التربية الكسولة تنشئ أطفالا مستقلين

يوصي خبراء التربية بالاعتماد في تنشئة الأطفال على القاعدة التربوية التي تقول إنه إذا أردت أن يعتمد ابنك على نفسه، فجرب أنت أن تعتمد عليه حتى تعلمه الاعتماد على نفسه، وهو ما يعرف بالتربية الكسولة.ويشير الخبراء إلى أن هذا المنهاج في التربية يجعل الأطفال واثقين من أنفسهم ومعتادين على استخدام ذكائهم في مختلف نواحي الحياة.
لندن - يؤكد خبراء التربية أن تواجد الأمهات في حياة أطفالهن طوال الوقت لا يبني أطفالا صالحين ولا بالغين مستقلين، بل ينتقص من قدراتهم، في حين أن الطريقة التي يراها البعض كسولة والتي لا تضع فيها الأم الكثير من المسؤوليات على عاتقها، تعد الوسيلة المثلى حتى يكتشف الطفل قدراته ويتعلم الاعتماد على النفس.
وقالت أنا بيكوفا، عالمة النفس ومؤلفة العديد من الكتب، إنها أم كسولة، ولا تخجل من الاعتراف بهذا. وأضافت أنها ناجحة، وهي فخورة بلقب “الأم الكسولة” لأنه، بحسب رأيها، تعطي هذه الصفة الولد إمكانية تطوير استقلاليته، مشيرة إلى أنها لا تتكلم عن التمدد على الكنبة طيلة اليوم، ولكن عن أنها لا تريد أن تقوم بكل شيء بنفسها.
وأشارت بيكوفا إلى أنها أحيانا “كسولة جدا” عندما يتعلق الأمر بغسيل الأطباق، ولكنها تسمح لولد عمره سبع سنوات بأن يفعلها فقط لكي يتعلم التناسق في حركاته. ولا يهم كثيرا إذا كان عليها أن تجفف الماء من على الأرض أو تعيد جلي الأطباق عندما لا يكون موجودا.
ويؤكد الخبراء أن الطفل يدخل من خلال التربية الكسولة في أنشطة قد تبدو صعبة أو أكبر من قدراته، وبينما تسعى بعض الأمهات إلى تجنب المواقف التي تضع الطفل في تحديات صعبة، تسعى أخريات إلى تعليم أطفالهن كيفية التغلب بأنفسهن على المأزق، ما يجعلهم واثقين من أنفسهم ومعتادين على استخدام ذكائهم في مختلف نواحي الحياة، كما أن سعادة الطفل بإنجاز مهمة كان يعتقد أنه لن يستطيع إنجازها إلا بمساعدة الكبار، تجعله يميل في ما بعد إلى محاولة إنجاز الكثير من المهام الأخرى وحده.
وحتى يصبح الطفل شخصا ناضجا ومسؤولا ينبغي تعليمه المسؤولية منذ الصغر، وهذا يعني عدم القيام بكل المهام عنه، بل تعليمه أنه يجب عليه أن يكون فردا مشاركا في المهام المنزلية بداية من عمر الثلاث أو الأربع سنوات بحد أقصى.
كما أن الاهتمام بالواجبات المنزلية للطفل ومساعدته في إنجاز مهامه التعليمية يجعلانه شخصا غير منظم ولا يستطيع متابعة أموره الشخصية البسيطة، لذا يتوجب على الطفل أن يقوم بنفسه بمعرفة واجبه المنزلي من المعلم مباشرة وعدم اللجوء إلى “مجموعات الأمهات” لمعرفة واجباته، ويجب أن يكون واعيا بما يحدث حوله ومدركا لما يندرج تحت مسؤوليته.
سعادة الطفل بإنجاز مهمة كان يعتقد أنه لن يستطيع إنجازها لوحده، تجعله يميل في ما بعد إلى محاولة إنجاز الكثير من المهام
ويشير خبراء التربية إلى بعض الخطوات الأساسية تجاه تحقيق هذا النوع من التربية، حيث منذ البداية يمكن ترك الطفل في غرفة واحدة محاطا بالكثير من الأغراض التي يُسمح بأن يستكشفها بأمان، مع ملاحظته طوال الوقت ولكن دون التدخل، سواء بالفعل أو التوجيه.
