التراث والمواقع الثقافية والتاريخية في مرمى الصراعات والحروب

32 مؤسسة ثقافية تعرضت للدمار منذ اندلاع الحرب في غزة.
السبت 2024/04/20
مسجد أثري مدمر في غزة

الدوحة - احتفى العالم في الثامن عشر من أبريل الجاري، باليوم العالمي للتراث أو اليوم العالمي للآثار والمواقع، الذي حمل شعار “الصراعات والكوارث من منظور وثيقة البندقية: الكوارث الطبيعية والصراعات، ثبات (صبر) الإرث – التأهب، الاستجابة والقدرة على التعافي”، وجعلته اليونسكو محط أنظار العالم، وذلك من أجل لفت الانتباه إلى التأثير العميق للصراعات والحروب والكوارث الطبيعية على التراث العالمي.

ويتزامن الاحتفال هذا العام مع الحرب الدائرة في غزة والتي ألحقت أضرارا كبيرة بمواقع تراثية وثقافية.

وكانت اليونسكو أوضحت في بيان أن أضرارا لحقت بـ41 موقعا منذ طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر 2023، إذ تضررت 10 مواقع دينية و22 مبنى ذا أهمية تاريخية و/أو فنية، ومستودعان للممتلكات الثقافية المنقولة و3 صروح أثرية ومتحف واحد و3 مواقع أثرية. في حين قالت وزارة الثقافة الفلسطينية إن 32 مؤسسة ثقافية (مراكز ومسارح..) تعرضت لدمار جزئي أو كلي منذ اندلاع الحرب في غزة.

ونبه الخبير في علم الآثار الدكتور طارق مداني، أستاذ مادة العمارة وعلم الآثار في جامعة محمد الأول بوجدة (المغرب)، وعضو بإدارة الكرسي العلمي عمارة حول التراث المعماري المغربي الأندلسي بجامعة محمد السادس، إلى المخاطر التي تهدد الممتلكات الثقافية، بسبب النزاعات والكوارث التي تشكل خطرا على سلامة الأشخاص الذين يعيشون بالقرب من هذه المواقع أو الذين يعملون على حمايتها. كما يمكنها أن تجعل الوصول إلى المواقع التراثية أمرا صعبا أو خطيرا، وهو ما يحد من جهود الحفاظ عليها.

طارق مدنيذ: حماية التراث عملية معقدة تتطلب جهودا كبيرة
طارق مدنيذ: حماية التراث عملية معقدة تتطلب جهودا كبيرة

وأشار إلى أن وثيقة البندقية، المعروفة باسم “توصيات للحفاظ على المواقع الثقافية والتاريخية” التي نشرتها اليونسكو عام 1964، والتي يتمحور حولها موضوع احتفالية هذا العام، تتناول عدة جوانب تتعلق بالنزاعات والكوارث الطبيعية التي يمكن أن تسبب أضرارا كبيرة للمواقع التاريخية والثقافية، ما يؤدي إلى إتلاف أو تدمير المباني والتحف والأعمال الفنية. وأكد أن أوقات الأزمات تفرض على البلدان والهيئات الدولية والمتخصصين تحديات كبيرة تتطلب بذل جهود خاصة لحماية المواقع الثقافية والحفاظ عليها.

وأضاف مداني “في فترات الأزمات والكوارث، وتبعا لسلم الأولويات، تصبح الموارد المالية والبشرية والتقنية اللازمة لحماية التراث محدودة. وفي الوقت نفسه يمكن أن يؤدي الضرر الذي يلحق بالمواقع الثقافية إلى خسارة لا رجعة فيها لتاريخ المجتمع وذاكرته الثقافية”، لافتا إلى أن من صعوبات إعادة تأهيل هذه المواقع أن ترميم الضرر الذي يلحق بها يمكن أن يستغرق وقتا طويلا ومكلفا.

وبخصوص إمكانية وقف الهجمات على المواقع التراثية وحمايتها من الصراع، وكيف يمكن تشجيع المجتمعات المحلية على الحفاظ على هويتها وتراثها والحفاظ عليهما، أكد الخبير المغربي أن ذلك يتطلب اتباع نهج شامل يجمع بين التدابير الوقائية والتعاون الدولي، وزيادة الوعي بالتحديات التي تواجه حماية التراث الثقافي.

وأضاف أننا بحاجة إلى تطوير إستراتيجيات قصيرة وطويلة المدى لحماية المواقع التراثية من الهجمات المرتبطة بالصراع.

ولخص الدكتور طارق مداني هذه الإستراتيجيات في عدد من الأبعاد والمستويات: فعلى مستوى الإطار القانوني والتنظيمي دعا إلى العمل على تعزيز القوانين الدولية واحترام الاتفاقيات الدولية، مثل اتفاقية لاهاي لحماية الملكية الثقافية في حالة النزاع المسلح (1954) وبروتوكولها الذي يحظر الهجمات على الممتلكات الثقافية، مع تشجيع الحكومات على اعتماد وتنفيذ قوانين وطنية تتوافق مع المعايير الدولية لحماية التراث.

