التحول النظيف يغذي جدل تمويل ضريبة وقود الطيران المستدام

تشكل قضية الاستدامة موضوعا رئيسيا خلال فعاليات معرض سنغافورة للطيران، وهو أكبر تجمع للصناعة في آسيا، والذي يفتتح الثلاثاء حيث يغذي التحول الأخضر جدل تمويل الضريبة التي سيتم فرضها على المسافرين جراء استخدام الوقود النظيف.
سنغافورة - تواجه صناعة الطيران معضلة صعبة للحفاظ على البيئة، إذ تخوض الحكومات منذ فترة نقاشات حول ما إذا كان بإمكان الشركات المواءمة بين تسيير المزيد من الرحلات وخفض الانبعاثات الناتجة عن أساطيلها للمساهمة في الجهود الدولية لحماية المناخ.
وتتمثل أهم التحديات في إنفاق الكثير من الأموال والاستغراق وقتا طويلا في تبديل الأساطيل التقليدية من الطائرات بأخرى منخفضة الكربون وتغيير البنية الأساسية الحالية وإقرار معايير السلامة والأمان.
وكشفت سنغافورة الاثنين أنه سيتعين على المسافرين تحمّل تكلفة التحول نحو وقود الطائرات الأخضر، معلنة عن خطط لفرض ضريبة من شأنها رفع أسعار التذاكر في الوقت الذي تبحث فيه الصناعة عن نموذج تمويل قابل للتطبيق.
وقال وزير النقل السنغافوري تشي هونغ تات إن بلاده “تهدف إلى أن تستخدم جميع الرحلات وقود الطيران المستدام (أس.أي.أف) بنسبة واحد في المئة اعتبارا من عام 2026”.
وأكد أن بلاده تخطط لزيادة النسبة إلى ما بين 3 و5 في المئة بحلول 2030 رهنا بالتطورات العالمية وتوافر وقود الطيران المستدام واعتماده على نطاق أوسع.
وتحدث تات عن الحاجة إلى إعطاء أهداف متواضعة في البداية قائلا إن ذلك “سيضر بمركزنا الجوي واقتصادنا، وسيرفع تكلفة السفر للركاب إذا كنا مفرطين في الطموح في ما يتعلق بأهداف الاستدامة لدينا”.
وتشير التقديرات إلى أن قطاع الطيران ينتج اثنين في المئة من الانبعاثات العالمية، لكنه يعتبر من أصعب القطاعات لإزالة الكربون.
والهيئات التنظيمية الأوروبية هي الأكثر نشاطا في محاولة تعزيز استخدام وقود الطيران المستدام إذ أدخلت قواعد تجبر الشركات على تلبية الحد الأدنى من المتطلبات لاستخدامه مثل فرنسا التي تستهدف اثنين في المئة بحلول 2025 و5 في المئة بحلول 2030.
وبموجب النموذج الأوروبي، تدفع الشركات تكاليف استخدام الوقود المستدام وتقرر ما إذا كانت ستنقل التكلفة إلى الركاب في سعر التذكرة، لكن ضريبة سنغافورة ستختلف بناء على عوامل مثل مسافة الرحلة ودرجة السفر.
ووضعت هيئة الطيران المدني في سنغافورة خطة بالتشاور مع أهل الصناعة وأصحاب المصلحة الآخرين لتنفيذها على مراحل.
وسيبلغ سعر تذكرة الدرجة الاقتصادية على رحلة مباشرة من سنغافورة إلى بانكوك وطوكيو ولندن مبلغا تقديريا يبلغ 3 دولارات سنغافورية (2.23 دولار) في عام 2026 وسيزيد المبلغ تدريجيا لدفع تكاليف الوقود المستدام.
ويمثل وقود الطيران المستدام الذي يمكن تصنيعه إما من خلال العمليات الاصطناعية أو من مواد بيولوجية مثل زيت الطهي المستخدم أو رقائق الخشب، حاليا 0.2 في المئة في سوق وقود الطائرات ويكلف ما يصل إلى خمسة أضعاف تكلفة وقود الطائرات التقليدي.
