التركيز على المساعدات يضعف مساعي التهدئة بين إسرائيل وحماس

منظمات حقوقية إسرائيلية تندد بانتهاكات منظمة ضد السجناء الفلسطينيين.
الأحد 2024/03/17
استمرار المعارك يعمق الأزمة الإنسانية

اهتمام دولي كبير بإيصال المساعدات حوّل جهود وقف الحرب بين حماس وإسرائيل إلى موضوع ثانوي، وهو أمر مفهوم في ظل الوضع الإنساني الصعب، لكن في المقابل فإن استمرار الحرب سيعني المزيد من الضحايا والنازحين وطلبات المساعدة.

القاهرة/غزة - طغت أخبار المساعدات وكيفية وصولها إلى قطاع غزة، وخاصة مع مبادرة أميركية بإنشاء ميناء، على الحماس الدولي للتهدئة، خاصة أن جزءا من ذلك الحماس كان هدفه تحقيق وقف إطلاق النار ولو مؤقتا لإيصال المساعدات. ولا يغطي حديث المساعدات على فرص التهدئة فقط، ويجد الآلاف من المعتقلين الفلسطينيين الجدد لدى إسرائيل خارج الاهتمام الإعلامي والدبلوماسي وسط تقارير عن عيشهم في ظروفه صعبة.

وفي ظل الاهتمام الدولي بأمر المساعدات وإنقاذ الآلاف من المجاعة مرت مبادرة حماس بشكل هامشي بالرغم من أنها سعت لتقديم تنازلات للقبول بالمبادرة. وكان أهم تنازل أنها تراجعت عن طلبها وقف دائم لإطلاق النار. واقترحت حركة حماس الجمعة اتفاق هدنة من ستة أسابيع يتضمن تبادل رهائن بأسرى فلسطينيين، في موقف عُدّ أكثر مرونة بعد أن كانت تطالب بوقف إطلاق نار نهائي قبل أيّ اتفاق بشأن إطلاق سراح الرهائن المحتجزين في غزة.

وقال قيادي في حماس إن الحركة مستعدة للإفراج عن 42 رهينة إسرائيليين من النساء والأطفال وكبار السن والمرضى، على أن “تفرج إسرائيل عن 20 إلى 30 أسيرا فلسطينيا مقابل كل محتجز إسرائيلي”. وتطالب الحركة بالإفراج عن 30 إلى 50 معتقلا فلسطينيا في مقابل الإفراج عن كل جندي محتجز لديها. وتحدثت عن استعدادها لأول مرة للإفراج عن مجندات.

كذلك، تشمل المرحلة الأولى المقترحة “الانسحاب العسكري من كافة المدن والمناطق المأهولة في قطاع غزة وعودة النازحين بدون قيود وتدفق المساعدات بما لا يقل عن 500 شاحنة يوميا”. وفي ظل الدمار الهائل والحصار وانقطاع الماء والكهرباء، تخشى الأمم المتحدة من مجاعة تعم القطاع ولاسيما في الشمال الذي يصعب الوصول إليه ويعاني من حالات انفلات أمني.

◙ مبادرة حماس بشأن تهدئة جديدة مرت بشكل هامشي رغم التخلي عن أهم مطالبها وهو وقف دائم لإطلاق النار

ويقول السكان في الشمال إنهم ما عادوا يجدون ما يقتاتون عليه بعد أن تمكنوا من البقاء عبر أكل نباتات برية وأعلاف الحيوانات. وينتظر الكثيرون منهم قدوم شاحنات المساعدات وحدثت عدة حوادث إطلاق نار خلال مثل هذه التجمعات أوقعت قتلى وجرحى. وقالت دومينيك ألين من صندوق الأمم المتحدة للسكان بعد زيارة شمال غزة “أفاد الأطباء أنهم ما عادوا يرون أطفالا بالحجم الطبيعي”.

وتصل المساعدات أساسا من مصر عبر معبر رفح في جنوب غزة، بعد إخضاعها لتفتيش إسرائيلي دقيق. لكنها تظل غير كافية على الإطلاق بالنظر إلى الاحتياجات الهائلة للسكان البالغ عددهم 2.4 مليون نسمة. وثمة سباق مع الزمن في محاولة لإيصال المزيد من المساعدات الإنسانية مباشرة إلى شمال القطاع من خلال إلقائها من الجو أو عبر ممر بحري انطلاقا من قبرص.

وبعد ثلاثة أيام من انطلاقها من لارنكا، وصلت سفينة تابعة لمنظمة “أوبن آرمز” الخيرية الإسبانية التي قطرت منصة تحمل 200 طن من المؤن من منظمة “وورلد كيتشن سنترال” إلى شاطئ غزة حيث بنت رصيفا عائما مكنها من إفراغ حمولتها استعدادًا لتوزيعها. وقالت المنظمة غير الحكومية إنها تعد سفينة ثانية في لارنكا تحمل 240 طنًا من المعلبات والحبوب والأرز والزيت والملح إضافة إلى “120 كيلوغراما من التمور الطازجة من الإمارات العربية المتحدة لسكان غزة”.

