التسوية القضائية مقدمة لإنقاذ المؤسسات الإعلامية المصادرة في تونس أم تصفيتها

الدولة لا يبدو أنها مستعدة حاليا لضخ أموال في المؤسسات الإعلامية المصادرة "الخاسرة".
السبت 2022/10/08
فوضى غير مسبوقة

تونس - أعلنت النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين والجامعة العامة للإعلام (التابعة للاتحاد العام التونسي للشغل)، الأربعاء الخامس من أكتوبر عن الدخول في تحركات احتجاجية، تنطلق عبر تنفيذ وقفة احتجاجية بساحة الحكومة بالقصبة، رفضا لقرار لجنة التصرف في الأملاك المصادرة بعرض “دار الصباح” وإذاعة “شمس.أف.أم” على التسوية القضائية.

والمؤسسات الإعلامية المصادرة هي التي كانت على ملك أقرباء الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي وأعضاء مقربين من نظامه، صادرتها الدولة إلى جانب باقي أملاكهم. ويعتبر ملف الإعلام المصادر تحديا للحكومة، بعد أن فشلت الحكومات المتعاقبة في حله.

وتعتبر “دار الصباح” من أعرق المؤسسات الإعلامية التونسية، إذ يعود تاريخ تأسيسها إلى سنة 1953 وتصدر ثلاث صحف، اثنتيْن يوميّتيْن وواحدة أسبوعية، وتعاني من فوضى. كما تعاني المؤسسات الإعلامية الأخرى المصادرة من تردي الأوضاع الاجتماعية والإدارية والمالية مما يشكّل تهديدًا لوجودها.

وطالبت نقابتا الإعلام، رئاسة الجمهورية والحكومة بالاستجابة لعقد لقاء للنظر في وضعية المؤسسات الإعلامية المصادرة، وهي: “دار الصباح، و“سنيب لابراس” و“شمس.أف.أم” و“كاكتوس برود” وعبّرتا عن استعدادهما للتصعيد و”خوض كل الأشكال النضالية دفاعًا عن ديمومة هذه المؤسسات”.

أميرة محمد: في صورة عدم تفاعل الحكومة، يمكن الذهاب إلى مقاطعة تغطية الانتخابات التشريعية القادمة

ويقول صحافيون إن المؤسسات المصادرة دفعت ثمن عدم التموقع السياسي واختيار نهج الحياد رغم العروض، في ظل التجاذبات السياسية بعد ثورة 14 يناير 2011 وإقحام ملف الإعلام في المصالح الحزبية ورغبة كل طرف في السيطرة على هذه المؤسسات لخدمة أجنداته السياسية.

ولا يبدو أن الدولة مستعدة حاليا لضخ أموال في المؤسسات الإعلامية المصادرة “الخاسرة”، خاصة وأن مؤسسة التلفزيون العمومي بقناتيها “الوطنية الأولى والثانية” تمثل عبئا ثقيلا على كاهل الدولة، إذ تشغل أكثر من 1300 عنصر بين منتجين ومحررين وفنيين وإداريين (بينهم 112 فقط يعملون في قسم الأخبار)، بينما لا يتطلب سير المرفق كل هذا العدد.كما يُسبب الإنفاق على المحطات الإذاعية العمومية (أكثر من 14 إذاعة) تكاليف باهظة جدا، إضافة إلى أنها عالة على الدولة، فالدولة هي التي تتكفل بدفع رواتب العاملين في تلك الإذاعات، والتي تُقدر بأكثر من 14 مليون دينار.

وأكدت نائبة رئيس نقابة الصحافيين التونسيين، أميرة محمد أنّه “في صورة عدم تفاعل الحكومة، يمكن الذهاب إلى مقاطعة تغطية الانتخابات التشريعية القادمة”.

واستنكرت أميرة محمد التوجه نحو إغلاق المؤسسات المصادرة بقرار سياسي لا اقتصادي، وقالت “لا توجد ضمانات تتعلق باستمرار عمل المؤسسات الإعلامية في الوضع الحالي، كما لا ضمانات من أن التسوية القضائية ستذهب في الإنقاذ بدل التصفية، ولهذا نطالب بلقاء عاجل لعرض الحلول”.

