التسوية الودية.. الجزائر تختار أقصر الطرق لاسترجاع الأموال المنهوبة

استعادة 20 مليار دولار تظل بعيدة عن طموحات الشارع الجزائري قياسا بحجم الأموال المنهوبة المقدرة بنحو 300 مليار دولار.
الجمعة 2025/06/27
بحاجة إلى هذه الأموال

الجزائر- يدرس البرلمان الجزائري نصا تشريعيا يرسي قواعد التسوية الودية بين القضاء والضالعين في ملفات الفساد وتبديد المال العام، وهي الخطوة التي ظلت مستبعدة من طرف سلطات البلاد طيلة السنوات الماضية، غير أن تعقيدات استرجاع الأموال المنهوبة، لاسيما المودعة في الخارج، دفعت دوائر القرار إلى اختيار أقصر الطرق عبر مصالحة بين الحكومة ورموز الفساد.

وسبق لناشطين سياسيين، على غرار الرئيس السابق لحزب جبهة المستقبل ومرشح انتخابات الرئاسة التي جرت في العام 2019 بلعيد عبدالعزيز أن رافع لصالح تسوية ودية بين الطرفين من أجل تسهيل وتسريع عودة الأموال المنهوبة، ما دام العقاب لا يحقق ذات الغاية، غير أن الطرح لقي مقاومة شديدة من طرف أنصار محاربة الفساد، وعلى رأسهم الرئيس عبدالمجيد تبون الذي صرح في أحد لقاءاته الدورية مع الإعلام المحلي بأنه “لا يمكن السير خارج إرادة الشعب الجزائري،” في إشارة إلى انتفاضة الحراك الشعبي التي طالبت بالقصاص من الفاسدين ورموز الفساد.

البند 99 مكرر من قانون الإجراءات الجزائية الجديد أكثر جدوى من العقوبات الأخرى التي قد تسلط على الشخص المعنوي

ويقترح النص التشريعي إمكانية عقد اتفاقية بين ممثل السلطة القضائية (وكيل الجمهورية) والشخص المعنوي الممثل للمؤسسة المتهمة، لتأجيل المتابعة القضائية، من أجل تحقيق تعاون ثنائي بين الطرفين، ينتهي إلى إحاطة المعني بحريته مقابل إعادة الأموال المنهوبة.

وتذكر تقارير محلية أن “آلية التسوية الودية أدرجت لأول مرة في التشريع الجزائري عبر قانون الإجراءات الجزائية وبأدوات قانونية وعملية تتيح للسلطات العمومية إمكانية حماية المال العام واسترجاع ما يمكن من الأموال المهربة، وفي الوقت نفسه الحفاظ على الشركات المتورط أصحابها في أفعال مخالفة للتشريع“.

ولفتت إلى أن “الإجراء الجاري التصديق عليه على مستوى البرلمان، يشكل تطورا لافتا في المنظومة التشريعية الوطنية لاسترجاع الأموال المنهوبة، حيث تمد الدولة يدها عبره للمتعاملين الذين أساؤوا استعمال السلطة وصلاحياتهم وانتهكوا التشريعات الوطنية في مجال حركة الأموال أو تضخيم الفواتير لتسوية أوضاعهم دون اللجوء إلى المحاكمة، ربحا للوقت والمال والجهد والطاقة وحل القضايا بعيدا عن التشهير الإعلامي والسياسي الذي شوّه صورة البلاد ومناخ الاستثمار فيها“.

ويقترح مشروع القانون إمكانية عقد اتفاقية بين وكيل الجمهورية والشخص المعنوي لتأجيل المتابعة القضائية، ما يشجعه على التعاون مع التحقيقات وتقديم الأموال والممتلكات المسترجعة، ويسهم في استرجاع المبالغ، في إطار تسوية القضايا الجزائية المتعلقة بالأشخاص المعنويين بطريقة سريعة وفعالة، مع ضمان استرجاع الأموال والممتلكات والعائدات المتصرف فيها أو المحولة خارج التراب الوطني أو ما يمثل قيمتها ودفع كامل المبالغ المستحقة للخزينة العمومية والأطراف العمومية المتضررة من الجرائم المنسوبة إليه، من أجل المصلحة العامة من خلال تجنب المحاكمات الطويلة، مع الحفاظ على العدالة وحماية حقوق الخزينة العمومية.

ومنذ سقوط نظام الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة في أبريل 2019، يتواجد العشرات من رجال المال والأعمال، الذين كانوا يشكلون الذراع المالية والاقتصادية للسلطة، في السجون في حين يلوذ بعضهم بالفرار، كما تم تأميم المئات من الممتلكات لصالح القطاع العام، غير أن العملية تبقى دون طموحات الشارع الجزائري، قياسا بحجم الأموال المنهوبة خلال العقدين الماضيين، والتي قدرت بنحو 300 مليار دولار.

يتواجد العشرات من رجال المال والأعمال، الذين كانوا يشكلون الذراع المالية والاقتصادية للسلطة، في السجون في حين يلوذ بعضهم بالفرار

وفيما تتحدث بيانات رسمية عن استرجاع ما يقابل 20 مليار دولار من الأموال والعقارات والمصانع والورشات، إلا أن تعقيدات مركبة حالت دون استرجاع الأموال المودعة في الخارج، فرغم الخطوات التي باشرتها الجهات المختصة منذ سنوات، إلا أن المسألة تبقى بعيدة جدا عن التوقعات والوعود السياسية، الأمر الذي يكون قد رجّح مقاربة التسوية الودية لاختصار الطريق نحو استعادة الأموال المنهوبة.

وكان محامون يرافعون لصالح رجل الأعمال المسجون علي حداد قد تحدثوا سابقا عن اقتراحه مقايضة حريته بالممتلكات التي بحوزته، لكن المقترح لقي رفضا بسبب هيمنة الخطاب السياسي المتمسك بمحاربة الفساد ورموزه، وتكون صياغة المقترح بشكل جديد الآن خطوة ترضي الجميع، بحسب توقعات مصادر من بعض المحامين وعائلات رجال المال المسجونين.

وأفاد متابعون للملف، بأن البند 99 مكرر من قانون الإجراءات الجزائية الجديد يتيح إرجاء المتابعة ويوفر الوقت الذي قد يستغرقه التحقيق القضائي وتحصيل حقوق الخزينة والأطراف العمومية المتضررة، ويكون أكثر جدوى من العقوبات الأخرى التي قد تسلط على الشخص المعنوي.

وحسب البند المذكور، فإنه يتوجب على المستفيدين من إجراء التسوية الودية دفع غرامة مالية لا يتجاوز مبلغها 30 في المئة من متوسط رقم الأعمال السنوي للسنوات الثلاث الأخيرة، كما أبقى على أدوات تتيح حماية المال العمومي باستئناف المتابعة القانونية في حق المتورطين الذين لم يظهروا حسن نية في الالتزام بالتسوية الودية.

1