ولم يهدأ القصف والغارات الإسرائيلية طوال الليلة قبل الماضية. وأعلن الناطق باسم وزارة الصحة التابعة للحركة أشرف القدرة السبت مقتل 36 شخصا في ضربة استهدفت عند السحور منزلًا يؤوي عشرات النازحين من عائلة الطباطيبي وأنسبائهم، بينهم أطفال ونساء حوامل، في مخيم النصيرات في وسط قطاع غزة.

وقال الجيش الإسرائيلي في بيان إنه استهدف مقاتلين لحماس “في منطقة النصيرات بناء على معلومات استخباراتية… ووجهت قوات الجيش طائرة لضرب الإرهابيين”. لكنه قال إن هذه الضربة ليست تلك التي استهدفت منزل العائلة النازحة.

واتهم الإعلام الحكومي التابع لحماس الجيش الإسرائيلي بارتكاب “جريمة مكتملة الأركان” باستهداف “أكثر من 12 منزلًا” خلال الليل وتنفيذ “أكثر من 60 غارة جوية” وقصف مدفعي مكثف على كافة أنحاء القطاع، متحدثا عن اشتباكات. من جهة ثانية، نددت منظمات غير حكومية إسرائيلية بوجود عدد قياسي من المعتقلين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية حيث يواجهون “انتهاكات نُظمية” والتعذيب أحيانا، داعية الأسرة الدولية إلى التحرك.

وتوجه أعضاء في هذه المنظمات إلى جنيف خلال الأسبوع الحالي لإبداء قلقهم أمام الأمم المتحدة من “أزمة” كبيرة في السجون الإسرائيلية حيث قضى تسعة أشخاص منذ السابع من أكتوبر، على ما أفادوا.

وقالت تال شتاينر من اللجنة العامة لمكافحة التعذيب في إسرائيل في مقابلة مع وكالة فرانس برس “نحن قلقون للغاية. نحن أمام أزمة”، مشددة على وجود “نحو عشرة آلاف فلسطيني معتقلين من جانب إسرائيل (..) في زيادة نسبتها 200 في المئة” مقارنة بالسنوات العادية. ولطالما أعربت الأمم المتحدة وأطراف أخرى عن قلقها من ظروف اعتقال الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، إلا أن شتاينر أكدت أن الوضع تدهور كثيرا منذ اندلاع الحرب.

وقالت مريم عازم من “عدالة – المركز القانوني لحماية حقوق الأقلية العربية في إسرائيل”، إنه “خلال الهجوم العسكري في غزة حصلت أزمة داخل منشآت الاعتقال والسجون الإسرائيلية تم تجاهلها”.

وتمكن هذا المركز من توثيق “19 حالة واضحة” من التعذيب داخل نظام السجون الإسرائيلية منذ السابع من أكتوبر بينها عنف جنسي. وأضافت “نرى استخداما نُظميا ومتفشيا للكثير من الأدوات من أجل ارتكاب عمليات تعذيب وإساءة معاملة للفلسطينيين”. ورأت أن هذه الأزمة “تتطلب تدخلا فوريا من الأسرة الدولية”. وذهبت شتاينر في الاتجاه نفسه محذرة من أن “الأزمة مستمرة”، مشددة على أن “ثمة أشخاصا يعانون الآن في الاعتقال وثمة حاجة كبيرة لتدخل عاجل”.

وقالت هيئة إدارة السجون الإسرائيلية لوكالة فرانس برس “كل السجناء يعاملون وفقا للقانون”. وأشار ناطق باسمها إلى أنها “ليست على علم بوجود ادّعاءات” تفيد عكس ذلك لكنه شدّد على أن أيّ شكوى يتقدم بهما سجناء “ستدرس بالكامل من جانب السلطات الرسمية”. وأعربت المنظمات غير الحكومية هذه عن قلقها من الظروف داخل معتقلات عسكرية أوقف فيها أشخاص من قطاع غزة.

وأفادت تقارير بمقتل ما لا يقل عن 27 فلسطينيا في مراكز كهذه منذ أكتوبر، على ما قالت شتاينر مضيفة “هذا غير مسبوق وحاد للغاية”. وقالت إنه يتعذر الوصول إلى هذه المعتقلات ولم يسمح لمنظمتها أو لأيّ صحافي أجنبي بدخول غزة لمقابلة المفرج عنهم.

إلا أن تقارير تستند إلى شهادات موقوفين سابقين في هذه المعتقلات تشير إلى أنها غالبا ما تكون عبارة عن “أقفاص في الهواء الطلق” يكون فيها المعتقلون “موثوقي اليدين ومعصوبي العينين على مدار الساعة". وقال معتقلون سابقون إنهم اضطرّوا إلى النوم على الأرض في المعتقلات في البرد الشديد وتعرضوا للضرب وحرموا من الرعاية الصحية على ما أفادت شتاينر.

3