الترجمة من العبرية وإليها.. تطبيع ثقافي أم ضرورة سياسية

سجالات وأقاويل تثيرها دائما القاهرة ضد كل من يقوم بترجمة أعمال أدبية من العبرية إلى العربية، أو من يوافق على ترجمة عمله من العربية إلى العبرية؛ حيث مازال هذا الأفق في مناطق محرمة يقف على أبوابها بالمرصاد معارضون يضعون رقبة من يدخلها تحت سيف “التطبيع” أو نار “التخوين”.
الأحد 2016/05/15
بين التخوين والوطنية

القاهرة – جدّد قيام المترجم الإسرائيلي موشيه حاخام بترجمة رواية “عمارة يعقوبيان” للكاتب المصري علاء الأسواني، الجدل حول الترجمة من العبرية إلى العربية، أو العكس، بين جهات ترى فيها أمرا مرفوضا وأخرى تعتبرها ضرورة وجزءا من الصراع العربي الإسرائيلي.

يطفو النقاش ويخبو بخصوص هذا الموضوع، وينقسم الرأي بشأنه دائما، فهناك معارضون يرون أن الترجمة، من اللغة العبرية إلى العربية، وبالتحديد ترجمة مؤلفات لإسرائيليين، ليست سوى وجه آخر من أوجه التطبيع الثقافي، المرفوض شعبيا؛ وهناك مؤيدون يعتبرونها ضرورة لمعرفة الآخر ويرون أن اتهامات التخوين والتطبيع يجري توجيهها من قبل من يمكن وصفهم بـ”سلفيو القومية العربية”.

ويرى البعض أن ترجمة الأعمال الأدبية من العبرية للعربية أو العكس، لا تختلف عن أيّ ترجمة من لغات أخرى وإليها، ولا علاقة لها بالتطبيع الذي يعني تأييد وجود دولة تسمّى إسرائيل بشكل طبيعي في المحيط العربي.

من هذا الجانب، نجد أنور مغيث الذي لا يمانع في ترجمة أعمال عبرية إلى العربية، وهذا، في رأيه، لا يعد تطبيعا ثقافيا، لأنه لا يترجم الأعمال والنصوص التي تتطلب حقوق ملكية فكرية لمؤلفيها الإسرائيليين وتقتضي التعامل المباشر معهم.

اعرف عدوك

وقال مصطفى علوي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة لـ “العرب”، إن هناك الكثير من مراكز الأبحاث التابعة للأجهزة الأمنية تقوم بترجمة الصحف والدراسات العبرية للتعرف على المجتمع والحياة الإسرائيلية واتجاهات الرأي العام لديهم، في إطار مبدأ “اعرف الآخر”، وتساءل لماذا لم تُثر ضجة على ترجمة كتاب بنيامين نتنياهو الموجود في المكتبات.

كان يُفترض أن تؤدى معاهدة السلام بين إسرائيل ومصر عام 1979 إلى تماس ثقافي، لكن ما حصل هو تمسك بالصيغة الفكرية السابقة على المعاهدة المتمثلة في شعار “اعرف عدوك” الذي أطلقه الرئيس الراحل جمال عبدالناصر بعد هزيمة يونيو 1967.

تمثّلت مهام الشعار أو المشروع في ترجمة الإنتاج الأدبي والفكري والسياسي الإسرائيلي، وكان هناك برنامج إذاعي اسمه “من قلب إسرائيل” يعرّف على أنه نافذة ثقافية لفكر العدو، وكان من بين المشرفين عليه الأديب المصري الراحل أنيس منصور.

من حيثيات البرنامج أن الجهل بإسرائيل ومجتمعها من الأسباب الرئيسية للهزيمة آنذاك أيضا، وقد تم تمرير المشروع دون أن تُلصق بأحد أيامها تهمة التطبيع. لكن التنظير لهول وسوء فكرة التطبيع على المدى الطويل أزاح سياسة الترجمة من منطلق معرفة العدو إلى وجوبية تجاهل التعامل معه، وتحول التطبيع إلى تهمة يطارد من يرتكبها ويوصف بالخائن.