وأقر العضو في المكتب التنفيذي للنقابة الوطنية للصحافيين وجيه الوافي بوجود إرادة سياسية لتصفية وسائل الإعلام المصادرة، خاصة كلا من إذاعة “شمس.أف.أم” ودار الصباح “لأنها لم تدخل بيت الطاعة”.

وقال الوافي إن قرار التسوية القضائية لهذه المؤسسات تزامن مع الانتخابات القادمة رغم وجود حلول، مضيفا أن السلطة تريد السيطرة على المؤسسات المصادرة من خلال استغلال أوضاعها المالية لتركيعها وتطويعها. وأفاد بأنه سبق الاتفاق مع الحكومات السابقة على إيجاد حلول عبر جدولة الديون المتعلقة بديوان البث والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، مبينا أنه تم الانطلاق في هذه الحلول. وأوضح الوافي أن السلطة تجعل من ديوان البث وصندوق الضمان الاجتماعي رأس حربة ضد المؤسسات المصادرة من أجل تركيعها.

وأبريل 2021 قال الوافي إن قيمة الديون المتوجّب على “الصباح” دفعها للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وللعديد من المزودين الذين تتعامل معهم تجاوزت 21 مليون دينار (7 ملايين دولار).

المؤسسات الإعلامية المصادرة دفعت ثمن اختيار نهج الحياد في ظل التجاذبات السياسية بعد ثورة 14 يناير 2011

من جانبها، قالت الهيئة المديرة للجامعة التونسية لمديري الصحف إنه تم اللجوء إلى مثل هذه القرارات “في حين أنّ الجميع بما فيها الحكومة يعلم بوجود حلول عملية كفيلة بضمان ديمومة المؤسسات بل وتطويرها والمحافظة عليها”.

وذكّرت بتوافقها التام مع الجامعة العامة للإعلام والنقابة الوطنية للصحافيين حول ثلاثة مطالب رئيسية تتعطل الاستجابة لها خاصة في وزارتي المالية وتكنولوجيات الاتصال وهي تفعيل منصة الاشتراكات الرقمية والتمديد في امتياز تكفل الدولة بمساهمة الأعراف في النظام القانوني للضمان الاجتماعي، إضافة إلى مشروع وكالة حوكمة التصرف في أموال الإشهار والاشتراكات العمومية.

وأكد كل من فرع النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين والنقابة الأساسية بـ”دار الصباح”، رفض قرار لجنة التصرف في الأملاك المصادرة، بعرض “دار الصباح” على التسوية القضائية.

ودعت الهياكل المهنية، إلى “عدم المصادقة على قرار لجنة التصرف في الأملاك المصادرة بعرض المؤسسة على التسوية القضائية، وتشريك الأطراف النقابية في تحديد مصيرها”، معتبرة أن هذا القرار الخطير يهدد مستقبل “دار الصباح”. كما دعت إلى “القطع مع الحلول الترقيعية، ووضع برنامج إصلاح هيكلي فعلي لإنقاذ المؤسسة” و”محاسبة كل من أساء التصرف في تسيير وإدارة المؤسسة”.

وكان صحافيو إذاعة “شمس أف أم”، أعلنوا  بدورهم الاثنين رفضهم القاطع لقرار لجنة التصرف في الأملاك المصادرة المتعلق بعرض هذه الإذاعة على التسوية القضائية، والذي لم تحسم فيه بعد رئاسة الحكومة، واعتبروه “قرارا مفاجئا، أحادي الجانب ولم يراع مكانة المؤسسة في الساحة الإعلامية ومواطن الشغل فيها”.

وعبر بيان صادر عن اجتماع عام عقده الاثنين فرع نقابة الصحافيين بإذاعة “شمس.أف.أم” عن استغراب الصحافيين التام إزاء “عدم محاسبة من ساهم بصفة مباشرة أو غير مباشرة، في الوضعية المالية الصعبة التي وصلت إليها الإذاعة وتحميلهم المسؤولية”.

16