التزكيات تعيق التونسيين بالخارج عن الترشح للانتخابات التشريعية

فاروق بوعسكر: على الطبقة السياسية معالجة مشاكلها بعيدا عن هيئة الانتخابات.
السبت 2022/10/22
بعد الاستفتاء.. هيئة الانتخابات أمام تحدي إنجاح الانتخابات التشريعية

شكلت التزكيات التي أقرها القانون الانتخابي الجديد في تونس معضلة حقيقية، لاسيما بالنسبة إلى الدوائر الانتخابية في الخارج، حيث لم يتقدم أي من المترشحين إلى نصف هذه الدوائر، الأمر الذي قد يقود إلى إجراء انتخابات جزئية بعد الانتهاء من الانتخابات التشريعية.

تونس - أقرت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس بوجود بعض الصعوبات التي أفرزها القانون الانتخابي، لاسيما في علاقة بالدوائر الانتخابية في الخارج، حيث لم يتم تسجيل حتى الآن أي ترشحات في خمس دوائر من مجمل عشر دوائر في الخارج.

وبدأت هيئة الانتخابات في تونس الاثنين قبول طلبات الترشّح للانتخابات البرلمانية المقرر إجرؤها في السابع عشر من ديسمبر المقبل، على أن تغلق باب الترشحات في الرابع والعشرين من الشهر الحالي.

وبدا الإقبال على الترشح للاستحقاق الانتخابي ضعيفا نسبيا، حيث لم يتجاوز حتى يوم الجمعة حاجز 500 مرشح، فيما ربط كثيرون أسباب ذلك بالشروط التي تضمنها القانون الانتخابي، وتحديدا مسألة التزكيات.

محمد التليلي: لم يتم تسجيل أي ترشحات في خمس دوائر في الخارج
محمد التليلي: لم يتم تسجيل أي ترشحات في خمس دوائر في الخارج

وأصدر الرئيس التونسي قيس سعيّد في يوليو الماضي قانونا انتخابيا جديدا أثار جدلا واسعا على الساحة السياسية، لاسيما وأنه يقوم على اعتماد نظام التصويت على الأفراد، بدل القوائم كما هو الحال بالنسبة للقانون السابق.

ويقول الراغبون في المشاركة في الانتخابات التشريعية، بينهم موالون للرئيس سعيّد، إن المشكلة الأكبر التي يثيرها هذا القانون تبقى اشتراط حصول المرشح على 400 تزكية نصفها من النساء، وهي عملية صعبة في الداخل، وتبدو شبه مستحيلة في الخارج.

وأكد عضو الهيئة العليا المستقلة للانتخابات وناطقها الرسمي محمد التليلي منصري، خلال زيارة ميدانية الجمعة إلى أحد مراكز قبول الترشحات للانتخابات التشريعية في محافظة قبلي جنوب البلاد، أن الإشكال الأساسي الذي تم تسجيله في الترشح للانتخابات التشريعية يتعلق بالدوائر الانتخابية بالخارج، حيث تم إلى حد الآن تسجيل عدد من الترشحات بخمس دوائر انتخابية فقط من بين أصل عشر دوائر بالخارج.

وأضاف منصري أن من الناحية النظرية، من الممكن تسجيل عدم الترشح ببعض هذه الدوائر، وهو ما يقتضي من الهيئة العليا المستقلة للانتخابات إجراء انتخابات جزئية بهذه الدوائر، بعد الإعلان عن النتائج النهائية للانتخابات التشريعية.

ولفت الناطق باسم الهيئة المستقلة إلى أن فرض 400 تزكية بالخارج كان مصدر تخوف بالنسبة للهيئة، وهو ما حصل إلى حد الآن، وفق تعبيره.

وأوضح منصري أن البعد الجغرافي، ناهيك عن وجود بعض الدوائر في بعض الدول الأفريقية لا يمكن لأفراد الجالية التواصل فيما بينهم بها، يجعلان من الصعوبة بمكان الحصول على تزكيات، معربا عن أمله في أن تشهد الأيام المتبقية من المرحلة الثانية من المسار الانتخابي تقدما، على الأقل، مرشح بكل دائرة من هذه الدوائر الخمس.