الرفض الشعبي للتطبيع الكامل مع إسرائيل يعتبر عاملا حاكما ومحددا للحكومة المصرية ولسلوكياتها وإجراءاتها

ويذكر من بين الأمثلة على ذلك، الموقف الذي تعرّض له الكاتب المسرحي الراحل علي سالم الذي زار إسرائيل وعاد ورصد تجربته في كتابه “رحلة إلى إسرائيل”، والذي كان سببا في مقاطعته من المجتمع الثقافي المصري، بل وصل الأمر إلى إلغاء عضويته من اتحاد الكتاب.

وثارت، أيضا، جماعة من المثقفين متهمين الشاعرة المصرية إيمان مرسال بالتطبيع، بسبب موافقتها على ترجمة ديوان “جغرافية بديلة” إلى العبرية عن دار النشر الإسرائيلية “الكيبوتس الموحد”؛ كذلك اتخذت نقابة الصحافيين المصرية إجراءات عقابية وتأديبية ضد صحافيين زاروا إسرائيل أو التقوا شخصيات إسرائيلية.

وأحدث جدل أثير في هذا السياق، إلى جانب ترجمة رواية “عمارة يعقوبيان” إلى العبرية، الجدل الذي صاحب مشاركة النسخة العربية لكتاب “ألف ليلة وليلة دوت كوم” للمؤلف الإسرائيلي جاكي حوجي، محلل الشؤون العربية بإذاعة الجيش الإسرائيلي في معرض القاهرة للكتاب بدورته الأخيرة 2016، موجة سخط سياسي وشعبي، ما أدى إلى سحب نسخ الطبعة التي قام بترجمتها عمرو زكريا، الباحث في الشؤون الإسرائيلية، من المعرض. وقد ترجمت إسرائيل 9 روايات لنجيب محفوظ أشهرها “أولاد حارتنا”، وقامت بترجمة لعدد من أعمال توفيق الحكيم ويوسف إدريس ولينين الرملي وعبدالحكيم قاسم وإبراهيم عبدالمجيد وفتحية العسال ونوال السعداوي، وما زالت رواية “عزازيل ” للكاتب يوسف زيدان التي ترجمت للعبرية عام 2009، تجذب القارئ الإسرائيلي وغيرها الكثير من الأعمال الأدبية.

ولم تقتصر الترجمة على الأدب العربي المعاصر، بل تعدتها إلى الكتب القديمة، على غرار أعمال أبونصر محمد الفارابي، وأبوالعلاء المعري، والقزويني، وغيرهم. واهتمت الجامعات العبرية بترجمة الأدب الفلسطيني بالكامل إلى اللغة العبرية ومنها أعمال إيميل حبيبي وغسان كنفاني لدراسة المجتمع الذي يعيشون معه. وفي سنة 1962 أسست إسرائيل معهد ترجمة الأدب العبري الذي قدم الدعم المالي لدور نشر تترجم الأعمال الأدبية بصورة مستقلة.

وأكد قدري حفني، أستاذ علم الاجتماع السياسي والمتخصص في الشؤون الإسرائيلية بجامعة عين شمس، أن التطبيع بين مصر وإسرائيل كان مقتصرا على الجانب الرسمي، وأبعاده الاقتصادية والتعاون في مجالات الزراعة والتكنولوجيا وتصدير الغاز الطبيعي المصري لإسرائيل.

وقال أنور مغيث، رئيس المركز القومي للترجمة في مصر، إن إسرائيل متبنية منذ فترة طويلة، لترجمة الكتب العربية، سواء في الأدب أو العلوم المختلفة وبشكل كبير ضمن استراتيجيتها لفهم العالم العربي والمصري ومشكلاته. وأشار إلى أن ترجمة رواية “عمارة يعقوبيان” للكاتب علاء الأسواني إلى العبرية تمت بعيدا عن التعامل المباشر مع الناشر الإسرائيلي، حيث تمت من خلال إحدى دور النشر الأميركية التي منحت حق ترجمة الرواية للعبرية لدار النشر الإسرائيلية.

