الترشح لانتخابات الرئاسة يفجر صراعا داخل أقدم الأحزاب المصرية

القاهرة - دخل حزب الوفد المصري متاهة جديدة من الصراعات الداخلية بسبب الانتخابات الرئاسية المقبلة، بعدما أعلن رئيس الحزب عبدالسند يمامة أنه حصل على تصويت أغلبية الهيئة العليا بتسميته مرشحا رئاسيا، فيما ظهر فؤاد بدراوي عضو الهيئة العليا وحفيد فؤاد باشا سراج الدين مؤسس حزب الوفد الجديد للإعلان عن نيته خوض الانتخابات الرئاسية والتشكيك في قانونية ترشح يمامة عن الحزب.
ويتمسك الطرفان بأن كليهما الأجدر بالترشح لانتخابات الرئاسة في موقف يمهد لصراع داخلي يكرس إضعاف أقدم الأحزاب الليبرالية المصرية، بحكم أن كلا من يمامة وبدراوي يتمتع بقاعدة جماهيرية داخل الحزب، وقد تصل الأمور إلى مرحلة يصعب حل الخلافات فيها على المدى القريب.
ويطالب بدراوي، بالاحتكام إلى الجمعية العمومية لحزب الوفد، طالما أن هناك قيادتين لديهما نية الترشح لانتخابات الرئاسة، في حين يرفض يمامة ويتمسك بأن موقفه قانوني، حيث حصل على تأييد أغلبية أعضاء الهيئة العليا للحزب، لكن بدراوي شكك في نزاهة تصويت حدث بشكل ودّي بين رئيس الوفد وممثلي الهيئة العليا للحزب.
وحسب اللوائح الداخلية للوفد، فإن الجمعية العمومية تمثل أعلى سلطة للحزب، ولها أحقية اختيار رئيسه وأعضاء الهيئة العليا وتسمية مرشح الحزب لانتخابات رئاسة الجمهورية، ويصل أعضاء الجمعية لقرابة سبعة آلاف وفدي، يمثلون قيادات الوحدات الحزبية في عموم الجمهورية، وأعضاء الهيئة العليا السابقين والحاليين، والهيئة البرلمانية للحزب، سابقا وحاليا.
ورغم إعلان يمامة أنه مرشح الهيئة العليا للحزب في انتخابات الرئاسة، أصدر فؤاد بدراوي بيانا قال فيه “ترشحت نزولا عند رغبة زملائي وإخوتي من أعضاء الهيئة للوفد الذين تواصلوا معي وطالبوني بأن أكون ممثلا عنهم وباسمهم وتحت راية الوفد في انتخابات رئاسة الجمهورية المقبلة، ورضوخًا لهذه الرغبة وهذه المطالب التي هي تكليف وأمانة في عنقي".
وتحمل الخلافات التي ضربت الحزب الليبرالي الأعرق في البلاد أبعادا تتجاوز فكرة الصراع على تسمية المرشح الرئاسي، وتعكس حقيقة الأوضاع الداخلية داخل الأحزاب المصرية التي يغيب عنها الإطار المؤسسي، وتدار بطريقة تعبر عن شخصنة واضحة حتى باتت المعارضة في نظر الحكومة شعارات لا كيانات.
وقد يدفع عدم تدخل عقلاء الوفد لإنهاء الأزمة الراهنة بالحزب إلى دوامة التجميد النسبي، ما يمثل خسارة فادحة للتيار الليبرالي الحقيقي الذي يعبّر عن صميم الوحدة الوطنية، فلا يجب أن تتعامل قيادات الصف الأول داخل حزب الوفد مع انتخابات الرئاسة باعتبارها نزهة أو رغبة شخصية لتحقيق بطولة سياسية.
ويربط عدد من قيادات الحزب بين المعركة الدائرة حول تسمية المرشح الرئاسي وبين الصورة السياسية السيئة التي وصلت للشارع عن الوفد، واتهامه بأنه سيشارك في انتخابات الرئاسة كمحاولة لتقديم هدية مجانية للنظام في ظل عزم رئيس الحزب عقب إعلان ترشحه للانتخابات أنه مستمر في دعم الرئيس عبدالفتاح السيسي.
وقال حسين منصور نائب رئيس حزب الوفد لـ"العرب" إن الخلافات في وجهات النظر داخل الأحزاب التي لها قواعد شعبية كبيرة، مثل الوفد، لا تعني أنه ينزلق إلى دوامة الصراعات، فالوفد كيان مؤسسي ويستطيع بسهولة أن يلملم أوراقه، لأن الغالبية الوفدية لن تسمح بأن يواجه الحزب خلافات عميقة، وسيتم حل المشكلة بهدوء.