وقال أونغ شو هون، نائب رئيس قسم الوقود في منطقة آسيا والمحيط الهادئ في شركة إكسون موبيل آسيا والمحيط الهادئ إن “التحدي الكبير الذي نواجهه والذي يساهم في ارتفاع التكاليف هو في الواقع تأمين الأعلاف المشتقة بيولوجيا”.
وذكر مصدر في نيستي، وهي الشركة الوحيدة حاليا في سنغافورة التي تنتج وقود الطيران المستدام، لرويترز أن لديها القدرة على إنتاج مليون طن سنويا في مصفاتها في البلاد التي بدأت التشغيل العام الماضي.
وهذه الطاقة أكثر من 10 أضعاف الحجم المطلوب لهدف واحد في المئة بحلول 2026، بينما أنتجت 251 ألف طن من الوقود النظيف في عام 2023، وفقا لأحدث تقرير مالي لنيستي.
وتؤكد صناعة الطيران إن استخدام الوقود النظيف يحتاج إلى الارتفاع إلى 65 في المئة بحلول عام 2050 كجزء من خطة للوصول إلى “صافي الانبعاثات”، رغم أن ذلك سيتطلب ما يقدر بنحو 1.45 تريليون دولار إلى 3.2 تريليون دولار من الإنفاق الرأسمالي.
وقال ويلي والش رئيس الاتحاد الدولي للنقل الجوي (إياتا) في قمة شانغي للطيران عشية معرض سنغافورة للطيران “ستكون هناك تكلفة مرتبطة بالانتقال إلى صافي الصفر”.
وأضاف “في نهاية المطاف يجب أن تنعكس هذه التكلفة على أسعار التذاكر التي نفرضها على المسافرين، الأمر الذي سيكون له تأثير مثبط على مستوى النمو”.
وأوضح أن اتحاد إياتا، الذي يمثل نحو 320 شركة طيران، يقدّر أن القطاع عالميا سينمو بنحو 3.3 في المئة سنويا على مدى العشرين عاما المقبلة، وهو أقل بكثير مما كان عليه بين عامي 2010 و2019، بسبب التحديات البيئية وقضايا سلسلة التوريد.
وأكد أن هناك مخاطر من أن الضرائب المفروضة على تدابير استدامة الطيران لن تقلل من عدد الرحلات الجوية، لكنها قد تدفع بعض الأشخاص إلى التوقف عن الطيران وتؤدي إلى مقاعد فارغة، وهو أمر ليس في صالح البيئة.
وتوصلت منظمة الطيران المدني الدولي (إيكاو) في نوفمبر الماضي إلى اتفاق دولي بشأن إطار عالمي لوقود الطيران منخفض الكربون والوقود المستدام، وأنواع أخرى من الوقود النظيف في ختام أعمال المؤتمر الثالث للطيران وأنواع الوقود البديل.
وحدد الإطار العالمي لوقود الطيران المستدام الذي أعلن من دبي، قبل أيام قليلة من استضافة الإمارة لمؤتمر “كوب 28″، هدفا طموحا في خفض انبعاثات الكربون من قطاع الطيران العالمي بنسبة 5 في المئة بحلول عام 2030.
وشدد لويس فيليبي دي أوليفيرا المدير العام للمجلس الدولي للمطارات في القمة على أن الحكومات في حاجة إلى الاستثمار في مصاف جديدة تنتج وقود الطيران المستدام للمساعدة في خفض التكلفة.
وقال إن “الحل ليس القيود على الطاقة الاستيعابية، الحل ليس فرض الضرائب، الحل هو إيجاد طرق يمكننا من خلالها العمل معا لزيادة الإنتاج الذي ستستخدمه بعد ذلك شركات الطيران في النظام”.
وعشية المعرض، قامت شركة أيرباص بتشغيل طائراتها طراز أي 350 – 1000 ذات الجسم العريض مع مزيج بنسبة 35 في المئة من الوقود المستدام الذي توفره شركة شل للطيران من زيت الطهي المستعمل والشحم.
ويرى لي وين فين، كبير مسؤولي الاستدامة في الخطوط الجوية السنغافورية، أنه بينما تنتظر الصناعة زيادة إنتاج الوقود المستدام، فإن استخدام الطائرات الحديثة الفعالة لتحل محل الطائرات القديمة التي تستخدم المزيد من الوقود هو الخيار الأكثر فعالية.
