التربية البطيئة.. أسلوب يعطي الأولوية لعلاقة جيدة بين الطفل ووالديه

التربية البطيئة للأطفال تتيح حرية الاستكشاف وتشجع على النمو العاطفي الصحي.
الاثنين 2025/06/16
شعور بالمسؤولية

لندن - يشير خبراء التربية والمختصون في شؤون الطفل إلى أن التربية البطيئة هي فن تنشئة الطفل بهدوء وثقة في النفس، مؤكدين أنها أسلوب جديد يقوم على التمهل في تربية الأطفال، وتوفير بيئة هادئة تتيح لهم أن ينموا على وتيرتهم.

وتلفت الاختصاصية النفسية آنا ماثور إلى أن التربية البطيئة تعد نهجا يسعى إلى إبطاء وتيرة الحياة اليومية المحمومة، وتعزيز الأبوة والأمومة الواعية من خلال التراجع بعض الخطوات إلى الوراء والتخلي عن ضغط الجدولة الزائدة.

وتقول إن التربية البطيئة تركز على جودة الوقت المخصص للأطفال بدلا من الكم، وتعطي الأولوية للعب غير المنظم مع التركيز على جودة التفاعلات الأسرية والرفاهية العاطفية للأطفال.

ولا تعني التربية البطيئة، وفق الخبراء، التباطؤ أو إهمال الأبناء بقدر ما تعني القيام بكل شيء بالسرعة المناسبة وبشكل متوازن عن طريق تعزيز اللعب الحر الذي يقوده الأطفال دون جداول زمنية صارمة، والسماح لهم بالنمو بوتيرتهم الخاصة والتفاعل بشكل طبيعي مع العالم من حولهم.

التربية البطيئة أسلوب جديد يقوم على التمهل في تربية الأطفال، وتوفير بيئة هادئة تتيح لهم النمو على وتيرتهم

ويعتبر هذا الأسلوب الجديد في التربية أحدث اتجاه يتبعه الآباء والأمهات الشباب في جميع أنحاء العالم كمنهج بديل، يُعيدهم إلى جوهر التربية الحقيقي، بهدف بناء طفل واثق ومتزن وسعيد.

وتركز التربية البطيئة على اللحظة الحالية، حيث تمنح الطفل مساحة ليكون “طفلا”، يعيش طفولته دون استعجال ليتحول إلى “راشد صغير”.

بخلاف أساليب التربية التقليدية التي ترفع من شأن التحصيل الأكاديمي، تُقدر التربية البطيئة التعلم التجريبي والإبداع والمرونة وتمنح الأطفال حرية الاستكشاف وارتكاب الأخطاء، لذلك يعتبر اللعب الحر جزءا لا يتجزأ من روتين الطفل في التربية البطيئة.

وتتيح التربية البطيئة للأطفال حرية اللعب المستقل أو الذهاب في نزهة في الطبيعة، مما يشبع فضولهم ويمنحهم حرية الاستكشاف والميل إلى الملاحظة وطرح المزيد من الأسئلة.

وفي تقريرها لعام 2018 “قوة اللعب: دور طب الأطفال في تعزيز النمو لدى الأطفال”، سلطت الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال الضوء على أهمية اللعب الحر في تنمية المهارات الاجتماعية والمعرفية والعاطفية ودوره في تعزيز مهارات القرن الـحادي والعشرين اللازمة للنجاح، مثل حل المشكلات والتعاون والإبداع، وكذلك أشارت إلى دوره في إتقان مهارات إدارة المخاطر.

بدلا من ملء يوم الطفل بالنشاطات، تشجع هذه التربية على فترات من الفراغ الخلّاق، الذي يعزز الفضول والخيال.

وتقوم على مبدأ الاستماع الفعّال أي الإصغاء للطفل دون مقاطعة أو تقليل من شأن مشاعره ما يرسخ لديه شعورا بالأمان ويعزز ثقته بذاته.

وفي هذا الأسلوب التربوي الجديد، يعامل الوالدان الطفل كشخص جدير بالاحترام والتقدير، مما يُنمي لديه احترام الذات والكرامة الداخلية.

وتسهم التربية البطئية في تعزيز الاستقلالية من خلال السماح للطفل باتخاذ قرارات صغيرة، يتعلم أن صوته مهم وأنه قادر على القيادة، ما يعزز شعوره بالكفاءة.

كما تنبني على قبول الفشل والتعلم منه، وتعد بيئة لا تحكم على الأخطاء بل تعتبرها فرصا للتعلم، حيث يتعلم الطفل أن الفشل لا ينقص من قيمته.

كما تشجع على النمو العاطفي الصحي، حيث يُسمح للطفل بالتعبير عن مشاعره دون قمع أو إنكار، يتطور لديه ذكاء عاطفي قوي وثقة في نفسه وفي من حوله.

تربية طفل بثقة عالية تبدأ من بيت يُقدر التمهل ويُنصت للطفل ويدعمه ليكتشف ذاته على مهل، بخطى ثابتة

ويُعلّم هذا النمط الطفل أن النجاح لا يُقاس دائما بالسرعة أو التفوق الأكاديمي، بل بالشعور بالرضا الداخلي والتطور الحقيقي.

ويذهب البعض إلى أن التربية البطيئة لا تناسب نمط الحياة الحديث، لكنها في الواقع ضرورة، حيث يرى الخبراء أنه في عالم مليء بالتشتت والمقارنات، يحتاج الأطفال إلى مساحة آمنة ليكونوا أنفسهم، ويكتشفوا العالم من حولهم دون ضغط أو استعجال.

ويشير الخبراء إلى أن تربية طفل بثقة عالية تبدأ من بيت يُقدر التمهل ويُنصت للطفل ويدعمه ليكتشف ذاته على مهل، بخطى ثابتة.

وبحسب الخبراء، لا تعبر التربية البطيئة عن بطء الإنجاز، بل عن عمق الحضور، وهي دعوة لأن يرافق الآباء والأمهات أطفالهم في رحلة الحياة، لا يدفعونهم فيها دفعا. لأنها ليست سباقًا، بل رحلة ممتعة لا تتكرر.

ويؤكد الخبراء على أهمية التمييز بين التربية البطيئة والتربية المتساهلة، فالتربية البطيئة تعطي الأولوية للتواصل وتضع حدودا مبنية على المحبة، أما التربية المتساهلة، فتفتقر إلى الهيكلية والانضباط، مما قد يشعر الأبناء بعدم الاستقرار وانعدام الأمان.

وتعطي التربية البطيئة الأولوية للمحادثات المفتوحة والتأمل، مما يساعد الأطفال على الشعور براحة أكبر في مناقشة مشاعرهم وتطوير مهاراتهم في التواصل.

16