"الترامبية" وعنجهية السفراء الأميركيين

السياسة الخارجية الأميركية في عهد ترامب خلعت ثوب الدبلوماسية وباتت تغطي عورتها بورقة توت كتب عليها "لا شيء مجانا والسياسة هي فن تحصيل الأموال".
الثلاثاء 2019/03/26
الاستثناء الوحيد في سياسة ترامب الخارجية هو إسرائيل

عندما يصف ساسة ألمان السفير الأميركي ريتشارد غرينيل في بلادهم بالمندوب السامي أو الضابط الاستعماري، فهذا يعكس مدى الضيق الذي يشعرون به إزاء التدخل السافر والفظ في شؤون بلادهم. حتى المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل لم تعد تحتمل غطرسة هذا السفير، وباتت قاب قوسين أو أدنى من طرده.

يعبر سلوك السفير الأميركي في ألمانيا عن العقلية التي تتعامل بها الولايات المتحدة مع دول العالم. ولك أن تتخيل ماذا يفعل السفراء الأميركيون في الدول الضعيفة إذا كانوا ينتقدون ويهددون ساسة واقتصاديين في دولة مثل ألمانيا تحتل المرتبة الرابعة عالميا في اقتصادها وتقود تكتلا بحجم الاتحاد الأوروبي.

يعكس السفراء الأميركيون وجه الإدارات التي تنتدبهم ليمثلوها حول العالم، وما يميز سفراء الرئيس دونالد ترامب هو إتقانهم للغة الابتزاز التي يتحدث بها مع خصومه وحلفائه على السواء. منهم من يتماهى مع الرئيس “الزعيم” كحال السفير غرينيل، ومنهم من يحول السفارة لغرفة عمليات تدير مزادات على دعم أميركي لموقف أو تجاهل أميركي لأزمة.

السياسة الخارجية الأميركية في عهد ترامب خلعت ثوب الدبلوماسية وباتت تغطي عورتها بورقة توت كتب عليها “لا شيء مجانا والسياسة هي فن تحصيل الأموال”. التكتيك الذي يترجم هذه الإستراتيجية هو المقايضة المادية وليست السياسية، والنتيجة الواضحة لهذه الإستراتيجية بعد عامين من حكم ترامب هي جبهات أميركية تنتشر في قارات العالم.

حجة ترامب في غالبية جبهاته هي الوعود الانتخابية التي قطعها خلال السباق الرئاسي الأخير، وفي الطريق نحو تنفيذ هذه الوعود يجب أن يرافقه أشخاص يشبهونه في أساليب التفكير والمرجعيات. لم يكن الأمر سهلا وقد أدى إلى إقالة واستقالة أكثر من خمسين مسؤولا في إدارة ترامب منذ وصوله إلى البيت الأبيض في يناير عام 2017.

الاستثناء الوحيد في سياسة ترامب الخارجية هو إسرائيل، الحليف الذي لا يُبتز ويحصل على ما يريد كاملا ودون مقابل. في الأمس منحها القدس عاصمة، واليوم يمنحها الجولان السوري مصدرا للمياه والغذاء والأمن، وطبعا كل هذا لن يؤثر على حجم الدعم الأميركي المباشر لإسرائيل في المال والسلاح والمواقف المؤيدة في الأروقة الدولية والدبلوماسية.

في منتدى “الغد للشرق الأوسط” الذي عُقد في لندن مؤخرا، قال ديفيد ماكوفسكي مدير مشروع عملية السلام في الشرق الأوسط بمعهد واشنطن، إن الولايات المتحدة كانت تستطيع أن تأخذ من الإسرائيليين شيئا ما مقابل منحهم القدس كعاصمة، وتقدمه للفلسطينيين من أجل دفع عملية السلام بين الطرفين، ولكنها لم تفعل ومنحت القدس للإسرائيليين كهبة.

السيناريو ذاته سيتكرر في الجولان السوري ولن تضطر إسرائيل لدفع أي مقابل للمكرمة الأميركية الجديدة. لن نسأل لماذا، ولكن لا بد لنا من القول إن دولا كثيرة، عربية وغربية، باتت تطمح للخلاص من الابتزاز الأميركي باستثناء مشابه لما تتمتع به إسرائيل أو حتى أقل منه بكثير.

أصبحنا نشاهد بالعين المجردة الابتزاز العلني بين الدول، و”الترامبية”، إن جاز التعبير، تنتشر خارج حدود الولايات المتحدة الأميركية. ترامب كان في هذا قدوة للكثير من الساسة والقادة حول العالم، والسفير الأميركي في برلين وغيره من رسل ترامب ربما يكونون خير من ينشر مذهب العنجهية في الدبلوماسية.

8