التونسيين يرون الحل في إعادة العمل بالنظام الرئاسي وتعاضدهم في ذلك العديد من القوى السياسية على غرار الحزب الدستوري الحر بقيادة المحامية عبير موسي التي تناهض الإسلاميين.
وبدا جزء كبير من الشارع التونسي متبرما من سياسة كبرى الأحزاب على الساحة وهي حركة النهضة الإسلامية التي هيمنت على المشهد بالإشتراك مع قوى سياسية، ورعت معظم الحكومات التي تشكلت على مدار السنوات العشر الماضية وآخرها حكومة هشام المشيشي الحالية.
ويسود جو من الإحباط في تونس خصوصا في ما يتعلق بالمطالب الاجتماعية التي لم تجد لها الحكومات المتعاقبة حلولا منذ عشر سنوات على وفاة محمد البوعزيزي، بائع الخضار المتجول الذي أضرم النار في جسده احتجاجا على الوضع المعيشي ومضايقات الشرطة في مدينة سيدي بوزيد المهمشة في 17 ديسمبر 2010.
ولم تتغير حال البلاد كثيرا على الصعيد الاقتصادي، ولا تزال نسبة البطالة مرتفعة في صفوف الذين خرجوا للاحتجاج في 2011 للمطالبة بفرص عمل.
وترتفع نسبة البطالة لدى الشباب إلى 35 في المئة، كما أن 30 في المئة من المتخرجين من الجامعات عاطلون عن العمل.
ويقول الكاتب والصحافي زياد كريشان "لم نمرّ من الانتقال الديمقراطي إلى الانتقال الاقتصادي"، مضيفا "سعت الحكومات المتعاقبة إلى شراء السلم الاجتماعي دون أن تكون لها سياسات تنموية واقتصادية واندماج اجتماعي طويل المدى".
وزاد التوظيف الحكومي بنسبة 50 في المئة ما بين 2010 و2017 وارتفعت الرواتب، ولكن وفقا لكريشان، "لم يكن ذلك كافيا لتلبية المطالب الكبيرة" ولم يمكّن من "إدماج الطبقات الأكثر تهميشا".
وينتقد آخرون "المحسوبية" بين الدولة وعائلات تستحوذ على القطاعات الاقتصادية الكبرى في البلاد، على حساب طبقات اجتماعية أخرى.
كما أن تغلغل العديد من هذه العائلات في قطاع البنوك يعقد وصول المستثمرين، الذين لا ينتمون إلى هذه الشبكات، إلى التمويلات.
وقلبت كوابيس كورونا موازين السياحة التونسية في أعقاب إجراءات عالمية مشددة على حركة السفر وأنشطة المطارات، إذ تراجعت عائدات السياحة بنسبة 65.1 في المئة خلال 2020.
وقال البنك المركزي التونسي في إحصاء رسمي، قبل أيام، إن عائدات القطاع السياحي في تونس تراجعت إلى 1.96 مليار دينار (727.6 مليون دولار)، نزولا من 5.62 مليار دينار (2.08 مليار دولار) في 2019.
والسياحة في تونس من أبرز مصادر النقد الأجنبي الواردة إلى البلاد، وتشكل حصة رئيسة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، الذي يواجه منذ عقد تحديات سياسية واقتصادية واستثمارية.
وأظهرت بيانات المركزي التونسي أن حجم الأصول الاحتياطية الأجنبية بلغ 23.1 مليار دينار (8.58 مليار دولار)، مقابل 19.1 مليار دينار (7.10 مليار دولار) تعادل 109 أيام توريد، في أول أسبوع من 2020.
وتتوقع الحكومة التونسية انكماش الاقتصاد بنسبة 7.3 في المئة في كامل 2020، مقابل توقعات في قانون المالية بداية العام بتسجيل نمو بنسبة 2.7 في المئة.
وينتقد العديد من التونسيين فشل الحكومة في التعاطي مع وباء كورونا، فقد زادت سرعة تفشي الفايروس ضمن الموجة الثانية من الوباء التي تجتاح البلاد، إلى مستويات مقلقة مع تخطي معدل الحصيلة اليومية خلال الأسبوع الأخير حاجز 2500 إصابة يومية لتبلغ الاثنين مستوى قياسيا جديدا.
ووصف عضو لجنة مكافحة كورونا ومدير معهد باستور في تونس الهاشمي الوزير اليوم الوضع الوبائي بالبلاد بـ"الدقيق جدا" في ظل الضغط الكبير على أقسام الإنعاش في المستشفيات.
وقال الهاشمي إن أعضاء اللجنة العلمية سيجتمعون لتقييم الوضع والتقدم بمقترحات إلى الحكومة لكسر حلقات العدوى وسرعة تفشي الفايروس.
وكان الرئيس قيس سعيد قد دعا إلى فرض إغلاق جزئي في المناطق التي تشهد عدوى سريعة. وتفرض تونس منذ أشهر حظر تجول أثناء الليل ومنعت التنقل بين الولايات، لكن القرارات لا تحترم بشكل كاف.
وحتى الآن لا يُعرف الموعد الرسمي لبدء حملة التطعيم في تونس، مما يعزز المخاوف من عدم قدرة البلاد على التعامل مع الوباء.