ولا تنحصر مشكلة التزكيات فقط في الخارج، بل وأيضا في الداخل حيث يجد الراغبون في المشاركة في الاستحقاق صعوبة في تحصيل العدد المطلوب، وقد تحولت التزكيات خلال الأيام الماضية إلى سوق رائجة للبعض، الذين يملكون القدرة المالية لشراء دعم الناخبين.

القانون الانتخابيي الجديد يشترط حصول المرشح على 400 تزكية نصفها من النساء
القانون الانتخابيي الجديد يشترط حصول المرشح على 400 تزكية نصفها من النساء

ودفع ذلك الرئيس سعيّد إلى الخروج والتحذير من ظاهرة التلاعب بالتزكيات لانتخاب أعضاء مجلس النواب وتفشي “المال الفاسد”، وأشار إلى أن “الواجب الوطني” يقتضي الحد من هذه الظاهرة إذا كان التشريع الحالي لم يحقق أهدافه.

وكان البعض يأمل في أن تكون تصريحات سعيّد مقدمة لتعديل هذا البند المثير للجدل وحذفه، لكن لا يبدو أنه سيتجه إلى ذلك، خصوصا وأن غلق باب الترشح للاستحقاق التشريعي لم يعد يفصل عنه سوى يومين.

ويقول مراقبون إن الحديث عن تعديل الآن في القانون الانتخابي لا يبدو منطقيا، وسيضع الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في وضع محرج، لافتين إلى أن من المنتظر أن تجري هذه الخطوة في وقت لاحق، قبل وقت كاف من إجراء الاستحقاقات الانتخابية الأخرى.

مشكلة التزكيات لا تنحصر فقط في الخارج، بل وأيضا في الداخل حيث يجد الراغبون في المشاركة في الاستحقاق صعوبة في تحصيل العدد المطلوب

ويشير المراقبون إلى أن اهتمامات السلطة السياسية والهيئة العليا المستقلة للانتخابات تنصب اليوم على تمرير الاستحقاق التشريعي بسلاسة، على الرغم من محاولات البعض التشكيك في العملية الانتخابية.

وانتقد فاروق بوعسكر، رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، في تصريحات إعلامية الجمعة، محاولة البعض الزج بالهيئة في التجاذبات السياسية التي تشهدها البلاد منذ انطلاق مسار الخامس والعشرين من يوليو.

وقال بوعسكر إن تونس تمرّ بإحدى أهمّ محطات الانتقال الديمقراطي “وبعد مسار الخامس والعشرين من يوليو نمرّ اليوم إلى مرحلة تركيز مؤسسات جديدة”.

واعتبر أن الانتقادات لأداء عمل الهيئة “فيها الحق والباطل” وأن “هناك طبقة سياسية تحمّل هيئة الانتخابات مسؤولية فشلها، لهذا أطلب منهم أن يتوقفوا عن فعل ذلك وأن يحلوا مشاكلهم بعيدا عنها، لأنها تعمل بنفس الطريقة والاستقلالية، ومن يشكك في ذلك عليه تقديم الدليل”. 

وشدّد على أنّ الهيئة العليا المستقلة للانتخابات هي من أهم المؤسسات الدستورية في البلاد، وهي الضمانة الوحيدة للانتقال الديمقراطي، مستدركا “تمّ اتهامنا سابقا بأننا نخدم كتلا برلمانية وأحزابا، ونفس التهم تروج في مختلف المسارات الانتخابية، واليوم نتهم بأننا نصطف وراء السلطة القائمة”.

وأقرّ فاروق بوعسكر أنّ الوضع السياسي في البلاد محتقن ولا تتحمل مسؤوليته الهيئة، لأنها تضع الصندوق للناخب فقط، وهو من يختار مرشحه.

4