وتشعر النخبة السياسية داخل الوفد بأن الطريقة التي أعلن بها يمامة ترشحه للرئاسة حملت إهانة لتاريخ الحزب وقيمته، ولا بديل عن تصحيحها من خلال الدفع بفؤاد بدراوي ليكون هو المرشح عن الوفد، كونه وفديا وطنيا بامتياز.
اقرأ أيضا:
وشهدت انتخابات رئاسة الجمهورية عام 2018 ترشح رئيس حزب الغد موسى مصطفى موسى أمام السيسي وأعلن تأييده لمنافسه عقب إعلانه الترشح للاستحقاق الرئاسي بعد أن عزفت جميع الأحزاب عن المشاركة، وصار النظام في ورطة حقيقية كون الانتخابات وقتها على مشارف أن تتحول إلى استفتاء رئاسي، لكن دخول موسى أعاد إلى المشهد حيوية نسبية.
ومن غير المتوقع أن يحسم رئيس الوفد معركة الترشح لانتخابات الرئاسة لصالحه، لأن الأغلبية الوفدية من شباب الحزب ترفض وجوده في المشهد الانتخابي، وأصدر شباب الحزب بيانا أعلنوا فيه رفضهم تمثيل يمامة للحزب في الاستحقاق الرئاسي، وطالبوا الهيئة العليا بمناقشة اختيار مرشح آخر لتمثيل الوفد، فيما تعهدوا بأنهم لن يظلوا صامتين أمام هزل بعض السياسيين الذي يمس مؤسسه الأول سعد زغلول.
وأكد منصور لـ”العرب” أن قرار خوض الحزب لانتخابات الرئاسة يخضع للهيئة العليا للوفد، أما إذا كان هناك أكثر من مرشح يرغب في خوض المنافسة يتم اللجوء إلى الجمعية العمومية للحزب، وهذا ما سيحدث بالفعل، لافتا إلى أن الوفد لن يشارك في تصدير صورة سلبية عن المرشح الرئاسي بأنه “كومبارس”، لأن ذلك يكرّس تزييف وعي المواطن ويجعل الانتخابات بلا منافسة أو ممارسة ديمقراطية.
وتعد مشاركة حزب الوفد في انتخابات الرئاسة المقبلة هي المرة الأولى التي يعلن فيها الحزب المنافسة في الاستحقاق الرئاسي منذ ثورة يناير 2011، حيث كانت الهيئة العليا للحزب رفضت عام 2018 ترشح رئيس الحزب الأسبق السيد البدوي أمام الرئيس السيسي.
◙ الانقسام السياسي داخل حزب الوفد يعكس الصورة الحقيقية لنظرة غالبية القوى السياسية لانتخابات الرئاسة واختزالها في أنها لن تخرج عن كونها معركة كلامية
وخاض رئيس حزب الوفد الأسبق نعمان جمعة انتخابات عام 2005 أمام الرئيس الأسبق حسني مبارك وتعامل معها بجدية ومنح الانتخابات حيوية كانت مفقودة. ويعكس الانقسام السياسي داخل حزب الوفد الصورة الحقيقية لنظرة غالبية القوى السياسية لانتخابات الرئاسة، واختزالها في أنها لن تخرج عن كونها معركة كلامية، خالية من المنافسة والبرامج والأفكار.
وتوظف الأحزاب الأجواء السياسية في مصر لصالح تحقيق مكاسب بلا أسس شعبية، وكثيرا ما تشارك في معارك انتخابية لخدمة النظام الحاكم، لكن تظل مشكلة الوفد في أن يمامة يبالغ في الاقتراب من النظام، بما أضر بسمعة الحزب، بغض النظر عمّا يمتلكه من إمكانيات تؤهله لخوض الانتخابات من عدمه.
ويشير متابعون إلى أن التشرذم الحاصل داخل الوفد قد يكون متعمدا أو مدفوعا من قوى أخرى لإنهاك أكثر الأحزاب تماسكا وأقدمية وشعبية لصالح كيانات أخرى سياسية حديثة العهد، لأن استمرار الوفد ولو ارتمى في أحضان الحكومة يعرقل نفاذ أحزاب أخرى حديثة إلى الشارع، بحكم أن حزب الوفد امتلك سمعة وتاريخا وقادة مثل سعد زغلول ومصطفى النحاس وفؤاد سراج الدين، ولا يزال جزءا من هوية مصر.
وحال استمر تخريب الوفد وعدم التدخل لترتيب الأوضاع سريعا فقد يختفي من المشهد أو يتحول إلى أطلال ويصبح كيانا بلا معنى رمزي، ويبتعد عن جذوره التاريخية التي منحته قوة سياسية في مواجهة أحزاب عديدة.