وقد ترجم المركز الأعمال العبرية الثقافية القديمة، خاصة في العصور الوسطى مثل أعمال موسى بن ميمون لفهم الثقافة العبرية والديانة اليهودية، وهنا لا يتعامل المجلس مع دور النشر الإسرائيلية لأن ذلك يعد أحد المحاذير الثقافية.

التراجم ضئيلة جدا مقارنة بما يقوم به الجانب الإسرائيليما سيؤدي في المستقبل إلى مخاطر عديدة، منها ترك مجال الترجمة من العبرية إلى العربية قاصرا على الطرف الإسرائيلي

الاختراق الممنوع

ذكر مراقبون أن تلك التراجم ضئيلة جدا مقارنة بما يقوم به الجانب الإسرائيلي، وأن ذلك سيؤدي في المستقبل إلى مخاطر عديدة، منها ترك مجال الترجمة من العبرية إلى العربية قاصرا على الطرف الإسرائيلي الذي سيختار الأعمال التي تخدم فكره وثقافته وتوجهاته. وأكّدوا على أنه يجب الفصل بين التطبيع، بمعنى قراءة أعمال أدبية وفنية، والتطبيع بمعناه السياسي.

ويرى محمد شوقي عبدالعال، أستاذ القانون الدولي بجامعة القاهرة، أنه لا توجد موانع قانونية تجاه تفعيل علاقات التطبيع بين إسرائيل ومصر على كافة المستويات، لكن المزاج العام يرفض ذلك. وأوضح لـ”العرب” أن معاهدة السلام ذاتها تنص على خطوات محددة للتطبيع وبالتالي أيّ شخص يقوم بإجراء الاتصالات مع إسرائيل أو تبادل الخبرات العلمية والبحثية أو ترجمة الأعمال الأدبية والثقافية الإسرائيلية لا تعد انتهاكا قانونيا.

وقال عبد العليم محمد، الباحث المتخصص في الصراع العربي الإسرائيلي، لـ”العرب” رغم تعاون الحكومة المصرية مع مثيلتها الإسرائيلية في عدة مجالات، إلا أن هناك عقبات أمام التطبيع الكامل بينهما، فما زالت تنطبع في الصورة الذهنية للعرب أن إسرائيل خطر يهدد مصر والعرب.

ويعتبر قطاع كبير من المصريين أن الكثير من المشكلات والتحديات التي واجهتهم خاصة بعد ثورتي 25 يناير2011 و30 يونيو 2013 تتحمل إسرائيل وحليفتها الولايات المتحدة جزءا كبيرا منها. لتلك الأسباب يستبعد عبدالعليم محمد أن تثمر المحاولات الإسرائيلية المستمرة للتطبيع الثقافي في إذابة الجليد في ظل الظروف الحالية والأوضاع التي يمر بها العالم العربي واستمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية. وهو ما يظهر في رد الفعل القوي الرافض تجاه الأشخاص أو الشركات أو المؤسسات أو حتى الحكومة المصرية، كما حدث في صفقة الغاز بين مصر وإسرائيل.

ومع أن الحكومة المصرية لا تمانع في التطبيع مع إسرائيل، لكنها في ذات الوقت تغض الطرف عن قيام بعض مؤسساتها برفض التطبيع واتخاذ إجراءات عقابية ضد الأشخاص الذين يقومون بالتواصل مع جهات إسرائيلية.

ويرجع البعض هذا التناقض إلى كون الرفض الشعبي للتطبيع الكامل مع إسرائيل يعتبر عاملا حاكما ومحددا للحكومة المصرية ولسلوكياتها وإجراءاتها. وأكّد عبدالعليم محمد أن النظام المصري لا يمكن أن يخطو خطوات أكثر انفتاحا وعلانية في هذا الاتجاه رغم معاهدة السلام الموقعة ورغم وجود تعاون أمني لمواجهة الإرهاب والتنظيمات الجهادية في سيناء.

4