وعلى مستوى التعاون الدولي دعا إلى تعزيز التعاون مع المنظمات الدولية مثل اليونسكو لتبادل المعلومات والموارد ونشر أفضل الممارسات. ثم التعاون مع الدول والقوات العسكرية لرفع مستوى الوعي بالتزامات حماية التراث ومنع الهجمات.

وأضاف “كما يجب أن تحظى مسألة الوقاية والتخطيط بنفس القدر من الأهمية، وذلك بوضع خطط لإدارة المخاطر، وبروتوكولات أمنية، وإستراتيجيات طوارئ لحماية المواقع الثقافية”.

إلى جانب ذلك نبه خبير الآثار إلى نقطة مهمة أخرى، تتعلق بجانب التكوين والتعليم؛ وحث على وجوب تدريب الموظفين المسؤولين عن حماية التراث على إدارة المخاطر والتدابير الأمنية، وعلى تدابير أخرى تتعلق بالرصد والتوثيق ووضع أنظمة مراقبة للكشف عن التهديدات المحتملة والتصرف بسرعة. كما أنه من الضروري أيضا إنشاء قوائم جرد تفصيلية للمواقع التراثية مع الأوصاف والصور الفوتوغرافية والخطط.

أما بالنسبة إلى مسألة التوعية والتثقيف فشدد مداني على أهمية إعلام الفاعلين المحليين ورفع مستوى الوعي لدى المجتمعات المحلية والجهات المسلحة بأهمية حماية التراث الثقافي.

وفي نفس المجال دعا إلى وجوب التفكير في بعض الأساليب لتشجيع المجتمعات المحلية على الحفاظ على هويتها وحماية تراثها وتعزيزه من قبيل: التوعية وتنفيذ برامج تثقيفية لتعريف أفراد المجتمع بأهمية تراثهم الثقافي، وتنظيم ورش عمل لتعليم السكان كيفية الحفاظ على تراثهم وحمايته، وتشجيع أفراد المجتمع على المشاركة الفعالة في إدارة تراثهم والحفاظ عليه، ثم استشارة المجتمع بشأن مشاريع الحفظ والترميم لضمان مراعاة احتياجاتهم ومصالحهم.

الاحتفال باليوم العالمي للتراث تزامن مع الحرب الدائرة في غزة والتي ألحقت أضرارا كبيرة بمواقع تراثية وثقافية

أما النهج الآخر للحفاظ على المآثر من وجهة نظر مداني، فهو مرتبط بالدعم المالي والفني، حيث يجب أن يقدم الدعم المالي والفني لهذه المجتمعات لمساعدتها في الحفاظ على تراثها وتقديم الحوافز المالية لمشاريع الحفظ المحلية.

وتابع قائلا “يمكننا أن نضيف مسألة تعزيز التراث من خلال تطوير السياحة المستدامة التي تعزز التراث المحلي مع الحفاظ على المواقع التاريخية. وربما تنظيم مهرجانات وفعاليات ثقافية للاحتفاء بالتراث ولفت الانتباه إلى أهميته”.

ومع كل هذا، أكد أستاذ مادة العمارة وعلم الآثار أنه لن تجدي كثيرا المقترحات آنفة الذكر، إذا لم يكن هناك عمل متعمق وحماية قانونية في الواقع، واعتماد قوانين محلية لحماية التراث الثقافي والتاريخي، والعمل على رفع مستوى الوعي بالقوانين من خلال إعلام المجتمعات بالحماية القانونية القائمة لمساعدتها على إنفاذ حقوقها.

وشدد على ضرورة تشجيع التعاون بين الدول والمنظمات والخبراء لتبادل المعرفة والموارد اللازمة لحماية التراث، وإعلام المجتمعات المحلية بأهمية الحفاظ على التراث الثقافي وإشراكها في جهود الحماية.

في الوقت نفسه نوه إلى مسألة التوثيق وجرد التراث والحفاظ على سجلات مفصلة وحديثة للمواقع الثقافية، ولاسيما الصور الفوتوغرافية والتصاميم، والأرشيف الرقمي للمساعدة في الترميم في حالة حدوث ضرر.

وأشار مداني إلى أنه من الطبيعي عند ترميم المواقع، الحرص على استخدام تقنيات الترميم المناسبة لإصلاح وإعادة تأهيل المواقع المتضررة، مع احترام أصالة الأماكن وسلامتها، إذ من خلال تنفيذ هذه الأساليب سيتم تشجيع المجتمعات المحلية بشكل أكبر وتجهيزها بشكل أفضل لحماية هويتها وتراثها والحفاظ عليهما. وهذا يتطلب التزام جميع أصحاب المصلحة، بما في ذلك الحكومات والمنظمات الدولية والجهات الفاعلة المحلية.

13