التحول من القائمة إلى الأفراد يغير طبيعة دخول الأحزاب إلى البرلمان التونسي

منع ترشيح العسكريين والأمنيين والأئمة وغموض بشأن تمثيل النساء.
السبت 2022/09/17
الأحزاب تغادر المشهد

تونس- أصدر الرئيس التونسي قيس سعيد الخميس قانونا انتخابيا جديدا يغير فيه نظام الانتخاب الذي يعتمد على القائمة بنظام يقوم على انتخاب الأفراد، وهو ما قد يقلص دور الأحزاب السياسية في البرلمان، من دون أن ينهيه تماما، في خطوة قال مراقبون إنها ستمثل اختبارا لشعبية الأحزاب وفاعليتها ومدى قدرتها على التفاعل مع أيّ نظام.

وقال مراقبون ومحللون تونسيون في تصريحات لـ”العرب” إن الانتخاب على الأفراد سيعني أن الحزب أو الحركة السياسية سيجد كلّ منهما نفسه مجبرا على تقديم شخص واحد ممثل له على أن تكون له شعبية في المنطقة التي يسكن فيها، وليس شخصا نكرة أو أنه يقيم في العاصمة أو في المدن الكبيرة ويتم ترشيحه في ولايته الأصلية ليتم انتخابه بالرغم من انعدام شعبيته وعدم معرفته بأوضاع الناس ليكون ممثلا للحزب وليس للناخبين كما كان يحصل في السابق.

وأشار المراقبون إلى أن أغلب قادة الأحزاب قد لا يدخلون البرلمان الجديد عكس ما جرى في 2019 لكونهم لا يسكنون في مناطقهم الأصلية، فضلا عن أنهم معزولون عن الناس ومتفرغون لأحزابهم، لافتين إلى أن رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي ما كان ليفوز لو ترشح كفرد لكونه أكثر شخصية مكروهة لدى الناس كما تقدمه استطلاعات رأي مختلفة ومع ذلك فقد فاز ليكون معبّرا عن حزبه، وهو أمر سيختفي هذه المرة إذ لن يترشح إلا من له شعبية بين الناس.

رافع الطبيب: النظام الانتخابي يدفع الأحزاب إلى تغيير تصوراتها

ويرى هؤلاء أن القانون الانتخابي الجديد لا يستهدف الأحزاب، وإنما يوفر المناخ الملائم الذي يمكّن من ينتمون إلى الأحزاب والمرشحين المستقلين من أن يخوضوا الانتخابات بفرص متكافئة، وهو ما يوفر مصداقية للبرلمان أو المجلس الوطني للجهات والأقاليم (الغرفة الثانية للبرلمان).

وقال الرئيس التونسي خلال اجتماع لمجلس الوزراء “نمرّ بمرحلة جديدة في تاريخ تونس لسيادة الشعب بعد أن كانت الانتخابات صورية”. وأضاف أن القانون الجديد لا يقصي الأحزاب السياسية وأن هذه الاتهامات “غير صحيحة ومحض افتراءات”.

ويبدو أن الرئيس سعيد تأثر بالنموذج البريطاني في التعامل مع الأحزاب، حيث يقدم كل حزب مرشحا واحدا عن كل دائرة ثم بعد النتائج يعرف كل حزب وضعه في البرلمان وكم يمتلك من نائب.

وقال رافع الطبيب، الباحث في الشؤون الجيوسياسية، إن “الأحزاب عندما تكون ضعيفة، وليست لها قيادات من عمق الشعب، من الطبيعي أن تكون خارج المجلس الجديد”.

وأضاف في تصريح لـ”العرب”، “سيتم بناء التنظيمات السياسية لا على أساس القيادات في تونس، بل انطلاقا من العمق الشعبي، ونظام الاقتراع على الأفراد سيزيح الأحزاب من مكانتها في البرلمان وسيجعلها تغيّر تصوراتها”.

