التدافع نحو أفريقيا يخرج إلى العلن

أفريقيا أصبحت ساحة معركة سياسية لروسيا والغرب منذ غزو أوكرانيا ويتمحور تركيز هذه المعركة على القصور الرئاسية في جميع أنحاء القارة حيث يتم التوصل إلى صفقات ثنائية.
السبت 2023/02/18
أفريقيا ساحة معركة سياسية لروسيا والغرب

ظلت الحرب في أوكرانيا على امتداد عدة أشهر موضوعا مسكوتا عنه في أفريقيا. وكانت روسيا والغرب يتنافسان على النفوذ في القارة بالصفقات والدعم الدبلوماسي، ولكنهما نادرا ما كانا يشيران إلى مساعيهما لكسب ود القارة في سياق حرب أوكرانيا. لكن الأمر يختلف الآن.

وربط وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف صراحة بين رحلاته والحرب في حديثه الأسبوع الماضي بعد جولته المصغرة الثانية في القارة. وأعلن أن بلاده تعمل على تعزيز العلاقات مع أغلب دول العالم على الرغم من محاولات واشنطن خلق جو مشحون بالعداء ضد روسيا.

وأدى لافروف رحلتين إلى دول القارة في أواخر يناير وأوائل فبراير، شملت سبع دول أفريقية. وفي المقابل، زارت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين ثلاث دول فقط. لكن ليست هذه سوى علامات التعاون الأكثر وضوحا. وما اعتبر في السابق عرضا جانبيا سياسيا أصبح اليوم تدافعا حقيقيا على الأصوات واكتساب الدعم من القارة.

وأصبحت أفريقيا ساحة معركة سياسية لروسيا والغرب منذ غزو أوكرانيا. ويتمحور تركيز هذه المعركة على شقين، أولهما في القصور الرئاسية في جميع أنحاء القارة حيث يتم التوصل إلى صفقات ثنائية. كما تحدث في جو الأمم المتحدة الذي أصبح فيها التنافس على أصوات الأفارقة شديدا.

الاندفاع نحو أفريقيا حقيقي. وقد لا يكون بدرجة رسالة "كل شيء على أفريقيا" التي بعث بها بايدن للقادة الأفارقة

وقد أجرت الأمم المتحدة تصويتا يدين الغزو الروسي في مارس الماضي بعد فترة قصيرة من الغزو، ويُنظر إليه على أنه اختبار للرأي السياسي العالمي. وكانت أكبر مجموعة امتنعت عن التصويت من القارة الأفريقية. حيث امتنعت نصف الدول الأفريقية عن التصويت، وهو أمر واسى موسكو.

ثم أجرت روسيا في سبتمبر استفتاءات في أربع مناطق محتلة في شرق أوكرانيا، مما مهد الطريق لضمها بالكامل. وامتنعت 19 دولة أفريقية عن التصويت لاحقا في الأمم المتحدة لإدانة الضم، فيما شكّل زيادة بدولتين عن التصويت في مارس.

لم يمر هذا النجاح الواضح دون أن يلاحظه أحد في الغرب الذي لا تزال بحوزته بعض الأوراق القوية ليلعبها رغم كل الحديث عن تراجع نفوذه في القارة الأفريقية. ولعبت واشنطن ورقتين في الخريف حين أعادت قمة قادة الولايات المتحدة وأفريقيا بعد توقف دام ثماني سنوات.

وأيد جو بايدن علنا تغييرين مؤسسين طالبت بهما الدول الأفريقية منذ فترة طويلة، أولهما مقعد للقارة في مجموعة العشرين لأغنى الاقتصادات، وثانيهما مقعدان دائمان لأفريقيا في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.

في حين كان التغيير الأول قيد الإعداد لبعض الوقت (وربما يتحقق هذا العام) نظرا إلى الدفع نحو علاقات أفضل مع أفريقيا إثر الحرب، سيكون التغيير الثاني مهما وزلزاليا. ويضم مجلس الأمن اليوم خمسة أعضاء دائمين يتمتعون بحق النقض (والترسانات النووية). ومن شأن إضافة اثنين آخرين من حاملي حق النقض أن يغير توازن المجلس بشكل جذري. كما سيؤدي إلى فتح المجلس لمزيد من التغيير. حيث سيصعب الجدل بأنه لا ينبغي أن يكون للهند مقعد أيضا.

ويبقى مجرد دعم الرئيس الأميركي لمطلب القارة أمرا مهما بغض النظر عن كيفية إدارة مثل هذه التغييرات. وأيد وزيرا خارجية فرنسا وألمانيا هذا الموقف في الشهر الماضي.

وهذه سياسة ذكية لأنها تجبر روسيا على اتخاذ موقف تحتاج فيه إلى توضيح ما إذا كانت توافق على التغيير أيضا. ورفضت موسكو دعم التغيير حتى الآن، وهو أمر يمكن أن يصبح نقطة شائكة أكبر في العلاقات التي تجمعها بأفريقيا.

معضلة بريتوريا تظهر بشكل أقل حدة من جميع أنحاء القارة. هل يجب عليهم دعم التغييرات المؤسسية العامة التي يعرضها الغرب مقابل النأي بأنفسهم عن روسيا، أم الاستفادة من العلاقات الثنائية الملموسة التي تقدمها موسكو الآن؟

لكن هذا التدافع لحشد الدعم وضع البلدان الأفريقية الفردية في مواقف صعبة، حيث تسعى لتعظيم الفرص السياسية المتاحة بينما تستعد لليوم الذي يلي انتهاء الحرب ويبدّد الاهتمام.

لا توجد بلاد يبرز فيها هذا أفضل من جنوب أفريقيا. حيث امتنعت عن الإدلاء بصوتها في تصويتي الأمم المتحدة العام الماضي. وكانت الوجهة الوحيدة التي زارها كل من لافروف ويلين في الجولة الأخيرة ولم يفصل بين الزيارتين سوى يوم واحد.

تظهر معضلة بريتوريا بشكل أقل حدة من جميع أنحاء القارة. هل يجب عليهم دعم التغييرات المؤسسية العامة التي يعرضها الغرب مقابل النأي بأنفسهم عن روسيا، أم الاستفادة من العلاقات الثنائية الملموسة التي تقدمها موسكو الآن؟

يبدو أن بريتوريا اتخذت هذا الخيار ووافقت على استضافة مناورات بحرية مشتركة مع روسيا والصين، لتنطلق هذا الأسبوع وتمتد إلى الذكرى السنوية لبدء الغزو. لكن سيكون من الخطأ اعتبار أي شيء من ذلك أمرا نهائيا. فقد تكون جنوب أفريقيا (مثل البلدان الأخرى) تحوط رهاناتها بينما تبقى غير مستعدة للالتزام مع طرف في حرب بعيدة.

إن الاندفاع نحو أفريقيا حقيقي. وقد لا يكون بدرجة رسالة “كل شيء على أفريقيا” التي بعث بها بايدن للقادة الأفارقة في ديسمبر، ولكن تُعرض على القارة مكاسب سياسية حقيقية وملموسة مقابل الدعم السياسي في حرب أوكرانيا.

ومن المفارقات أن لعبة شد الحبل تثبت حجة موسكو المركزية، وهي أنها ليست وحدها في مواجهة الغرب. فرغم الإيحاء بأن العديد من الدول الأفريقية تدعم روسيا بدافع العداء تجاه الغرب، يبقى الأمر الأكثر احتمالا هو أن الدول الأفريقية تستجيب بشكل إيجابي بعد تجاهلها لفترة طويلة للقوى الخارجية التي بدأت أخيرا تقدر قيمتها.

9