ويمكن تعليم الطفل المشاركة في المهام المنزلية بصورة تدريجية، ففي البداية عليه إلقاء أغلفة الحلوى في القمامة، ورفع طبقه عن طاولة الطعام، ثم البدء في مساعدة الأهل في غسل الصحون ونشر الغسيل وترتيب المنزل، تمهيدا ليصبح هو المسؤول عن مهام بعينها دون تقديم المساعدة له.
ويكمن نجاح التربية الكسولة في تقبل النتائج التي قد تحدث عندما يتولى الطفل بعض المسؤولية، فربما سيسكب كوب الحليب على الأرض وسيوقع الطعام من الصحن على ملابسه، ولكن يجب تقبل هذه النتائج السلبية بصدر رحب وعدم توبيخ الطفل أو لومه، ومحاولة توجيهه بشكل بسيط لكيفية إتمام الأمر بطريقة صحيحة.
وعندما يكبر الطفل قليلا ويقضي عددا من الساعات بعيدا عن الأهل في المدرسة يجب أن يصبح مستقلا في قضاء الكثير من أموره اليومية، وهنا يجب على الأم أن تعلّم طفلها بصورة مباشرة كيف يستطيع الاعتماد على نفسه، وتعليمه كيفية تحضير دروسه وحقيبة المدرسة دون إشراف من الأهل.
ويرى الخبراء أن التربية الكسولة ليست كسولة حقا، بل هي منهاج مهم في التربية تجعل الطفل يعتمد على نفسه، مشيرين إلى أنه لا تزال هناك مهام عدة ليقوم بها الأهل، فهم المسؤولون أولا وأخيرا عن أطفالهم وعن مراقبتهم طوال الوقت حتى إن لم يتدخلوا لإنقاذ كوب الحليب من السقوط.
ورغم أهمية هذا المسلك في تربية الأطفال فإن الكثيرين لا يزالون لا يعلمون عنه، ويتعاملون مع الأهالي الذين يختارون هذه الطريقة في تربية أبنائهم على أنهم مهملون أو متحجرو القلوب ويعرضّون حياة أطفالهم للخطر، وقد يتدخلون لإنقاذ طفل لا ينتمي إليهم لمجرد أنه كان على وشك السقوط على الأرض من ارتفاع قدم.
ويوصي الخبراء باختيار طريقة التربية الكسولة، إذ يمكن للأطفال أن يستمتعوا بحريتهم ويستكشفوا قدراتهم والعالم من حولهم، وفي نفس الوقت يقوم الأهل بمتابعتهم لحمايتهم من أي خطر مفاجئ.
ويرون أن هذا النهج في التربية لا يهدف إلى تعريض حياة الطفل للخطر بصورة متعمدة، لكنه لا يوجد ضرر بالغ إن تعرض الأطفال للإصابة بكدمة أو جرح سطحي، فعلى الرغم من أن الأمر بالتأكيد مؤلم فإن التجربة ستعلمه ما لن تعلمه لهم الأوامر.
وعندما لا يسمح الأهل لأطفالهم بالدخول في تجارب تتحدى قدراتهم أو إنجاز مهام تبدو ظاهريا صعبة، فهم يحدون من قدرات أبنائهم ولا يسمحون لهم بالتطور الكافي، فيصبح اعتماد الأطفال على والديهم كليا، فلا يستطيعون إنجاز أي من الأمور البسيطة في حياتهم، ويتطور الأمر تدريجيا ليرافقهم حتى بعد أن يصبحوا بالغين.
ولا يقتصر الأمر على ذلك، ولكن قد يؤدي التدخل الدائم للأهل لإنجاز مهام أطفالهم البسيطة إلى شعور الأطفال بأنهم غير مؤهلين وغير جديرين بالثقة.
ويطلب الخبراء من الآباء أن يرفعوا أيديهم عن الأطفال وعن مساعدتهم، وأن يفسحوا لهم المجال ليقضوا شؤونهم بأنفسهم، ويتركوهم لينجزوا بعض أعمالهم بأنفسهم، فيقدموا أوراقهم للمدرسة بأنفسهم، ويكونوا هم معهم بمثابة الصاحب، ويعملوا واجباتهم المدرسية بأنفسهم، ويكونوا هم بمثابة الموجه، وذلك عملا بالقاعدة التربوية التي تقول “إذا أردت أن يعتمد ابنك على نفسه، فجرب أنت أن تعتمد عليه حتى تعلمه الاعتماد على نفسه”.