وتابع الطبيب “السياسة تحوّلت في تونس إلى نوع من انتحال الشخصية في السنوات الأخيرة، وهذا العهد انتهى، ومن سيتحدث باسم الشعب يجب أن يكون ابن الشعب فعليّا”، متوقعا أن “لا يوجد الكثير من الأحزاب في البرلمان الجديد، وربما ستكون هناك أحزاب صغيرة، وأخرى ستتحول إلى نكرة”.

وكان الدستور الديمقراطي السابق لعام 2014 قد كرس دورا رئيسيا للبرلمان، مانحا إياه المسؤولية الرئيسية عن تشكيل الحكومات، في حين كان الرئيس يتمتع بسلطات أقل.

وبدلا من ذلك، وضع الدستور الجديد الحكومة تحت سلطة الرئيس مباشرة، وحدّ من نفوذ البرلمان الجديد المؤلف من غرفتين.

وقال المحلل السياسي نبيل الرابحي إن “النظام الانتخابي القديم كان فيه الولاء للحزب، واليوم بإمكان أيّ مواطن الترشح بصفة فردية، وهذه نظرة سياسية جديدة تقلّص دور الأحزاب، وأصبح الحديث عن نائب شعب لا نائب حزب”.

وأكّد الرابحي “لن تكون هناك أحزاب في البرلمان الجديد، بل سيكون هناك أفراد مختارون ويرشحهم الشعب”.

نبيل الرابحي: لن تكون هناك أحزاب بل أفراد مختارون من الشعب

وشدّد المرسوم الذي حدد معالم القانون الانتخابي الجديد على استثناء ترشيح العسكريين المباشرين والمدنيين مدة قيامهم بواجبهم العسكري ورجال قوات الأمن الداخلي المباشرين، وكذلك القضاة وأئمة المساجد.

ونص الفصل الـ19 من القانون الانتخابي الجديد على أنّ الترشّح لعضوية مجلس نواب الشعب حق لكلّ ناخبة أو ناخب تونسي الجنسية مولود لأب تونسي أو لأم تونسية وغير حامل لجنسية أخرى بالنسبة إلى الدوائر الانتخابية بالتراب التونسي.

وجاء في القانون أن “التصويت في الانتخابات التشريعية على الأفراد في دورة واحدة أو دورتين عند الاقتضاء، وذلك في دوائر انتخابية ذات مقعد واحد”، وأنه “إذا تقدم إلى الانتخابات مرشح واحد في الدائرة الانتخابية، فإنه يصرح بفوزه منذ الدور الأول مهما كان عدد الأصوات التي تحصّل عليها”.

وأشار القانون الجديد كذلك إلى أنه “يمكن سحب الوكالة من النائب في دائرته الانتخابية في صورة إخلاله بواجب النّزاهة أو تقصيره البيّن في القيام بواجباته النّيابية، أو عدم بذله العناية المطلوبة لتحقيق البرنامج الذي تقدم به عند الترشح”.

ويرى المراقبون أن القانون الانتخابي قد جاء معبّرا عن توجهات الرئيس سعيد بشأن الحد من نفوذ الأحزاب وإعطاء فرصة لمختلف الشرائح من أجل الترشح، لكنه ترك تساؤلات بشأن موضوع التناصف الذي تم اعتماده في الانتخابات السابقة ومكّن من صعود الكثير من النساء إلى البرلمان لاكتساب التجربة وتمثيل المرأة التونسية.

ولفتوا إلى أنه من دون “كوتا” قانونية تضبط تمثيل النساء في البرلمان ومجلس الجهات والأقاليم، فإن طبيعة المجتمع والتوازنات المناطقية والعشائرية ستدفع آليا إلى ترشيح الذكور وتهميش النساء، وأن سكوت القانون الانتخابي عن هذه النقطة يهدد بالعودة بموضوع التناصف إلى نقطة الصفر.

1